الحياكة والشتاء.. شغف نسائي يعيد إحياء فن فلكلوري عراقي (صور)
بغداد- شفق نيوز
ما أن يحل الشتاء، حتى تعود رغد سعد رؤوف (55 عاماً)، إلى هوايتها المفضّلة
المتمثلة بالحياكة، حيث تعود هذه المهنة لتتصدر الواجهة خلال هذا الفصل البارد، إذ
تدفع درجات الحرارة المنخفضة الكثير من الناس إلى ارتداء ملابس سميكة.
ويفضل كثيرون الثياب الصوفية التي تحيكها الأنامل بمهارة عالية، لا سيما
النساء اللواتي ينتجن كنزات "بلوزات" وأوشحة وشالات بأناملهن الرقيقة.
وتقول رؤوف إنها ومنذ أن كانت طالبة في مرحلة الإعدادية في تسعينيات القرن
الماضي، بدأت العمل بمهنة الحياكة التي تجدها جذابة رغم الجهد التي تبذله في العمل.
وتؤكد في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن "مهنة الحياكة فن جميل، لكنها
تتطلب الصبر والدقة، أنا عملت بهذه المهنة لسنوات طويلة وتجاوزت من خلالها الظروف
العسيرة التي شهدها العراق في فترة التسعينيات حيث الحروب والحصار وعدم توفر
السيولة المالية لشراء المواد الغذائية والحاجيات الأساسية".
وتضيف "توقفت عن ممارسة مهنة الحياكة فترة من الزمن، وانشغلت
بالخياطة، لكنني سرعان ما عدت إلى العمل بها لأن الحياكة أصبحت تأخذ حيزاً كبيراً
من اهتمامي".
وتشير إلى أن كثرة الطلبات على حياكة الثياب، شجعتها على العودة للعمل
مجدداً.
ودأبت رغد سعد رؤوف على عمل الحياكة بواسطة السنارة المعروفة التي تمسكها
بين أصابعها لتتمايل الخيوط الملوّنة أمام عينيها وتُشعرها بالبهجة.
وتعتمد رؤوف، كما توضح، على أهالي المنطقة من الرجال والنساء الذين يطلبون
منها حياكة ثياب لهم، كما تعرض ما تنتجه على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن
أنشأت صفحة في إحدى المواقع لترويج منتجاتها.
وتلفت إلى أن "الطلبات تصلني منذ عامين من خلال صفحتي، ونشاطي عادة
يكون في فصل الشتاء، أما في الصيف فأقوم بحياكة مغلفات للأجهزة المنزلية كبراد
الماء والمجمدة وغير ذلك"، مشيرة إلى أنها شاركت في عدد من المعارض
والبازارات، وتعرفت من خلال ذلك على عدد من الفتيات اللواتي أصبحن يدعونها
للمشاركة في البازارات والمعارض.
ويرتفع سقف الطلبات على هذه الثياب خلال فصل الشتاء من قبل بعض المواطنين
الذين يرون في هذه الثياب الأناقة والجمال، بالإضافة إلى كونها تقيهم من البرد.
وتلقى الحياكة إقبالاً من الرجال والنساء، بما يشير إلى تصاعد وتيرة هذه
المهنة التي تدر أرباحاً جيدة للعاملين بها.
وتمتاز قطع الملابس التي تتم حياكتها، بالمتانة ومقاومة التشقق لفترات
طويلة، ولذلك فإن أسعارها تكون أعلى من أسعار الملابس المستوردة من الصين أو
تركيا، لكن كثيرين، وفق رغد سعد رؤوف، يجهلون ميزات الحياكة المحلية وأهميتها.
وتشكل الملابس المستوردة وخاصة من الصين، تحدياً أمام الحرفيين العاملين
بمهنة الحياكة من الرجال والنساء.
وتشاطر علا حسن الموسوي، رأي رغد سعد رؤوف في أن الملابس المستوردة التي
تغزو الأسواق المحلية تشكل التحدي الأكبر لعملها في مجال الحياكة.
وتوضح الموسوي لوكالة شفق نيوز، أن "الخياطة والحياكة فن واحد، ولا
يوجد بينهما انفصال، لكن عمل الحياكة يزدهر في فصل الشتاء، في حين الخياطة لا
تتوقف عند فصل معين، بل تستمر في جميع فصول السنة".
وتشير إلى أنها تمارس حياكة الكنزات والمعاطف النسائية والرجالية منذ
سنوات، ومنتجاتها تلقى إقبالاً كبيراً، خاصة حين تقوم بعرضها في البازرات، ولكن
أسعار قطع الملابس هذه تكون مرتفعة نسبياً.
وتنوّه إلى أن "ارتفاع الأسعار إلى كلف المواد والخيوط، يضاف لذلك
الجهد الكبير والمدة الزمنية التي تستغرقها العاملة في إنجاز القطعة والواحدة حيث
تستغرق ما لا يقل عن أسبوع كامل لإنجازها".
وتلفت الموسوي إلى أن "سعر القطعة يتحدد باحتساب أسعار المواد وأجور
العمل وفي الغالب لا يتجاوز 35 ألف دينار".
وتعاني أغلب الفتيات والنساء العاملات في مجال الحياكة من ارتفاع أجور حجز
الأماكن في البازرات التي تقام في العاصمة بغداد، والذي يجعل بعضهن يعزف عن
المشاركة بهذه البازارات.
وتقول أماني حسن، إنها تفضل بيع منتجاتها من الملابس الصوفية التي تقوم
بحياكتها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدلاً من عرضها في البازارات بسبب التكاليف
المالية المرهقة.
وتؤكد لوكالة شفق نيوز، أن "التكاليف العالية مقابل عرض منتجاتي في
البازار تسبب ليّ خسارة مالية، لذا فأنا اعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي في
المبيعات، وعلى بعض الأشخاص في منطقة سكني والأقارب والمعارف"، موضحة أنها
تعمل منذ عدة سنوات في مجال الخياطة والحياكة، وهذا العمل يحقق لها مردوداً مالياً
يمكّنها من الاعتماد على نفسها في سد نفقاتها ومتطلباتها.
وتتكون أدوات الحياكة من الطريزة والقرقاف والقصناع والطارة، وتعد من
الفنون الفلكلورية في العراق، حيث تُظهر أناقة الثياب وجمالها، وكان الباشوات
والمسؤولون والميسورون يرتدون هذه الثياب التي تشعرهم بالدفء والأناقة، كما تذكرهم
خيوط هذه الثياب ببراعة وإتقان العاملين بهذه المهنة.