أحدهم أقترح خفض رواتب الموظفين .. خبراء يحذرون من تداعيات رفع قيمة الدينار العراقي
شفق نيوز/ شكك موقع "المونيتور" الأميركي، في جدوى الدعوات من اجل اعادة رفع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي، حيث نقل عن خبراء تحذيرهم من احتمال ان يؤدي ذلك الى ركود اقتصادي، ويؤثر سلبيا على قدرة المنتجات العراقية على المنافسة، وعلى البيئة الاستثمارية.
وذكر التقرير الامريكي بان رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني كان في السابق ممن طالبوا باعادة سعر صرف الدولار الى قيمته السابقة، حيث كان يقول وقتها بأن تخفيض قيمة الدينار قد يتسبب باندلاع "ثورة الجياع".
والان، فإن رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي دعا حكومة السوداني مؤخرا الى زيادة سعر صرف الدينار مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 5.5٪ خلال الأيام المقبلة.
وسبق لحكومة مصطفى الكاظمي ان اطلقت خطة للاصلاح المالي عرفت باسم "الورقة البيضاء" من اجل اعادة التوازن الى الاقتصاد وتقليص القطاع العام واستثمار الموارد لتحسين الخدمات العامة وتعزيز القطاعات الانتاجية، واعتبرت "الورقة البيضاء" أن سعر الصرف السابق الحق اضرارا بالقطاعين الزراعي والصناعي.
وكان البنك المركزي قرر في 19 كانون الأول/ديسمبر العام 2020، تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار، من 1182 دينارا الى 1450 دينارا لكل دولار، وذلك كرد على الازمة المالية التي ضربت البلد مع تراجع أسعار النفط في الاسواق العالمية الى اقل من 30 دولارا للبرميل، وزيادة الانفاق الحكومي على معاشات موظفي الدولة.
وتابع التقرير إنه من أجل تأمين هذه الرواتب، عمد العراق إلى طلب قروض من البنوك ولإعادة تعديل قيمة السندات لوزارة المالية، وهو ما بلغ حجمه أكثر من 30 تريليون دينار (20.6 مليار دولار). الا ان البنك المركزي أعلن وقتها أن الخلل الهيكلي في اقتصاد البلد تسبب في اضعاف المالية العامة وعرقلت امكانية القيام باصلاحات.
وذكر التقرير أنه بعد اعادة تسعير الدينار مقابل الدولار، برز تيار قوي بقيادة عدد من السياسيين أبرزهم وقتها السوداني، والذين طالبوا باعادة سعر صرف الدولار الى قيمته السابقة، حيث جادل السوداني وقتها بأن تخفيض قيمة الدينار سيؤدي الى قيام "ثورة الجياع".
واشار التقرير الى انه برغم حالة الرفض للقرار حينها، الا ان سعر صرف الدولار الجديد كان يخدم بعض الصناعات المحلية التي كان بامكانها ان تنافس البضائع المستوردة ويساهم بتحقيق اكتفاء ذاتي.
وفي ظل هذا الوضع، فقد تراجعت الواردات العراقية من 21.5 مليار دولار في العام 2019 الى 15.6 مليار دولار في العام 2021. كما ان المستثمرين الاجانب تحركوا سريعا للقيام باستثمارات بلغت اكثر من 35 مليون دولار خلال العام 2021. كما ان صادرات العراق من السلع الاخرى (باستثناء النفط)، ارتفعت باكثر من 400 مليون دولار خلال العام نفسه، وبلغت 4.6 مليارات دولار من 3.8 مليارات دولار في العام 2020.
كما نوه التقرير إلى أن السوداني بعدما تولى زمام القيادة، فانه تراجع عن موقفه السابق، وصار يتحدث عن ان البنك المركزي هو هيئة لها استقلاليتها، وهي الجهة المختصة بتحديد سعر الصرف وليس بإمكان الحكومة التدخل، مشيرا الى ان السوداني اجتمع مع حاكم البنك المركزي مصطفى غالب مخيف في 31 اكتوبر/تشرين الاول الماضي، وبحثا تطورات السياسة النقدية.
وزاد التقرير بالقول انه مع تولي السوداني منصبه، تشهد الاسواق فترة ركود، في حين يشعر رجال الاعمال والمواطنون بالقلق من تخفيض قيمة الدينار.
واضاف ان حكومة مصطفى الكاظمي لم تتمكن من معالجة التداعيات السلبية لتخفيض قيمة الدينار وخاصة تلك المؤثرة على الطبقات الفقيرة، الا انها خصصت اكثر من 6 مليارات دولار بهدف دعم الفئات الهشة، ثم قرر البرلمان تخفيضها الى اقل من مليار دولار.
وكان محافظ البنك المركزي لفت الى ان تخفيض قيمة الدينار أضاف ميزانية الدولة العامة 23.5 تريليون دينار (16.2 مليار دولار).
الا ان البنك المركزي حذر من ان إعادة تسعير قيمة الصرف قد تتسبب بحالة ارتباك في الاسواق وتهدد الاستثمارات وتقود الى ركود اقتصادي بما يضعف الثقة في السياسة المالية و بالعملة المحلية، ويساهم في تعزيز المضاربة على العملات الاجنبية واللجوء الى ادخار العملات الاجنبية.
ولفت البنك الى ان سعر الصرف القديم ساعد على تأمين الميزة التنافسية للسلع والخدمات المستوردة حالت دون رواج المنتجات المحلية.
ولهذا، فان خبراء الاقتصاد يحذرون من اعادة سعر صرف الدينار الى قيمته السابقة خلال الأيام المقبلة، قد يتسبب في ظهور مشكلات من الصعب معالجتها خلال العامين المقبلين.
ونقل التقرير عن الخبير الاقتصادي محمود داغر قوله ان معالجة الخطأ بخطأ آخر سيؤدي بالتأكيد الى تقويض العملة الوطنية، محذرا من ان "الاقتصاد سينهار، وكل البضائع ستباع وتشترى بالدولار الامريكي فقط".
واوضح داغر ان الزيادة في قيمة الدينار ستتسبب بمشاكل فيما يتعلق بالعقود بين الحكومة والقطاع الخاص، وما بين الشركات وتجار التجزئة، مضيفا ان "حل هذه المسائل بسهولة ليس ممكنا، كما ان اضطراب سعر الصرف سيؤثر على بيئة الاستثمار".
واكد الخبير الاقتصادي ان "الدينار العراقي يجب ألّا يتحمل وطأة مشاكل السياسة المالية".
وفي المقابل، دعا داغر الحكومة الى ان تخفض رواتب موظفي الدولة التي تبلغ أكثر من 63 تريليون دينار (43 مليار دولار) وتخصيص الوفرة المالية التي تتحقق من هذا التخفيض، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية.
واعرب داغر عن اعتقاده بان السياسة المالية ما زالت تتسم بالشعبوية، اذ ان الحكومة ترفض تخفيض رواتب الموظفين او فرض ضرائب او تقليص الانفاق العام.
اما المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح، فقد اعتبر انه بالامكان اللجوء الى خيار زيادة قيمة الدينار تدريجيا.
واوضح صالح ان التعديل على سعر الصرف يجب ان يتم تدريجيا وعلى مدى عام من اجل تأمين "المناخ الملائم لتعديل الاسعار".
واضاف ان "اعادة الدينار الى سعر صرفه السابق مقابل الدولار، امر مستحيل، لان ذلك سيستنزف الاحتياطيات ويشكل عبئا على المالية العامة باكثر من 16 مليار دولار".