أمننة الحوار الأمريكي العراقي
عبدالله جعفر كوفلي
نظرية الأمننة.. قراءة نقدية (الحلقة الثالثة)
انطلقت قبل أيام جلسات الجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي الأمريكي العراقي بهدف بحث ملف الوجود العسكري الأمريكي في العراق وملفات أخرى، لتنتهي هذه الجلسات ببيان مشترك أكد فيها الطرفان على ضرورة التعاون والشراكة وحماية سيادة العراق وجدولة إنسحاب القوات القتالية الامريكية في موعد أقصاه نهاية عام 2021 والإبقاء بقوات استشارية ومدربين لحاجة القوات العراقية الى برامج التدريب والتسليح المقدمة من قبل الولايات المتحدة كما صرح به (فؤاد حسين وزير الخارجية العراقي) وأشار البيان الى ضرورة التعاون في مجالات الاقتصاد والصحة والبيئة، ناهيك عن التعاون العسكري والأمني، اثار نتائج هذا الحوار ردود أفعال ومواقف متباينة للقوى والأحزاب العراقية بين مؤيد و رافض، ونشر عن هذا الحوار الكثير من الدراسات والمقالات وجاء في صحيفة نيويورك تايمز بأن الحوار مجرد تغيير في أسم القوات الأمريكية من القتالية الى الأستشارية والمدربة وقالت الصحيفة أنه إظفاء الطابع الرسمي لوجود هذه القوات في العراق، ومن الباحثين من قارن بين العراق وأفغانستان مع وجود الفارق السياسي والامني والاقتصادى...الخ.
في هذا المقال سنسلط الضوء على موقف المواطنين العراقيين من هذا الحوار وهل استطاع صناع القرار و السياسات العراقية من أمننة هذا الحوار ؟ وإظفاء الطابع الأمني او تحويله من قضية عامة الى قضية أمنية.
في البداية، نقول بأن الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته منقسم الى قسمين أثنين فقط في مواقفهم و آرائهم، القسم الأول وهم الغالب هم جمهور الأحزاب والقوى السياسية بمختلف توجهاتهم وآيدولوجياتهم ومواقف هؤلاء يرتبط بشكل جوهري بما يصدرها أحزابهم وقواهم وكتلهم السياسية وهم بذلك أسيروا ما يوجه اليهم من تعليمات ويرسم لهم الإطار العام، والقسم الثاني من الشعب هم المستقلين سياسياً ولكنهم متعاطفين قومياً وطائفياً ومذهبياً، فإن الكوردي المستقل مثلاً يميل الى تأييد مواقف الأحزاب الكوردستانية في المسائل القومية والمتعلقة بحقوق الشعب الكوردستاني، وهكذا بالنسبة الى السني والشيعي والباقي القليل منهم من يكون لهم مواقف آخرى.
عليه، فإن استطاع صَناع القرار في العراق ومنهم من في الحكم من إقناع الأحزاب والقوى السياسية بأن وجود القوات الامريكية غير القتالية تعد ضرورة أمنية وفي تواجدها أهمية كبيرة لحماية العراق وسيادته ضد التهديدات الداخلية والخارجية، فإنه يستطيع الحصول على قبول غالبية الجمهور (هذا القبول الذي يعد عنصراً أساسياً في أمننة المواضيع كما أسلفنا في الملفات السابقة)، أما القسم الثاني من الجمهور المستقل سياسياً والمتعاطف قومياً ودينياً ومذهبياً فانه والقلة منهم من يكون لهم مواقف متباينة ومتضاربة والدليل على ما أشرنا اليه، اجتماع السيد (مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي) بالاحزاب والقوى السياسية بعد عودته مباشرة من واشنطن وأطلاعهم بما توصل إليه وهذا ما يشير الى إيمان صناع القرار بأن قبول الأحزاب والقوى السياسية لأمننة الحوار الأمريكي العراقي معناه قبول جمهورهم لهذه الامننة، وان قبول الأحزاب والأطراف السنية والكوردستانية لنتائج الحوار وضرورته وان الوجود الأمريكي في العراق يعد ضرورة لحماية العراق خاصة المناطق السنية وإقليم كوردستان دفع بالجماهير السنية والكوردستانية الى القبول، وهذا يعني قدرة صناع القرار والسياسات من السنة وفي الإقليم على إقناع جمهورهم بأمننة هذا الحوار في حين يرى أطراف أخرى مقربة من إيران بأن نتائج الحوار تعد انتصاراً لهم وذلك بتحديد موعد لأنسحاب القوات القتالية الأمريكية من العراق وأثرت هذه الأطراف على توجهات جماهيرهم و ارآئهم وهذا يدل على قبول هذه الفئة من الجمهور بأمننة الحوار ولكن باهداف مغايرة.
باختصار، ان أمننة أي موضوع او قضية في العراق يعتمد على قدرة صناع القرار العراقي في التأثير على القوى السياسية ذات التأثير الكبير على الشارع العراقي و يلعبون دوراً بارزاً في توجيه تنظيماتهم وخاصة الأحزاب ذات التوجيهات الأيديولوجية الدينية التي لا يمكن تصور خروج تنظيماتهم عن إطار التعليمات الموجهة اليهم، بل يتمسكون به وينفذونه حرفياً إظهاراً لإخلاصهم و ولائهم المطلق، فهو يرى الأمور من خلال نافذ حزبه لا غير.