مغادرة السلبية والتهيؤ للتغيير
جاسم الحلفي
لا أبلغَ من الاعتراف الرسمي بفشل النظام السياسي القائم على المحاصصة والمنتج للفساد، كما لخصته غالبية الكلمات التي قدمت في مؤتمر حوار بغداد، الذي انعقد قبل ايام، واسهمت في اعماله الطبقة السياسية الحاكمة، ومن تأكيده عجز هذا النظام عن تقديم اي منجز يستحق الذكر. ولعل اهم استنتاج خرج به المؤتمر هو ان المحاصصة والفساد هما - الى جانب الارهاب - اهم سببين لاستفحال ازمة نظام الحكم. لكن المؤتمر حينما شخص ذلك لم يصل الى حد الاعتراف بفشل النخبة الحاكمة برمتها، وبان الاصلاح والتغيير لا يمكن ان يأتيا عبرها. فهذا غير مرغوب فيه لانه يقطع عليها طريق الاستمرار في الحكم، الذي يعني بالنسبة لها الحصانة من المحاسبة، الى جانب المال والنفوذ وامتيازات السلطة.
وبهذا المعنى ابقى المؤتمر الباب مفتوحا امام الطبقة السياسية ورموزها، ليبقوا هم دون غيرهم يتصدرون المشهد السياسي، رغم كل ما جلبوا من الخراب. وتجدهم بدلا من فتح اي كوة للإصلاح والتغيير، يسعون كل من جانبه الى ترتيب اوراقهم بهدف التمسك بالسلطة على حساب البلد وتدهور احوال الشعب. لذا نشهد هذه الايام جهود المتنفذين وهي تركز على تعديل القوانين بما يؤمن عودتهم الى الحكم وبقائهم في السلطة. وبات من غير المتوقع ان يفسحوا المجال امام قوى الاصلاح والتغيير والاعتدال للتمثيل السياسي في السلطة التشريعية، لان في ذلك دق مسمار في نعش نظام المحاصصة والفساد.
بطبيعة الاحوال لا يمكن تصور ان تتنازل القوى المتنفذة التي انتجت الازمات وتسببت بكل هذه الكوارث، عن الحكم طواعية، بعدما تصاعدت موجات الغضب الشعبي عليها والرفض الواسع لها، وتزايد اتهامها بالفساد.
وكل هذا يستدعي من التيار المدني، بكافة اتجاهاته وتلاوينه وقواه المنظمة وشخصياته المستقلة، ان يستعد للتحدي، ويتخذ خطوات مدروسة سريعة للم الصفوف، وتنسيق الخطى، وتفعيل العمل المشترك، وان يباشر مغادرة اي موقف سلبي وانكفاء على الذات، وان لا يستكين للاحباط. كذلك ان يباشر اطلاق المبادرات، ويبدأ فورا بتنظيم اطاره السياسي ويفعل دوره المجتمعي ونشاطه الجماهري، لا سيما وان شروط نجاحه متوفرة بعد ان اختط نهجا واضحا في معارضة نهج المحاصصة، والتصدي للفساد، والاسهام بفعالية في حركة الاحتجاجات الشعبية العامة، والاستمرار في قيادة المعارضة الشعبية الواسعة.
واذا كان بسطاء الناس يكتفون بالتذمر والسخط للتعبير عن مواقفهم من الاوضاع المعيشية والحياتية القاسية، فان القوى المدنية وشخصياتها المثقفة ونخبها الواعية لا يمكن ان تعبر بالطريقة ذاتها. بل المطلوب منها ان تغادر اي دور سلبي، وتعمل على استنهاض الناس وحشدهم لتحقيق المشروع المدني الديمقراطي، الذي هو الامل في اخراج العراق من دهليز المحاصصة البغيض.
ان الدولة المدنية الديمقراطية ليست خيارا بين خيارات، وانما هي الطريق الوحيد لانقاذ ما يمكن انقاذه بعد كل الخراب الذي خلفه نظام المحاصصة والفساد.
لكنه ليس طريقا سهلا او ميسرا، ولا بد من العمل لاجله بتفانٍ وشجاعة واصرار.