تلميح الى مكتب الكاظمي و"بدر": تحقيق بريطاني يكشف تفاصيل "سرقة القرن"
شفق نيوز/ كشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية ان "سرقة القرن" التي فضحت في العراق وتضمنت نهب 2.5 مليار دولار من اموال الدولة من خلال عائدات الضرائب، ما كانت لتتم لولا اطلاع جهات متعددة، بينها "مكتب رئاسة الحكومة والبنك الذي أجاز السحوبات، وهيئة النزاهة والبنك المركزي ومنظمة بدر".
وذكرت الصحيفة البريطانية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، انها اطلعت على وثائق مسربة واجرت مقابلات مع اكثر من "دزينة" من المسؤولين ورجال الاعمال والمصرفيين المطلعين على تفاصيل قضية اختلاس عائدات الضرائب التي جرى "تبييضها" من خلال شراء عقارات في الحي الأكثر ثراء في بغداد.
واوضح التقرير البريطاني ان "سرقة القرن" التي طالت 2.5 مليار دولار قد سهلتها بعض أعلى الجهات في السلطة ، وفقا لمصادر وسلسلة من الرسائل الحكومية الصادرة في صيف العام 2021، مضيفا ان الوثائق الموقعة من عدة جهات حكومية بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء وقتها مصطفى الكاظمي، ألغت التدقيق المالي بالسحوبات من حسابات هيئة الضرائب العراقية.
واعتبر التقرير ان تلك الرسائل لم تحظى بالانتباه في ذلك الوقت حيث كان العراق يعيش عامين من الاضطرابات ويتجه نحو الانتخابات المبكرة، وعمل البرلمان مؤجل، في حين تركز وسائل الاعلام والمجتمع الدولي على انتخابات اكتوبر/تشرين الاول 2021. الا انه خلف الكواليس، فان المسرح كان مهيئ من اجل اختلاس الضرائب فيما بدا انه اكبر فضيحة فساد في عهد حكومة الكاظمي المدعومة من الغرب، وهي قضية مذهلة حتى بالنسبة لبلد يقع في ذيل لائحة مؤشر منظمة "الشفافية الدولية".
واستنادا الى تقرير التحقيق الداخلي المؤلف من 41 صفحة والذي اطلعت عليه "الجارديان"، فانه جرى سحب 2.5 مليار دولار من الاموال الضريبية من قبل شركات وهمية بدون اي امكانية ليتم تتبعها ورقيا وذلك بمساعدة مسؤولين فاسدين، ثم جرى تبييضها من خلال شراء العقارات في اكثر الاحياء ثراء في بغداد.
واشارت "الجارديان" الى انها توصلت الى ان هذا المخطط اعد من جانب رجل اعمال يتمتعون بصلات نفوذ، وجرى تنفيذه من جانب موظفين في لجنة الضرائب يتمتعون بدعم منظمة "بدر" المتحالفة مع ايران. واستنادا الى وثائق مسربة ومقابلات مع عدد كبير من المسؤولين ورجال الاعمال والمصرفيين من المطلعين بالتفصيل على القضية، فانه من غير الممكن حدوث عملية سرقة بمثل هذا الحجم من دون معرفة مجموعة واسعة من الجهات، بما في ذلك مكتب رئيس الوزراء، والبنك الذي سمح بعملية السحوبات النقدية، وهيئة النزاهة والبنك المركزي.
ونقل التقرير عن عضو سابق في اللجنة المالية في البرلمان طلب عدم الكشف عن هويته، قوله "انها شبكة كبيرة ويقف خلفها سياسيون كبار من تنظيمات قوية تقود البلد، وليس بامكان رؤساء الادارات ان يسرقوا مثل هذه المبالغ بمفردهم".
واضاف قائلا ان "هناك اتفاقا وكل شخص يحصل على قطعة". اما المدير السابق للمكتب الخاص للكاظمي، احمد نجاتي ، فقد قال "ان الزعم بان مكتب رئيس الوزراء وافق على الغاء التدقيق المالي وسهل السرقة، امر مضلل"، مضيفا ان "ازالة التدقيق ليس مبررا للسطو".
وبعدما لفت التقرير الى انه جرى الاعلان عن الفضيحة من جانب حكومة الكاظمي المنتهية ولايتها الشهر الماضي، والى ان عمليات الاستيلاء على مقدرات الدولة قائم من خلال النظام التوافقي في العراق، تابع قائلا انه "يقال ان الاستيلاء على الدولة قد تعمق في عهد الكاظمي، الذي كان يفضله الغرب لانه تعهد بكبح جماح الفصائل العسكرية للجماعات المتحالفة مع ايران مثل بدر، الا ان الكاظمي كان يفتقر الى قاعدة سياسية واصبح تحت ضغوط الاحزاب واجنحتها العسكرية التي حاولت احكام قبضتها على المناصب الحكومية المربحة".
ونقل التقرير عن موظف في لجنة الضرائب قوله ان "تقاسم المناصب خلال عهد الكاظمي تعزز بدرجة كبيرة.. انها كانت الوسيلة الوحيدة التي بامكانه من خلالها البقاء في السلطة". الا ان مكتب الكاظمي نفى مثل هذه الادعاءات.
وذكر التقرير نقلا عن مصادر عدة، ان واحدا على الاقل من مساعدي الكاظمي، كانت تربطه علاقات وثيقة مع رجل الاعمال الذي يعتقد انه دبر مخطط الاختلاس، بما في ذلك مدير مكتب الكاظمي السابق رائد جوحي.
وتابع التقرير ان ضياء الموسوي، ضابط المخابرات الذي عينه الكاظمي لقيادة مركز العمليات الوطني، هارب من ملاحقة القضاء الذي اصدر مذكرة بحقه تتعلق بتهم فساد غير مرتبطة بهذه القضية.
ولفت التقرير الى انه في خطوة سبقت حدوث السرقة، فان الرئيس السابق للجنة المالية في مجلس النواب هيثم الجبوري قدم توصية بانهاء دور هيئة التدقيق المالي في فحص السحوبات من حسابات هيئة الضرائب باعتبار ان هناك "العديد من الشكاوى" حول الاجراءات المطولة. وتابع التقرير انه بعد شهر على هذا القرار، جرى تعيين الجبوري مستشارا للكاظمي.
واوضح التقرير ان هذه الحسابات كانت تضم مليارات الدولارات من الودائع الضريبية التي دفعتها شركات اجنبية عاملة في العراق، وهي قابلة للاسترداد عند تقديم البيانات المالية الفعلية.
واضاف ان هذه الاجراءات كانت مرهقة لدرجة ان معظم الشركات قامت بشطبها متخلية عن المبالغ غير المطالب بها لتتراكم في هذه الحسابات.
ونقل التقرير عن العضو السابق في اللجنة المالية قوله ان اقتراح الغاء التدقيق المالي، كان يفترض ان يشكل علامة انذار حمراء للسلطة التي تعهدت بمحاربة الفساد، الا انه بدلا من ذلك، فان ديوان المحاسبة ومكتب رئيس الوزراء اصدرا خطابين يعبران فيهما عن عدم اعتراضهما على اقتراح الالغاء.
وتابع قائلا ان "كل ذلك كان جزءا من الخطة".
وفي حين ذكر التقرير ان تنفيذ عملية السرقة يتوقف على المتواطئين داخل هيئة الضرائب الذين يتمتعون بسلطة توقيع الشيكات، نقل عن اربعة مصادر داخل وزارة المالية قولها ان هذه الشبكة أنشأها مديرها السابق شاكر محمود.
وتابع التقرير استنادا الى وثيقة اطلعت عليها "الجارديان"، فانه بناء على الرسالة من مكتب رئيس الوزراء ومكالمة هاتفية مع هيئة التدقيق، فان شاكر محمود اصدر امرا بالغاء التدقيق.
ولفت التقرير الى انه بعد ذلك بوقت قصير، جرى نقل شاكر محمود الى دائرة الجمارك، حيث يشتبه كثيرون بوجود مخطط مشابه يتم العمل عليه.
ونقل التقرير عن 7 مصادر قولها ان شاكر محمود ومنفذي مخطط الاختلاس كانوا مدعومين من قبل منظمة بدر التي لها سيطرة على التعيينات الرفيعة المستوى في مفوضيتي الضرائب والجمارك.
والى جانب ذلك، فان هناك ضرورة لموافقة رئيس الوزراء على المدراء، بموجب مرسوم للعام 2020.
ولفت التقرير الى انه في الوقت الذي وقع فيه وزير المالية آنذاك علي علاوي على أوراق التعيينات الادارية، فان مصادر في وزارة المالية قالت انه لا يتمتع بسلطة كبيرة على التوظيف، وان "اثنين من مرشحيه رفضا تولي مناصب ادارية بعد ان تلقيا تهديدات من منظمة بدر".
وقال احد المسؤولين للصحيفة البريطانية ان "علاوي لم يستطع ازاحة احد لان بدر لن تقبل، وهو لم يحصل على دعم من مكتب رئيس الوزراء".
ونفى رئيس مكتب الكاظمي اي مسؤولية عن السرقة، قائلا ان هذه "العملية حدثت بأكملها داخل وزارة المالية، وبدأت في لجنة الضرائب وانتهت في بنك الرافدين (المملوك للحكومة)، وكلاهما يخضع لوزارة المالية".
واشار التقرير الى ان لجنة الضرائب بدأت في يوليو/تموز العام 2021 ، بإصدار شيكات بملايين الدولارات، وصل عددها الى 247 شيكا على الاقل لخمس شركات خلال 14 شهرا، ومررت هذه المبالغ من خلال فرع واحد من فروع بنك الرافدين الموجود في لجنة الضرائب، حيث جرى ايداع المبالغ في حسابات الشركات، ثم تم سحبها على الفور.
واذ لفت التقرير الى ان هذه السرقة لم تمر دون ان يلاحظها احد، قال ان علاوي اصدر قرارا في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 يحظر عمليات السحب، من دون موافقته، الا ان هذه العمليات استمرت من وراء ظهره. وتابع ان وحدة مكافحة تبييض الاموال التابعة لبنك الرافدين وجهت رسائل عدة الى الادارة للتبليغ عن هذه المعاملات المالية، الا انه يبدو انه لم يتم اتخاذ اي اجراء من قبل بنك الرافدين او من جانب البنك المركزي، المفترض ان المشرف على القطاع المصرفي.
ونقل التقرير عن احد المسؤولين المصرفيين قوله "ان هذا الكمية الكبيرة من الاموال التي يطلبها احد الفروع، كان ينبغي ان يثير أسئلة خطيرة للغاية".
كما نقل التقرير عن مصادر قولها ان موظفي مفوضية الضرائب الذين تحدثوا علانية انزلت بحقهم عقوبات وجرى نقلهم. وذكر التقرير بان علاوي استقال محبطا في اب/أغسطس متحدثا في خطاب الاستقالة اللاذع عن "اخطبوط ضخم من الفساد والخداع".
وتابع التقرير ان خليفته عندما امر باجراء تحقيق، كان رد الفعل في البرلمان حادا، وهو ما قاد لاحقا الى اقالته.
وختم التقرير بالقول ان هذه القضية هي بمثابة اختبار لحكومة السوداني الجديدة لملاحقة اصحاب النفوذ المشتبه بتورطهم في مخطط الاختلاس، بمن فيهم اعضاء في الائتلاف الذي اوصله الى الحكم.
وبرغم مصادرة 55 عقارا و250 مليون دولار من الاصول الاخرى واعتقال وتوقيف رجال اعمال ومسؤولين في هيئة الضرائب وصدور مذكرات بحق اخرين واوامر منع سفر، الا ان الصحيفة البريطانية نقلت عن احد القضاة في بغداد قوله انه "لا يوجد دليل حتى الان" على ان مسؤولين رفيعي المستوى لعبوا دورا.
وخلص التقرير الى القول ان قلة من العراقيين تعتقد انه ستكون هناك محاسبة حقيقية عما جرى. ونقل عن العضو السابق في اللجنة المالية قوله "سوف تلقى المسؤولية على اثنين من المديرين الصغار، وسيهرب الاخرون".