هل سنبقى شياطيناً طوال العمر؟
د.رائد الهاشمي
تأخير إقرار الموازنة في العراق أصبح ديدن الطبقة السياسية التي أدمنت على حب المصالح الشخصية والحزبية وتجاهل مصلحة البلد والمواطن العراقي حيث تكررت هذه الظاهرة في معظم السنوات العجاف التي مرت على البلد منذ عام 2003 ولحد الآن, وها نحن دخلنا في الشهر الخامس وقاربنا على منتصفه ولاتوجد أي بوادر قريبة في الأفق لإقرار موازنة عام 2022.
الجميع يعرف خطورة تأخير إقرار الموازنة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلد والمواطن حيث تتوقف جميع أبواب الانفاق الضرورية وتتوقف المشاريع وتتوقف القروض ويصيب الاقتصاد الكساد والركود ويتأثر بذلك حال المواطن فتقل القدرة الشرائية له وتزداد معدلات البطالة والفقر ويصبح عاجزاً عن تلبية أبسط الاحتياجات الحياتية الضرورية له ولعائلته, وهنا نتسائل الى متى تستمر مقدرات المواطن بيد طبقة سياسية لايهمها غير مصالحها الشخصية والحزبية والى متى السكوت على هذا الحال؟
الفقير يتضور جوعاً ويصارع بقوة من أجل قوت يومه هو وعياله والكتل السياسية منشغلة بالكتلة الأكبر وبالثلث المعطل وبالنصاب هل سيتحقق أم لا , ولايوجد لهم هماً غير هذا لانه الطريق للمناصب وتقسيم الغنائم وزيادة الأرصدة في البنوك.
ان ارتفاع أسعار النفط العالمية الى أرقام غير مسبوقة وقرار الأوبك بزيادة حصة العراق الإنتاجية من النفط ساهم بتحقيق وفرة مالية هائلة لم يتذوق المواطن المسكين منها غير الجوع والمعاناة ونقص الخدمات والفقر والمرض ومازاد الطين بلة انتشار ظاهرتي الجفاف والتصحر التي بدأت تقض مضاجع العراقيين وتنباهم بمستقبل كارثي عليهم وعلى أمنهم الغذائي, فمتى ستتحرك ضمائر السياسيين ومتى يلتفتون لهذا الشعب المسكين ويفكرون قليلاً بمصالحه.
الموازنة في جميع المفاهيم والقوانين الاقتصادية والمالية هي جوهر السياسة الاقتصادية للبلد وهي ترجمة حقيقية للبرنامج الحكومي ومايتضمنه من خطط اقتصادية للتوسع والتنمية في جميع القطاعات وباي اتجاه ستذهب الحكومة هذا العام هل سيكون نحو توسع أم إنكماش وماهو حجم الاستثمارات والمشاريع التي ستنفذ وماهي فرص العمل التي ستوفرها الموازنة للعاطلين وماهو عدد المستشفيات والمدارس الجديدة التي سيتم انشاؤها ,فأين نحن من كل هذا وعام 2022 شارف على الانتصاف ولم ترى الموازنة النور, الجواب ان الحكومة ستتوجه كما عودتنا في مثل هذه الظروف الى قانون الادارة المالية الذي سيحل محلّ قانون الموازنة في تسيير الشؤون المالية للبلاد ويقوم بتنظيم النفقات والايرادات الضرورية اعتماداً على ماجرى في العام الماضي أي انه سيتم تكرار القديم واضافة 1 على 12 من المصروفات الجارية الفعلية من رواتب واجور والتزامات الدفع المستمر ويسمى الحد الادنى من الامور المالية العامة, أي بمعنى آخر أن عام 2022 سيكون عاماً آخر من الأعوام العجاف على العراقيين وستستمر فيه المعاناة للمواطن العراقي ولن يشهد فيه اية مشاريع جديدة ولن ينتظر أية فرصة تعيين جديدة وستبقى قدرته الشرائية منخفضة وستبقى معدلات الفقر والمرض والبطالة كبيرة وسيبقى القطاع الخاص مشلولاً وسيبقى المواطن يسمع بالوفرة المالية الكبيرة لهذه السنة في اخبار القنوات الفضائية فقط ولن يجني منها أي شيء وسيبقى هو الخاسر الأكبر في معادلة ظالمة عاش فصولها القاسية طوال تسعة عشرة عام, وسيبقى السياسي العراقي يصول ويجول بحثاً عن مصالحه الشخصية متجاهلاً للمواطن المسكين الذي أوصله لمنصبه بصوته الثمين فأية عدالة هذه والى متى يبقى المواطن العراقي ساكتاً على هذا الحيف والظلم المتكرر وأتمنى أن نتذكر جميعاً (أن الساكت عن الحق شيطاناً أخرس) فهل سنبقى ساكتين على هذا الظلم وهل سنبقى شياطيناً طوال العمر؟