مالم يقله الوزير ..!
فلاح المشعل
وجهت سهام النقد والاتهام لوزير المالية العراقي علي علاوي بعد تصريحه الذي توقع فيه انهيار اسعار النفط خلال السنوات العشر المقبلة، مايجعل العراق يسرح موظفيه لأنه غير قادر على دفع رواتبهم، والسبب في ذلك اعتماد العراق علي عائدات النفط بنسبة أكثر من 90% من ايرادات الدولة .
كلام السيد علاوي سليم 100% بكون اقتصاد العراق أحادي الجانب، اقتصاد ريعي يعتمد على بيع النفط ومن وارداته يشتري احتياجات البلد ويسدد رواتب معيشة الموظفين في الدولة، ولنا مثال خلال عام 2020 وبسبب انتشار وباء كوفيد 19 تراجعت اسعار النفط الى الصفر ، وبات العراق يقترض من مصادر خارجية وداخلية لتسديد رواتب الموظفين، مادفع بتراكم الديون التي اعطيت للدولة العراقية لأنها دولة نفطية والثابت بتقدير اقتصاديات العالم أن النفط سيعود لاسترداد قيمته السلعية بأسواق العالم وهو ماحصل بالضبط .
السؤال المهم يأتي بما تتحدث فيه مراكز بحوث الطاقة في العالم من توفر واستخدام الطاقة البديلة والنظيفة خلال السنوات العشر المقبلة، لتحل بديلا عن البترول بنسبة قد تصل الى 60% ، أي الطاقة الكهربائية والشمسية والنووية السلمية وغيرها مما يجري البحث عنه بوتائر متصاعدة، مايجعل النفط سلعة منخفضة السعر بالأسواق العالمية !؟
أذن كيف تعيش المجتمعات التي تعتمد على النفط فقط في حياتها كما هو حال العراق منذ ثلاثين سنة وأكثر ؟
دول النفط في الخليج العربي فكرت بوقت مبكر بهذا التحول الذي ستقدم عليه الدول الصناعية الكبرى في إيجاد الطاقة البديلة، حضرت مؤتمر دول الأوبك عام 2008 بالرياض ضمن الوفد العراقي، وكان المؤتمر وخبراء النفط والطاقة في العالم يقدمون قراءاتهم بهذا الشأن ويؤكدون على أن اعتماد اقتصاديات العالم على النفط سوف تستمر لفترة تتراوح بين 25-30 سنة مقبلة وبعدها سوف تنخفض قيمته واهميته في شؤون الطاقة، وهذا ما أثبتته السنوات وخطوات التقدم المتسارعة بالعالم، وبالمناسبة كان الوزير العراقي حسين الشهرستاني الحاضر بالمؤتمر يوعد بانجازات عراقية كبيرة خلال السنوات الخمس المقبلة أي 2008 _2012 أذهلت العديد من الحاضرين ..لكن لم يتحقق شيئا منها، بل حدث العكس وخسرنا كثيرا في هذا الشريان الوحيد المغذي للحياة العراقية .
ماقاله الوزير علاوي صحيح جدا بعد عشر سنوات سينزل النفط عن عرش الأسعار ، وتجنبا ً لهذا المصير شرعت دول الخليج العربي مثل السعودية والكويت والامارات وقطر باعتماد واردات النفط والغاز باستثمارات هائلة في آسيا واوربا وافريقيا ، استثمارات زراعية وبناء مدن خضراء ودخول عالم الصناعات والشراكات مع دول أخرى، والتخلي عن مبدأ ربط الاقتصاد بالسياسة، كما جرت العادة في الدول القومية والاشتراكية المتهالكة، وفوق كل هذا عمدت الى وجود صندوق الأجيال الذي يوفر نسبة من عائدات النفط للأجيال المقبلة في نظرة تنطوي على تحقيق العدالة في توزيع الثروة بين الحاضر والمستقبل ، الذي ماعاد مجهولا كما يحدث بالسياسية العراقية المتخلفة .
مالم يقله الوزير ..!
أن الأزمة العراقية عميقة جدا وليس من اليسير معالجتها، بل تستدعي تغييرا جذريا في الطبقة السياسبة الحاكمة وتراتبية مفاصل الدولة وفلسفتها الاقتصادية والمالية التي تعاني التخبط والضياع وغياب التوجهات السليمة .
العراق يحتاج الى ثورة اصلاحات في بنية الدولة تبدأ بالاصلاح السياسي وإعادة النظر بتشكيلات الدولة الادارية وإعادة صياغتها على وفق مقدراتنا الاقتصادية الساعية للنمو ، وتحرير القرار الاقتصادي من هيمنة القرار السياسي الذي عادة مايعمل باجتهاد وارتجال وفق توجهات ومصالح ليس بالضرورة تنسجم مع مصالح المواطن والمصالح الاقتصادية للوطن، ولدينا أمثلة عديدة في الهدر كما حدث منذ عشر سنوات باستيراد الغاز من دول الجوار لتشغيل محطات توليد الكهرباء، بينما نحن بلد منتج للنفط بامتياز ويمكن اعتماد النفط الاسود او الكازويل بدل الغاز ، الذي تسبب بهدر عشرات المليارات من الدولارات لغرض توفير الكهرباء، أو شراء الكهرباء بدل انتاجها محليا في تكرار لخسائر أخرى، والدافع الأساس كان سياسيا وخيانة للأمانة الوطنية .
الزراعة نفط دائم ..شعار كان يغطي عمليا اقتصاديات العراق بنسبة تفوق 50% خلال ستين سنة أو أكثر من القرن الماضي، قبل أن تبدأ حروب صدام العبثية والطائشة، كيف الحال والعراق الآن يستورد نحو 70% من احتياجاته الزراعية اليومية ونحو 90% من سد النقص في الصناعة !؟
العراق يعيش أزمة حقيقية لاينبغي الهروب منها باتهام الوزير بالتشاؤم وعدم توفير العلاج ، أزمة لانعرف نخاطب مَنْ لغرض التصدي لها ؟ ووضع العلاجات الممكنة ؟ فالحكومات متعاقبة وهي تقف بقدسية بعيدة عن المحاسبة والمراجعة وتختم موازنتها السنوية دون حسابات ختامية مثل أي بقال أمي ؟ وليس بوسعها سوى تقديم برامج اقتصادية حكومية رنانة ..لكنها قبض ريح ، وبرلمان سياسي يعتاش طفيليا على وزارات وعقود الدولة في تراتبية فساد بغطيه السلاح المنفلت وبغفلة عن القضاء المهدد والمستلب سياسيا !؟
ليس من واجب أو اختصاص وزير المالية أن يضع الخطط للخروج من متاهة الفوضى الاقتصادية والسياسية، بل هو أقرب للتخصص بشؤون المال والموازنات المالية والتعامل مع الكتلة المالية وفق توازنات المدخلات والمخرجات، ومعالجة الديون وإدارة المال وحركة المصارف وآلياتها بالتعاون مع البنك المركزي الذي صار هو الآخر يخضع لسياسة الحكومة ومصالح الاحزاب، ولا ينتهج سياسة اقتصادية مستقلة كما ينبغي أن يكون، ويصبح شريكا ومساعدا في البنية الاقتصادية للدولة وتنمية سياستها المالية .
اجراءات الاصلاح ماتزال متاحة نسبيا لو أعطيت الصلاحية للاختصاص الاقتصادي بعيدا عن السياسة ، لكن هل تتقبل الأحزاب وقوى اللادولة المتطفلة والمتحكمة بنسبة كبيرة من واردات الدولة بهكذا إجراءات ؟ وكيف للاصلاح الاقتصادي أن يعمل في أجواء الفوضى والأمية والانفلات وحكومة غير قادرة على فرض القانون ، بل غير قادرة على حماية نفسها من تهديد السلاح المنفلت ؟