خبير بيئي أممي يحذر: الكوارث الطبيعية "ستتعاظم" مستقبلاً في الدول الضعيفة
شفق نيوز/ حذر خبير بيئي في الأمم المتحدة، يوم الخميس، من أن الكوارث الطبيعية "ستتعاظم" مستقبلاً وبالأخص في الدول التي وصفها بالضعيفة، مرحجاً تكرار سيناريو مدينة درنة الليبية ما لم يتم تعزيز البنى التحتية وأنظمة الإنذار المبكر.
قال نائب مدير قسم تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، الزيتوني ولد داده، في حوار مع موقع "فرانس24 عربية"، إن الكوارث الطبيعية التي تضرب العالم "باتت واقعاً".
وأكد أنها ستتعاظم مستقبلاً خاصة في الدول الضعيفة، محذراً من أن الأوان قد حان لتعزيز البنى التحتية وأنظمة الإنذار المبكر حتى لا يتكرر سيناريو مدينة درنة الليبية.
وا زالت ليبيا حتى اليوم تعد الضحايا وتبحث عن المفقودين بعد أربعة أيام من مرور الإعصار "دانيال"، الذي أدى بحسب آخر حصيلة رسمية معلنة إلى مقتل 3840 شخصاً.
وتعد مدينة درنة الضحية الكبرى لهذه الكارثة حيث شهدت دمار أحياء برمتها ومساكن بمن فيها إثر التساقطات المطرية الغزيرة التي رافقت الإعصار، ولكن خصوصا لانهيار سدّين قريبين من المدينة الواقعة شمال شرق ليبيا.
وفي هذا الصدد، قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أمس الأول الثلاثاء، إن الإعصار "بلغ ذروته في شمال شرق ليبيا يوم الأحد 10 أيلول/ سبتمبر، مصحوباً برياح قوية تراوحت سرعتها ما بين 70 و80 كم/ساعة، ما أدى لانقطاع الاتصالات وسقوط أبراج الكهرباء والأشجار. وتسببت الأمطار الغزيرة التي تراوحت ما بين 150 و240 ملم في حدوث فيضانات مفاجئة في عدة مدن، أبرزها البيضاء التي سجلت أعلى معدل يومي للأمطار بلغ 414.1 ملم (من صبيحة 10 إلى صبيحة 11 أيلول/ سبتمبر. وهو رقم قياسي جديد لهطول الأمطار".
تغير المناخ
في ظل هذه الظروف المناخية المتطرفة، أرجع خبراء مناخ الكارثة التي حلّت بليبيا إلى ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض. حيث تعرف العواصف المتوسطية القوية مثل إعصار "دانيال" الذي سبق أن ضرب تركيا وبلغاريا واليونان، بأنها يمكن أن تزداد قوة حين يمتص الهواء الدافئ مزيدا من الرطوبة.
وغالبا ما تتسبب الظواهر الجوية القصوى في سقوط عدد أكبر من الضحايا في الدول الفقيرة والتي تشهد نزاعات بسبب نقص البنى التحتية وأنظمة الإنذار المبكر وخدمات الاستجابة لحالات الطوارئ.
في هذا السياق، قالت أستاذة علوم المناخ بجامعة بريستول ليزي كيندون إن الإعصار الذي ضرب شرق ليبيا "مثال واضح على نوع الفيضانات المدمرة التي قد نتوقعها بشكل متزايد في المستقبل" مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم. ويمكن أن تحدث هذه العواصف المتوسطية التي تحمل سمات الأعاصير المدارية والاستوائية، والمعروفة بظاهرة الأعاصير المتوسطية (ميديكيْن)، مرتين إلى ثلاث مرات سنويا.
تحذيرات سابقة
وكان تقرير نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حذّر بوضوح من المخاطر التي تتربص بليبيا. وقال في هذا المنشور: "إن ليبيا معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، حيث إن الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة وزيادة وتيرة وشدة الظروف المناخية القاسية، وانخفاض هطول الأمطار، وارتفاع مستويات سطح البحر تهدد استدامة إمدادات المياه وتشكل خطرا وجوديا على المراكز السكانية الساحلية حيث يقيم حوالي 70% من سكان البلاد".
كما انتقد التقرير الأممي عدم استجابة السلطات في ليبيا للمخاطر المحيطة بالبلاد قائلا: "رغم تعرض ليبيا لتأثيرات تغير المناخ، لم يكن هناك تقدم كبير نحو تطوير وتنفيذ إستراتيجيات أو خطط محلية للحد من هذه المخاطر أو التكيف معها".
وأضاف "كما يستلزم تعرض ليبيا لتأثيرات تغير المناخ والتدهور البيئي اتخاذ تدابير استباقية ضد عواقبها المحتملة، حيث يمكن أن يساعد تطوير وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات الوطنية للحد من المخاطر والتكيف مع تغير المناخ في التخفيف من أسوأ آثار تغير المناخ، بما في ذلك التصحر وحماية المراكز الحضرية الساحلية من ارتفاع منسوب مياه البحر".
وأخيرا، أشار تقرير مؤشر المخاطر العالمي لسنة 2022 والذي أصدره تحالف تطوير المساعدة Bündnis Entwicklung Hilft ومقره برلين، إلى ليبيا كواحدة من الدول المعرضة للكوارث الطبيعية والتغير المناخي على الصعيد العالمي، ووضعها بالمرتبة 36 من بين 192 دولة مدرجة.
ولتسليط مزيد من الضوء على الكارثة التي خلفها إعصار "دانيال" في ليبيا وعلاقتها بظاهرة التغير المناخي ومدى خطورة تكرار سيناريو درنة في دول المنطقة، وعن الحلول الممكنة، أوضح ولد داده في حوار معه:
تغير المناخ في شمال أفريقيا.. هل إعصار "دانيال" مجرد البداية؟
فعلا. الخبراء من حول العالم الذين يشكلون الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC يحذرون دائما ومنذ مدة طويلة من أن هذه الظواهر التي يشهدها العالم بما فيها الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والتصحر، ستتكاثر بسبب تغير المناخ مما سيعرض صحة الإنسان والطبيعة لخطر جسيم، وخاصة في البلدان والمجتمعات الضعيفة التي ليس لديها القدرات للتغلب على مخاطر تغير المناخ والتكيف معها. فما يحصل الآن يعطي لمحة وكذلك تحذيرا لما ينتظرنا في المستقبل للأسف. لهذا، يجب أن نتخذ جهودا إضافية أكثر مما هو الحال عليه الآن، وأن تكون الطموحات عالية لمواجهة التغير المناخي.
يجب علينا أن نستيقظ ونعي هذا الوضع الطبيعي الجديد ونضاعف الجهود العالمية الحالية لأنها غير كافية لمكافحة تغير المناخ، وذلك من خلال تبني إجراءات كثيفة وسريعة. نحن، في منظمة فاو التابعة للأمم المتحدة، ندعم الدول لوضع السياسات والتدابير اللازمة لبناء القدرات، ونقدّم الدعم التقني والسياسي وكذلك نساعد البلدان للحصول على التمويل وخلق مشاريع لبناء القدرات في مجالات عديدة وخصوصا الزراعة.
نحن نعيش حالة طارئة حاليا لأن التغير المناخي بات يؤثر على كل مناطق العالم للأسف. من المتوقع كما قلت أن تتكرر هذه الظواهر في ظل وجود هذا التهديد الكبير الذي بات يطال الغذاء، موارد المياه، الطاقة، الصحة، والتنوع البيولوجي. فهذه التهديدات والتأثيرات هي ليست فقط بيئية ولكن لها أبعاد اقتصادية واجتماعية.
هل منطقة شمال أفريقيا مرشحة لكوارث مماثلة؟
كل مناطق العالم مرشحة لكوارث ترتبط بالتغير المناخي لأن هذه الظاهرة عالمية. لاحظنا خلال السنوات القليلة الماضية، أنه كان هناك جفاف وفيضانات وحرائق غابات في عدة دول بالمنطقة منها المغرب، الجزائر، وتونس، وقد أثرت تلك الكوارث بشكل كبير على السكان وممتلكاتهم، لذلك فقد أصبح الاستعداد والوعي حيال كيفيات مكافحة التغير المناخي حاجة ملّحة وأساسية في الوقت الحالي، لا سيما أن هذه الكوارث تؤثر كثيرا على الزراعة، التي هي أول قطاع يتأثر بظواهر الطقس المتطرفة بنسبة تقارب 26%.
ولو نظرنا إلى الجفاف لوحده فإن الزراعة تتأثر بنسبة 80%، مع ما لديه من تداعيات على الإنتاج والأمن الغذائي وسبل العيش في البوادي. إذا، فالدول التي لا تمتلك الإمكانيات هي المرشحة أكثر لمثل هذه الكوارث خصوصا في حال كان موقعها الجغرافي يسمح بوجود درجات حرارة عالية وتكرار ظواهر الجفاف، التي تؤدي إلى التأثير على المناخ وتزيد من احتمال التساقطات المطرية الغزيرة والفيضانات. وفي دول أفريقيا بشكل عام، تعاني عدة مجتمعات من أزمات الغذاء بسبب النزاعات، إلى جانب تعرضها لتغير المناخ.
كيف يمكن تعزيز البنى التحتية وتطوير الاستجابة حتى لا يتكرر سيناريو درنة؟
بطبيعة الحال فإن تعزيز البنى التحتية في هذه الدول هي مسألة مهمة. يجب أيضا الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر لكي يكون الاستعداد والاستجابة أحسن. ينبغي أن نستفيد من هذه التجربة الآن ونتساءل: لو وقعت هذه الكارثة مجددا مستقبلا، كيف ستكون استجابتنا؟ وما هي استفادتنا من الكارثة التي نعيشها الآن؟ يجب الاستعداد بشكل أحسن والاستثمار في التكنولوجيا والابتكار خاصة في مجال الإنذار المبكر. يجب أن تكون هناك حملة لتوعية المواطنين بما فيهم الشباب في المدارس وأن تكون هناك تربية مناخية تندرج ضمن برامج التعليم، لكي نفهم مخاطر تغير المناخ وكيف أن هذه الظاهرة ناتجة عن طريقتنا في العيش والتنقل وكيف نستعمل الموارد الطبيعية بصفة عامة.
للأسف فإن الانبعاثات الكربونية هي ناجمة عن طريقة معيشة الإنسان ولهذا فقد وصلت إلى الحد الذي أثر في المناخ مع هذه المخاطر التي نراها الآن. يجب أيضا أن تكون هناك إرادة سياسية قوية لخلق سياسات واستراتيجيات على المدى الطويل لكي نحقق نتائج يستفيد منها المواطنون. تغير المناخ هو مسؤولية الجميع حيث لا يكفي فقط تعزيز البنى التحتية رغم أن ذلك حيوي ومهم، فالمسؤولية يتحملها الجميع وهي أيضا مسؤولية فردية، حيث أن على كل مواطن التحرك لمواجهة هذه الظاهرة.
يجب أن نعيد التفكير في بعض سلوكياتنا وطريقة عيشنا كاستعمال الوقود الأحفوري والطاقة بشكل عام. هناك على المستوى العالمي تبذير للطاقة والمياه والغذاء، يجب أن نراجع سلوكياتنا لأن هذه الظواهر سوف تستمر للأسف، لكن يجب خاصة أن نسارع في استجابتنا لمواجهة تغير المناخ والتكيف مع هذه الحقيقة الجديدة.