وما أدراك ما بريطانيا العظمى!
نوري بيخالي
لقاءات القمة والزيارات المكوكية الرسمية اقليميا ودوليا وحيويته السياسية جعلت من السيد نيجيرفان البارزاني رئيس اقليم كوردستان والدور الذي يلعبه من اجل استتباب الامن والاستقرار وترسيخ اسس التعايش السلمي في المنطقة موضع اهتمام القادة والدول التي لها شأن في قضايا الشرق الاوسط.
عقب اليأس الذي احاط الكوردستانيين جميعا نتيجة احداث اواخر 2017 والضغط الاقليمي الذي ضاق باقليم كوردستان وشعبه, استطاع السيد نيجيرفان البارزاني وبحنكته السياسية وعلاقاته الدبلوماسية ان يجد المخرج الامثل للخروج باقليم كوردستان من الازمات التي كانت يعاني منها وفتح افاق جديدة امام شعب كوردستان, وكانت باريس المحطة الاولى للعودة بالاقليم الى الساحة السياسية بقوة وتأثير.
بعد مرور سبعة اعوام (2014 – 2021) وبدعوة رسمية من الحكومة البريطانية (يعود تأريخ الدعوة الى 9/6/2021 اثناء زيارة وزير خارجية بريطانيا لاقليم كوردستان), زار السيد نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان العاصمة البريطانية لندن واجتمع مع السيد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني وكبار المسؤولين.
تأتي هذه الزيارة ايضا وقبلها زيارة الرئيس الفرنسي الى اقليم كوردستان بعد ان اوجس في نفس الشعب الكوردستاني خيفة جراء انسحاب الجيش الامريكي في افغانستان وتصاعد وتيرة الارهاب الداعشي في مناطق مختلفة في العراق.
ان ما يميز هذه الزيارة من سابقاتها هو تغير المعادلات السياسية وسرعة مجريات الاحداث والتطورات الحاصلة سياسيا في المنطقة, كذلك عودة دولة مثل فرنسا وبقوة الى الساحة الشرق اوسطية, اضافة الى الدور الذي تتطلع اليه لندن لتلعبه على الساحة الدولية والاقليمية بعد خروجها من الاتحاد الاوروبي.
ربما يسأل سائل: هل يمكن لبريطانيا العودة الى سابق عهدها لتصبح عظمى من جديد؟
ليس من المستبعد ان نعتبر خروج بريطانيا من حلبة الاتحاد الاوروبي جزء من استعدادتها المسبقة لتعود بقوة الى ساحة المنازعات السياسية, بعد ان كانت هي ودول الاتحاد الاوروبي وعلى مدى اكثر من عشرين سنة في هامش سياسات وقرارات امريكا التي تخص صراعات الشرق الاوسط.
بعد مضي اكثر من مئة عام وفي زمن بوريس جونسن يعود مفهوم بريطانيا العظمى الى الساحة, والعودة هذه ليست بمفاجأة, لان جونسن هو المنظر الجديد والمحرك الاساسي لعملية العودة هذه, فعندما كان وزيرا للخارجية البريطانية لوح وفي مرات عديدة الى ضرورة العودة ببريطانيا لتكون عظمى كما كانت وان تعود لها دورها الكبير في عملية رسم السياسة الدولية وجهر بذلك علانية سنة 2016.
ومن هذا المنطلق تعتبر هذه الزيارة مهمة جدا بالنسبة لكلا الطرفين, كونها تأتي في وقت خرجت بريطانيا من حلقة الاتحاد الاوروبي وبدات تتبنى سياسة واستراتيجية جديدة احادية الجانب ومختلفة عن نظيراتها تجاه ما يجري في العالم عموما والشرق الاوسط على وجه الخصوص, سياسة واستراتيجية موازية لسياسات دول لها ضلع وباع في اعادة رسم خريطة المنطقة سياسيا (وليس جغرافيا كما يدعى لها). وكما يقال (اهل مكة ادرى بشعابها), فان بريطانيا ادرى من نظيراتها دوليا بجذور الصراعات وماهية الاشكاليات وعلل النزاعات الدائرة في المنطقة ومنها العراق.
تأتي لقاء القمة بين البارزاني و جونسن في وقت سبقتها لقاءات سياسية مهمة على المستوى الاقليمي والدولي والتي لها تاثير مباشر على مجريات الامور في المنطقة, منها لقاء القمة بين كل من (بوتين وبايدن, الملك عبدالله الثاني وبايدن, الاسد وبوتين), هذا اضافة الى اللقاء المرتقب بين (اردوغان وبوتين, اردوغان وبايدن) في جنيف نهاية هذا الشهر.
وهذا مايجعلنا بان نقول: ان لقاء القمة هذه بين اقليم كوردستان وبريطانيا في هذا الوقت مختلفة تماما عن بقية اللقائات السابقة التي اجريت بينهما, وذلك لاسباب رئيسية, منها:
اولا: الافاقة الاوروبية من الغيبوبة السياسية المتأثرة بسياسات امريكا ووصولها الى قناعة عدم قبول ترك الشرق الاوسط لمصير قد لا يعمد عقباه في ظل الموقف الامريكي المتذبذب وضرورة الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية وحضورها التأريخي في المنطقة.
ثانيا: تشير الدعوة الرسمية والاستقبال الرئاسي لرئيس اقليم كوردستان عدول بريطانيا عن موقفها السابق تجاه العراق, حيث اللاتوازن في تعاملها مع كل من بغداد واربيل في خضم صراعاتهما. وهي تدرك تماما بأن العراق لا يعمه الامن والاستقرار من غير وضع حد فاصل لحل المشاكل العالقة بين اربيل وبغداد ضمن الدستور.
ثالثا: وجود اقليم كوردستان كعامل استقرار وملاذ اللاجئين والنازحين, وارض خصبة للتعايش والتاخي, ولتجربته الحية في تجسيد القيم التي يشاركه مع العالم المتحضر من احترام حقوق الانسان وحقوق المراة وحرية الصحافة والرأي مما تجعله يلعب دورا بارزا في تحديد مسار مجريات الاحداث السياسية على الساحة السياسية العراقية والمنطقة برمتها.