حفارو الإطار وخطوات السوداني
احمد حسين
يبدو أن شهر العسل "المرّ" بين قادة الإطار التنسيقي فيما بينهم من جهة، وبين مرشحهم "الأوحد" لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، بدأ يفقد حميميته، وتتصاعد حرارة خلافاته إلى حد "إذابة شمع" هذا العسل ليسيح على ألسنة المضاربين في مزاد الصفقات السياسية، وما خبر احتدام الخلاف بين قادة الإطار والسوداني حول قراراته المنفردة عن ذلك ببعيد.
أعرف جيداً وغيري الكثير يعرفون أيضاً أن السوداني لم يكن المرشح "الأوحد" لرئاسة الحكومة وكان هناك نحو عشرة أسماء تتنافس بقوة بل بوصف أكثر كوميديا تنتف شعر بعضها البعض للفوز بهذا المنصب "الفخ"، وبعضهم بلغ به الانفعال والتشبث بأمل الولاية الثانية أن يتصرف تصرفات لا تليق بعمره البيولوجي ولا عمره السياسي وصدرت منه انفعالات أقل ما يقال عنها أنها "صبيانية"، وآخرون لم تكف معاولهم عن الحفر تحت طريق السوداني نحو رئاسة الحكومة حتى أنهم بعثوا برسائل "متوسلة" لخصوم الإطار أملاً في أن يساندوهم للفوز بجائزة الرئاسة، وهناك من "زحف" خارج الحدود بحثاً عن دعم إقليمي أو دولي ليرفع كأس الفوز، نحن ضحايا مهنة المتاعب مطلعون على ما دار ويدور لكن عقبتنا هي "ليس كل ما يُعرف يُقال" فقد يكلفنا ذلك ثمناً باهضاً لا يقتصر علينا شخصياً بل قد يطال أحبائنا، أو على أقل تقدير يجعلنا نخسر مصادرنا.
بالنسبة ليّ كنت متيقناً أن السوداني سيحظى بالوصول إلى رئاسة الحكومة رغم كل الظروف الاستثنائية والخطيرة التي رافقت ترشيحه، كنت واثقاً من ذلك ليس فقط استنتاجاً بل بناء على معلومات موثوقة، وفي الوقت نفسه كنت أتوقع أن لا تدوم حكومته لأكثر من شهرين وسيتم محاربته طوال الشهرين بشتى الوسائل وفي النهاية إن لم تفلح السبل السلمية سيتم اللجوء للسلاح والدم للإطاحة به، لكن ما نسف التوقعات هي رسالة "الستين دقيقة" التي فجّر بها زعيم التيار الصدري كل التكهنات والقراءات السياسية، وبالتالي وعلى وقع المفاجأة الصدرية الصادمة للجميع بات خيار السلاح مركوناً جانباً ربما مؤقتاً، كما أنني وبناء على معلومات سياسية وأيضاً استنتاج شخصي بناء على قراءتي المتواضعة لشخصية السوداني أرى أنه سيواصل المضي بحكومة كاملة الولاية من دون انتخابات مبكرة يتم التلويح بها بين وقت وآخر.
لكن يبدو أن كل التوقعات والقراءات السياسية وحتى المعلومات الموثوقة جميعها ليست دقيقة بل هي خاضعة لتقلبات المزاج السياسي، ولربما تكون الإطاحة بالسوداني من "أخوة يوسف" وليس من قبل أعدائه.
الشائع في الشارع العراقي وحتى في الوسط الصحفي هو أن محمد شياع السوداني مرشح زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وهذا صحيح، لكن ما هو غير صحيح أن السوداني "ظلاً" أو "أداة" للمالكي كما يطلق عليه البعض، وقد يتفاجأ الكثير حتى من الوسط الصحفي بأن السوداني والمالكي ليسا على وفاق حتى عندما طرح المالكي اسم السوداني مرشحاً لرئاسة الحكومة، لم يكن لدى المالكي مرشحاً يوازي ثقل السوداني ومقبوليته لدى الكتل السياسية والشارع العراقي، لذلك كان مضطراً لترشيحه والتمسك به ودعمه، كما أن السوداني ورغم "الشرخ" الذي بينه وبين المالكي اختار أن يكون مرشح المالكي للوصول إلى سدة الحكم وفي مخيلته أجندة لا يتفق معه عليها المالكي وأغلب قادة الإطار التنسيقي وبعض الأطراف الكوردية والسنية في تحالف إدارة الدولة.
يغامر السوداني بخوض معارك تحت طاولات متعددة وهو يثق بأنه يستطيع كسبها أو الحفاظ على هدوئها "الظاهري" لكن يبدو أنه لا يرى أو ربما يتجاهل غليانها الداخلي، يظن الرجل أن بإمكانه مواجهة ومسايرة خصوم وأنداد الداخل ومخادعة الضغوط الخارجية في الوقت نفسه، وهو بذلك يحيط نفسه بطوق ناري مساحته 360 درجة أفقياً وعمودياً، أنه يلقي بنفسه في كرة من النار ويريد أن يكون مركزها بإرادته، ونصيحتي له أن يخرج من هذه الكرة لكي يرى ما أصابه ويستطيع تقدير الحروق التي ستلحق به لأن من يكون وسط النار لا يعرف حجم إصاباته إلا إذا خرج منها وأخذ نفساً عميقاً ثم نظر إلى نفسه بدقة وتأني حينها يمكن له تشخيص مدى الضرر الذي لحق به ومعالجته.
معاول حفارو الإطار لن تكّل ولن تمّل يا أبا مصطفى فانظر في المرآة طويلاً بعد أن تتخذ أي قرار أو تقدم على أي خطوة، أندادك وخصومك وأعدائك لك بالمرصاد الدقيق.