شفق نيوز تتقصى حريق "أبن الخطيب".. الإهمال والخلافات يشعلان النيران بالمؤسسات

شفق نيوز/ "لا تقولوا لي تماس كهربائي"، بهذه الجملة قطع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الطريق على كل من يرى أن سبب الحرائق يكون "تماسا كهربائيا" في أغلب الأحيان، فهل للإهمال والخلافات السياسية دور في إشعال النيران بمؤسسات الدولة العراقية؟

مختصون في حديث لوكالة شفق نيوز، ربطوا الحوادث المتكررة بخلافات سياسية تتكثف لاسيما قبيل أي انتخابات، فيما يبرز شبه اجماع من الرأي العام على ان قرارات الاقالة ولجان التحقيق لن تفلح في علاج أوضاع الصحة المتدهورة.

وقطعا لم يكن الحريق المأساوي الذي تعرض له مستشفى ابن الخطيب، والذي ذهب ضحيته عشرات الأشخاص؛ الأول ولن يكون الأخير، فمشكلات المؤسسات الصحية في العراق لم تعالج منذ عام 2003 برغم الأموال الهائلة التي وردت الى خزينة الدولة في أوقات سابقة، وكذلك رغم التخصيصات الكبيرة التي وضعت لوزارة الصحة في الحكومات المتعاقبة.

وأصبحت الحرائق في المؤسسات الحكومية والتجارية أمرا شائعا في العاصمة العراقية، وفي غيرها من المدن، التي عادة ما تعزوها السلطات الى "تماس كهربائي" بسبب سوء الصيانة، ورداءة الأسلاك.

وكانت حرائق كثيرة، لا يمكن حصرها، قد اندلعت في دوائر رسمية ومجمعات تجارية مسببة أضرارا كبيرة، كما نشبت حرائق في مؤسسات صحية؛ لكن هذه هي المرة الأولى التي ينشب فيها مثل هذا الحريق في مستشفى ويتسبب في وقوع هذا العدد من الضحايا.

فاعل مجهول أحرق "خُدج اليرموك"

ففي أواسط شهر آب 2016 قتل 13 رضيعا وأصيب ثلاثة رضع بحالات اختناق شديد، بحريق في مستشفى اليرموك أحد أكبر مستشفيات بغداد، وفيما قالت السلطات في البداية، ان اندلاع الحريق بسبب تماس كهربائي، سرعان ما اقرت أن الحادث وقع بفعل فاعل.

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية حينئذ، إن الأجهزة المكلفة بالتحقيق في الحادث عثرت على "مواد قابلة للاشتعال بالمكان"، فإطفاء الحريق الذي التهم الردهة النسائية، والأطفال الخدج بأكملها استغرق ثلاث ساعات، فيما أفادت اللجنة الأمنية في البرلمان باعتقال 8 أشخاص لاتهامهم بالتورط بإضرام النار في غرفة العقود في مستشفى اليرموك.

وشهد المستشفى نفسه حريقا قبل ذلك في منتصف أيار غير انه لم يؤد إلى وقوع إصابات.

وأفاد بيان لوزارة الصحة في حينه بأن "قسم النسائية الذي اندلعت فيه النيران، عبارة عن ممرات وبناء قديم من طابق واحد وهو مخصص للنسائية وليس للأطفال، ولكن توجد ردهة خدج للحالات التي تحتاج إدخال في بعض العمليات والولادات".

وفي شباط 2021 اندلع حريق في مستشفى مدينة الطب في العاصمة بغداد، مخلفًا أضرارًا كبيرة؛ وقال مصدر أمني، إن الحريق اندلع داخل مستشفى مدينة الطب في دار التمريض تحديداً، مشيرا الى أن الحريق تسبب بأضرار مادية في الأجهزة والمباني.

وفي كانون الأول، 2019 كان قد نشب حريق داخل مستشفى الحسين العام في كربلاء، كما وجّه المحافظ، في 10 آب 2020 بإجراء تحقيق فوري بأسباب حريق نشب في المستشفى التركي في المحافظة.

وكان من المؤمل أن يسهم افتتاح المستشفى التركي، الذي تأجل مرات عدة، في تقليل الزخم على مستشفى الحسين الحكومي الوحيد في كربلاء، بالتزامن مع زيادة أعداد الإصابات بفيروس كورونا في المحافظة.

مشاريع متلكئة

ومشروع المستشفى التركي، الذي تنفذه شركة يونفيرسال اجارسان التركية ضمن مشاريع الخطة الاستثمارية لوزارة الصحة لعام 2008 وبكلفة 150 مليون دولار وبمدة تنفيذ 33 شهراً، جرت المباشرة به في السابع من شهر كانون الثاني عام 2009 على افتراض انه ينجز عام 2011 ولم يكتمل لحد الآن وكان يفترض أن يتسع لـ 492 سريراً.

ويشير المختصون الى ان الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 فشلت في بناء مؤسسات صحية تليق بالسكان وزخم المراجعين والاحالات، كما ان المنشآت القائمة ومعظمها بُني منذ عقود تفتقر الى التفتيش والفحص الدوري، إذ يعد التفتيش بصورة دورية على مواقع العمل حتى وإن كانت مصممة ضد الحرائق والوقاية منها، من أهم الإجراءات الوقائية ضد الحرائق، بحسب المختصين؛ فما بالك ببنايات لم تخصص ضد الحرائق.

كما أن عدم تواجد مخارج طوارئ للحرائق يسهم في الخطر الذي يواجه الناس عند اشتعال النيران، ولوحظ انعدام أي معايير تلتزم بها شركات التعمير، والشركات التي توفر مواد البناء او الترميم للمستشفيات في العراق بحسب المراقبين، الذين يؤشرون الافتقار الى وضع نظام أمان بالمباني ومن ذلك تركيب عدد من "طفايات" الحريق بأكثر من مكان بالمبنى ووضع إرشادات للسلامة الأمنية والالتزام بها للحد من خطر نشوب الحرائق، كما تفتقر المؤسسات الصحية في العراق بل عموم المؤسسات الى تركيب نظام الإنذار الاتوماتيكي (التلقائي) في المباني، المعمول به في دول العالم.

وزير الصحة الأسبق: التشخيص اهم من الاخفاقات

كان وزير الصحة العراقي الاسبق، الدكتور علاء الدين العلوان الذي استقال من منصبه في أيلول 2019 قد أشار إلى التدهور الحاصل في القطاع الصحي في العراق، ضمن تقرير نشر في بغداد في أيار عام 2019 وحمل عنوان "الوضع الصحي في العراق.. التحديات وأولويات العمل".

ويشير العلوان في تقريره، إلى أن سوء توزيع الطاقات الطبية على جميع محافظات العراق، وتمركزها في مناطق محددة، أسهم في تدهور البنية الصحية على مدى سنوات طويلة، كما ينوه إلى أن الفساد المالي وسوء استعمال الأموال، قد لعبا دورا كبيرا في إضعاف الخدمات الصحية، في حين لعب الفقر دوراً في عدم قدرة المواطن على إنفاق المال الكافي للعلاج.

العلوان، كتب في رسالة استقالته التي امتدت على اربع صفحات: تحيط بعملي عقبات ومعوقات كثيرة، يضعها من يقحم التدخلات والضغوط السياسية في عمل الوزارة، ومن تتعارض مصالحه مع التغيير الذي أجريته فيها، مردفا، تعرضت لهجمات إعلامية، ولجأ من لا يريدون النهوض بالقطاع الصحي إلى التشهير في وسائل الاعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتوصلت إلى قناعة راسخة بعدم إمكانية الاستمرار بالعمل في هذه الظروف. إلى جانب ذلك، قدم الوزير تقريرًا لرئيس الحكومة عن القطاع الصحي بالعراق، وقال إن تطويره يحتاج لاستثمار ملياري دولار في الأقل.

ومن المعروف أن قطاعا كبيرا من الأطباء العراقيين، هاجروا الى بلدان أخرى في ظل الحروب المتواصلة، التي شهدها العراق على مدار سنوات، وكذلك بفعل تفشي الفساد الحكومي، وهم يشغلون حاليا مناصب رفيعة في القطاعات الصحية، في عدة دول غربية، فيما تواجه السلطات الصحية العراقية، انتقادات لتقاعسها عن إصلاح المنظومة الصحية، وعدم السعي لاستقطاب الكفاءات العراقية التي تعمل في الخارج للاستفادة من خبراتها في إصلاح هذا المجال وتطويره.