هبت رياح الله الصمدية
علي حسين فيلي
كتب المؤرخ عطاء ملك الجويني (المتوفى نحو 683 هـ) في كلام له بشأن احتلال مدينة بخارى في عهد جنكيزخان المغولي، يقول: عندما احتل جنكيزخان وجيشه مدينة بخارى لم يظهروا ادنى حرمة او تقديرا للاماكن الدينية. فدخلوا بخيولهم الى داخل المسجد الاعظم، وجعلوا منه دار استراحة ولاحتساء الخمور واللهو واللعب. حتى انهم قاموا باخراج المصاحف من الصناديق الخاصة بها ورموها على الارض ليجعلوا من تلك الصناديق الفارغة مكانا لعلف خيولهم. وغدت اوراق المصاحف تتمزق تحت سنابك الخيول وتنتشر اشلاؤها هنا وهناك وتجمعت عليها فضلات الخيول! ومن جهة اخرى ومن اجل التهكم والاستخفاف بمشاهير القوم والعلماء ورجال الدين، كانوا يجلبونهم الى ذلك المكان ويجبرونهم على خدمة تلك الخيول كالساسة وكذلك ليروهم ذلك الوضع المزري بأم اعينهم.
في ذلك الوقت يقول عطا ملك: سألت احدى تلك الشخصيات المبتلاة وهو من كبار العلماء المتواجدين معه، ما هذا يا سيدي؟
فاجابه العالم بالقول: صه ياهذا، انها رياح الصمدية الالهية قد هبت!
بعدها تم تفسير كلام العالم بان الله ليس بحاجة لا الى مثل هؤلاء العلماء ورجال الدين ولا الشخصيات ولا لتلك المصاحف المخزونة داخل الصناديق!!
ولعل هذه الحكاية تنفع في زمن الكورونا ان يُقال مجددا ان (رياح الصمدية الالهية قد هبت) فاذا اتهمنا الصين في مسألة تفشي هذا الوباء، فان العراق لا يستطيع خلق تناغم وتوحد في الموقف للوقاية منه، ومواجهة هجوم هذا الفيروس، لان هناك اناسا احلوا افكارهم وحججهم محل الدين نفسه.
بعد الاحداث التي حصلت فيما يخص المزارات المقدسة، فان انتظار الكارثة شيء طبيعي. فالتقصير في هذه المسألة ايضا اثبت ان هذا البلد له فهم خاطئ حتى فيما يخص مسألة حماية ارواح مواطنيه ويتعامل برؤية اشخاص نسوا بسرعة تبعات الحرب الطائفية والجرائم الارهابية والسياسة السابقة في التطهير العرقي والمشكلات والصراعات السياسية، ويرون موت الناس مقابل لاشيء امرا طبيعيا ويرون في تضاعف عدد الضحايا مكاسب وبركات.
ان تفشي وباء كورونا في العالم بحاجة الى معالجة عالمية، ولكن مسألة تشكيل حكومة جديدة في العراق بحاجة الى ارادة ورغبة محلية لمنع خطر تكرار كوارث الماضي والحاضر لبقايا داعش، فضلا عن مكافحة خطر كورونا نفسه.
حاليا، ليس الوقت مناسبا للحديث عن تدين الاطراف السياسية ولادينية خصوم هذا البلد!
ان التقصير والنهم من اسباب الازمة السياسية المستمرة. واذا اختلطت هذه المشكلة مع الازمة الاقتصادية الكبيرة فانها ستقضي على كل شيء وتصبح كأن "رياح الصمدية" ستهب مرة اخرى.
ان كورونا والوضع السياسي والحكومي المعقد، وكذا الاوضاع الاقتصادية المعقدة التي ننتظرها كالعاصفة، ستدمر بشكل تام إيمان الناس وامن البلد.
إن كورونا كوباء عالمي سيغير العالم مابعده وسينظر اليه في اي بلد كتهديد محلي يستهدف حياة واموال المواطنين وامن البلاد، وفي الوقت نفسه يُنظر اليه كفرصة لاجراء تغيير في سلوك وتصرف السلطة ومستوى فهم والتزام المواطنين انفسهم من اجل وضع حد لتهديد الفناء، فهل بامكان العراقيين فعل ذلك؟