عمر بعضها 1250 عاماً.. جهود عراقية "محفوفة بالمخاطر" لترميم 47 ألف مخطوطة وكتاب
شفق نيوز/ اهتمت وكالة "فرانس برس" للأنباء بالجهود التي يبذلها فريق عمل عراقي لترميم 47 ألف كتاباً ومخطوطة أثرية وتراثية بعضها تجاوز عمرها 1250 عاما، تضم تنوعاً قومياً وثقافياً ثرياً، لتوثيقها رقمياً بغية حفظها.
وذكرت الوكالة الفرنسية في تقرير، أنه في مختبر مجاور للمتحف الوطني العراقي، تقطع موظفة ورقاً رقيقاً لترمم نصاً دينياً فارسياً يعود للقرن السابع عشر، في إطار عمل شاق يواكب التحدّي العراقي لحفظ 47 ألف مخطوطة وكتاب عمرها قرون.
خبرات عراقية وأوروبية
وشرعت دار المخطوطات العراقية في هذه المهمة بدعم من خبرات أوروبية، والتي تشمل التحويل الرقمي لمجموعتها من المخطوطات، إضافة إلى ترميم كتب عمرها مئات السنين، فضلاً عن مخطوطات ولوحات خط عربي، تضررت بفعل الرطوبة والحشرات والاستخدام البشري على مدى قرون من الزمن.
ويقول مدير عام دار المخطوطات العراقية، أحمد العلياوي، إن بعض المخطوطات "يصل عمرها إلى 1000 عام".
ويشير إلى وجود مخطوطات "باللغات العربية والفارسية والتركية والعبرية والكردية تمثل تنوعاً ثقافياً هائلاً، فضلا عن الرقع الخطية واللوحات المكتوبة بأيدي كبار الخطاطين العرب والأجانب".
خطورة ترميم التاريخ
وفي موقع ملحق بالمتحف، يتابع فريق من سبع متخصصات عراقيات من قسم الصيانة والترميم في دار المخطوطات، وهن يرتدين ستراً بيضاء، جولة تدريبية تحت إشراف المرمم الإيطالي ماركو دي بيلا.
وفي غرفة مجاورة، تستند مرممة عراقية على مكتبها، وبفرشاة صغيرة تزيل بتأنٍ الغبار عن لوحة خطية محدّبة الأطراف، قبل مسحها برفق بممحاة.
وتقوم مرممة أخرى قريبة منها بتقطيع ورق ياباني تقليدي بواسطة قلم، ثمّ تلصق القطع الدقيقة التي قصّتها على فراغات وثقوب في صفحات كتاب باللغة الفارسية يعود للقرن السابع عشر، يتحدث عن مراسم عاشوراء، التي يستذكر فيها المسلمون الشيعة واقعة مقتل الإمام الحسين.
"لتبقى أطول ما يمكن"
وتؤكد طيبة أحمد (30 عاماً)، والتي تعمل في ترميم المخطوطات منذ ثلاث سنوات، أن "العمل صعب وخطير، لأنه لا بد من المحافظة على المخطوط وعلى شكله الأثري ولا ينبغي أن نغير بشكله".
وأضافت "نحاول أن نقلل من الضرر حتى نعطي (المخطوطة) عمراً أطول".
وتابعت "يمكن أن نعمل على مخطوط ثلاثة أشهر أو أكثر، ربما يكون بلا غلاف وأوراقه مفككة. نخيطه ثم نجلده، بعدها نشعر بالفرح طبعاً عندما نرى النتيجة النهائية".
تمويل إيطالي
وبفضل تمويل إيطالي، ثُبّتت مصابيح متحركة للمكتب ولوحات مضيئة تُستخدم كمنضدة عمل ومصابيح في سقوف غرفتي المختبر، بهدف تأمين ظروف أفضل للعمل.
ويوضح الخبير الإيطالي دي بيلا، أن الأمر لا يتعلق بإدخال تقنيات ومواد جديدة فحسب، لكن ينبغي أيضا التركيز على "منهج العمل في مهنة الترميم".
ويضيف "الأصعب هو تحديد كيفية التعامل مع المخطوطة.. ينبغي احترام تاريخ المخطوطة قدر الإمكان".
ويتم ذلك، وفق دي بيلا، عبر "إعادة إدخال بعض المواد كالنشاء، وهي مادة لاصقة تقليدية أهملت في مجال الحفظ لكن يعاد استخدامها من جديد".
الحروب ونهب الآثار
ورغم عقود من الحروب وتعرض آثار العراق للنهب، نجت مجموعة دار المخطوطات من الضرر، حتى عندما تعرض المتحف الوطني للسرقة إثر الفوضى التي اجتاحت العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003 ضد نظام صدام حسين.
واستذكر العلياوي تلك الفترة قائلاً "قبل الحرب عام 2003، نُقلت المخطوطات إلى ملجأ خاص محصن تحت الأرض في إحدى ضواحي بغداد". رغم ذلك حاول مجموعة من اللصوص فتح الملجأ وكسر البوابة لسرقة المخطوطات، لكن أهالي المنطقة ومجموعة من الموظفين تصدّوا لهم.
"قبل الورق"
من بين محتويات دار المخطوطات، رقع خطية تعود إلى "القرن الأول للهجرة (السابع الميلادي) كتبت بالخط الكوفي القديم غير المنقط، قبل صناعة الورق"، وفق مدير دار المخطوطات.
كذلك، يوجد "مجموعة من المخطوطات المكتوبة على ورق صنع في بغداد يعود البعض منها إلى 1000 عام أو يزيد على ذلك، ربما 1250 سنة، نحن نتحدث عن بدايات العصر العباسي".
وإضافة لأعمال التحويل الرقمي التي تحصل باستخدام أربعة ماسحات ضوئية فقط، يعرب العلياوي عن أمله بأن تتمكن الكوادر من "ترميم 100 مخطوطة في العام، وهو رقم كبير جداً".
ويأسف لغياب التمويل الكافي الذي يمنع زيادة الكوادر المتخصصة وشراء المزيد من المعدات.
شراكة عراقية فرنسية
ووقّعت دار المخطوطات في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي شراكة مع المكتبة الوطنية الفرنسية، بدعم ماليّ من التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع، "ألِف".
وسيسمح هذا التعاون بـ"تبادل المهارات" في ثلاثة مجالات: الترميم، المساعدة في التحويل الرقمي، ولكن أيضًا تحديد المجموعات وفهرستها، كما يقول زكريا حفار مدير مشروع العراق في المكتبة الوطنية الفرنسية.
ويضيف أن "مجموعة دار المخطوطات هي من الأكبر في العراق والمنطقة"، مشيراً من باب المقارنة، إلى أن المكتبة الوطنية الفرنسية تملك نحو سبعة آلاف مخطوطة في مجموعتها العربية.
وتعمل سهير زكي في هذا المجال منذ 27 عاماً، ومرت تحت يديها العديد من المخطوطات القيّمة، وعن شعورها عندما تنهمك في العمل، تقول زكي "أفرح عندما أمسك مخطوطاً أو رقعة أو فرماناً (مرسوم عثماني)".
وتضيف "أتأمله وأنظر له فترة وأتصفحه. إذا كان مخطوطاً مزخرفاً ومذهباً، أستمتع بالعمل به وأفكر كيف أبدأ بصيانته".