يريدونها شراكة ولكن حسب قواعدهم
جوتيار تمر
يعود المشهد العراقي المكهرب ليحتل الصدارة في حالة اللااستقرار التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط باكمله.. حيث لم تزل سوريا تحترق بنيران الاخوة الاعداء النيران التي تصب كل من روسيا وامريكا وتركيا وايران الزيت عليها كل لمصلحته ودون اية اعتبارات انسانية للسوررين انفسهم بكل اطيافهم وقومياتهم من عرب وكورد ودروز وغيرهم...ناهيك عن فلسطين التي هي الاخرى تحترق بنيران اللاعقلانيين الذين يصرون على اراقة المزيد من الدماء وعدم الخضوم لمنطق انساني يجعل الجميع يعيش بسلام، فضلا عن المشهد اليمني المميت بكل تمفصلاته حيث الاخوة الاعداء هناك ايضا وبدعم طائفي مذهبي للعرب السنة وايران الشيعية يذبحون في بني جلدتهم بشكل يثير دهشة المتابعين لقضيتهم... ويضاف الى كل ذلك التظاهرات في ايران وازدياد الاصوات المناهضة لحكومة العمامات والملالي العاهات الدائمة في ايران والتي دمرتها سياسياً واقتصادياً، وفي مصر وليبيا والسودان وكذلك في تركيا التي تنهار اقتصاديا وسياسياً.. كل هذه التحولات على الرغم من كونها ضمن دائرة الرصد الاعلامي والحدثي الا انها الان تتوارى قليلاً ليحتل المشهد العراقي بصخبه الدائم المرتبة الاولى.
ففي العراق الطائفي يريد الحكام في بغداد ان يعقدوا شراكات متوازية لتحقيق اجنداتهم السياسية المدعومة سواء من امريكا او ايران لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد دهر من انتهاء الانتخابات ،وهذا الصراع الامريكي الايراني في العراق جعلته يعيش حالة من الانفصام تعد الابرز خلال العقد الاخير، هذا الانفصام الذي القى بسمومه على الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبة كما القى بظلاله السوداء على اقليم كوردستان الذي وبحسب اكثر الساسة والخبراء وصل الى مرحلة لن يكون حسم الكتلة الاكبر لتشكيل الحكومة الجديدة الا بدخولها الى احدى الجبهات المتنافسة.. وهنا تثار الاشكالية الابرز حيث يجمع المحللون والساسة على اهمية دخول الكورد الى جبهة ضمن مفهوم الشراكة السياسية في حكم العراق واقليم كوردستان، وفي المقابل الادبيات التي نراها داخل الدائرة اللاكوردية مازالت تعيش وهماً ازلياً لايمكن التعايش معه لاسيما ضمن الاوساط السياسية والفكرية وحتى الاجتماعية الكوردية.
فالعراقي يريد شراكة ومازال يصر على استخدام مصطلحات لاتؤثر فقط بالشارع الكوردي انما في كيفية تعامل الساسة الكورد ايضا مع المركز، فحين يصر بعض اشباه المفكرين والكتاب والساسة على قول شمال العراق مثلا ذلك المصطلح الشوفيني، او يقول بأن الكورد يتعمدون اثارة بعض المشاكل لتحقيق اغراضهم واهدافهم في العراق.. ويتناسى عمداً بان المشاكل في العراق لم تنتهي يوماً منذ تأسيسه الى يومنا هذا، فانه لابد ومن وقفة على مفهوم الشراكة التي يريدونها، هل هي شراكة اسمية تحقق اغراضهم واهداف اجنداتهم..؟ ، ام هي شراكة وهمية لاتحقق للكورد حتى حق الاعتراف بكيانهم الرسمي الدستوري كأقليم له سيادته وحكومته.
ان الانفصام العراقي لاسيما لاشباه الساسة واشباه الكتاب والمفكرين مازال يشكل عائقا كبيراً في اي تقارب يمكن ان يحدث بين الفئيات غير السياسية داخل الاقليم والعراق، لان هولاء هم مع الساسة الطائفين المذهبيين القوميين يشكلون العبء الازلي لاي عراق يعيش في سلام وتعايش مع الاقليم او مع اي مكونات اخرى داخل الحدود الجغرافية المفروضة وبحسب اتفاقيات دولية منذ تأسيس دولة العراق من اشوريين وكلدانيين وصابئة وتركمان وغيرهم، فعدم اعطاء اية اعتبارات لهم والبقاء على العقلية الانفصامية الشوفينية لاتخدم اية قضية ولاتزيد الطين الا بلة، لكون عقلية اقصاء الاخرين باسم الشعاراتية الوطنية تناقض وجودهم انفسهم لكونهم ليسوا الا طائفيين مذهبيين قوميين، لايؤمنون بشراكة الاخرين الا وفق رؤيتهم ونسقهم ومسارهم الذي يرسمونه واية فئة او طائفة او قومية او مذهب خارج عن ذلك يعد انفصالياً او متامراً وعميلاً، مع ان المتتبع لصيرورة وجود هولاء سيجد بوضوح مدى عملاتهم لافكارهم التي لاتنتمي الا لانفسم وتلك الاجندات التي يمثلونها حتى وان اظهروا بانهم لايمثلون اية اجندة خارجية.
لم يزل مفهوم الشراكة في العراق مهمشاً، وغير منطقي، وغير مدروس بشكل يتناسب مع الواقع العياني والحي بعيداً عن الشعارات التي يريد بها الساسة تحقيق اهداف بعيدة عن خدمة المواطن.. فالشراكة لها اسس يجب ان تكون هي المقياس والمعيار الذي تبنى عليها المجتمعات، فاقليم كوردستان مثلاً لن يخضع لمفهوم الشراكة طالما يرى هولاء الانفصاميين بان الكورد يلعبون على الوتر الحساس لكسب بعض المصالح، متناسين ان تلك المصالح هي جزء من حقهم منعت عنهم لاسباب لايجهلها الا اعمى قومي متعصب، فحين يريد الكورد استعادتها فلانها حق دستوري لهم وليس استغلالا للوقت وللظرف، مع ان هذا الامر في السياسة مباح ومتاح لكل الاطراف السياسية، لذا على الاخرين تدوير بعض الامور في عقولهم وادراك ان الشراكة تعني ان تعترف بالاخر كما هو الان وليس كما كان في عهد الدكتاتوريات السابقة وحتى بعض الحالية، فالكورد لن يتنازلوا عن حقوقهم ومطالبهم لاجل بعض افواه حاقدة تريد ان تبرهن للحاقدين امثالهم بانهم يحملون عبء الوطن لوحدهم، هذه الامور لم تعد تشكل فارقاً في الواقع الكوردي وضمن دائرة الوعي القومي الكوردي، فصوت الواقع لايتمثل عند الكورد الا من خلال تطبيق دقيق لمفهوم الشراكة واحترام الكيان الكوردي بكل تمفصلاته ومكوناته فالاقليم يمثل قيمة شراكة حية بين مكوناته، لذا لن يقبل الا بشراكة كالتي يعيشها الجميع في الاقليم.