ماذا لو حكمت الأحزاب العراقية سويسرا؟
انس محمود الشيخ مظهر
ماذا لو حكمت الاحزاب العراقية سويسرا ؟
هو عقد ...اذا انفرط لن يلتحم من جديد
طالما شكل الحديث عن تغيير الدستور والنظام السياسي في العراق حديثا عرضيا يطرح في مقابلات او تصريحات سياسية كنوع من انواع الاستهلاك الاعلامي , الا انه اتخذ مؤخرا مساحة اكثر جدية , وبعدا اكثر الحاحا من ذي قبل , خاصة مع ازمة تشكيل الحكومة وما تبعها من تطورات , فأخذ يطرح كشرط واجب التنفيذ مقابل تهدئة الاوضاع , وكأن المشكلة العراقية تكمن في نوع النظام السياسي الذي يقوده او نوعية الدستور الذي يديره ...
وكواقع حال فان اكثر جهة متحمسة لهذا الطرح هي الاحزاب الممثلة لمكون الاغلبية , بينما تقف احزاب المكونين الكوردي والسني بين الرفض والقبول بتغيرات محددة دون المساس بجوهر العملية السياسية ... وتاتي حماسة احزاب المكون الشيعي لاسباب كثيرة من بينها :-
* ان مكتسباتها السياسية لن تتأثر بذلك التغير بل يمكن توظيفه لاضافة مكتسبات جديدة لسابقاتها.
* من وجهة نظرها...فان النظام السياسي والدستور الحاليين يعرقلان ما تطمح اليه من الاستحواذ الكامل على السلطة وتوجيه البلد حسب توجهاتها.
* ان تغير النظام والدستور يعطيان الاحزاب هذه دفعة جديدة للاستمرار بالتواجد على الساحة السياسية باظهارها الدستور ونظام الحكم البرلماني شماعة لفشلها في ادارة العراق .
وفي الحقيقة فان اي تغير للنظام السياسي او الدستور في هذا الوضع المضطرب سيصب في مصلحة تلك الاطراف الشيعية لا اكثر خاصة في ظل سيطرة المليشيات سياسيا وامنيا على الوضع العراقي .
ان المتابع للشان العراقي منذ الالفين وثلاثة والى يومنا هذا يدرك ان المعضلة العراقية لا تكمن في نظام الحكم البرلماني ولا في نصوص دستوره , وانما في الاطراف التي تدير النظام السياسي , وتفتي في الدستور , والتي افرغته من محتواه . ولو اشرفت هذه الاحزاب السياسية على اكثر دولة ديمقراطية في العالم , وافتت في نصوصها الدستورية لحولتها الى ما هو عليه الحال في العراق في وقت قياسي .
والسؤال الذي يطرح نفسه الان هو ... مالذي سيحققه تغيير النظام السياسي والدستور في ظل الاحزاب الحالية ؟
- هل سيتم القضاء على الفساد في ظل سيطرة الفصائل المسلحة والاحزاب الحالية ؟
- هل سيغير النظام الرئاسي طبيعة علاقة العراق بالدول الاقليمية والعظمى في ظل سيطرة هذه الجهات ؟
- هل سيوقف النظام الرئاسي ضغوطات هذه الجهات ؟
- هل يمكن انتخاب الرئيس دون تاثيرات خارجية اقليمية او دولية ؟-
- هل ستفسح الاحزاب الموجودة المجال ليتم ترشيح الرئيس من خارجها مباشرة من قبل الشعب ؟
- ولو فرضنا ان ضغوطات الشارع اجبرت الاحزاب على ترشيح شخصية مستقلة , فهل سيبقى مستقلا ؟
- هل سيحوز النظام والدستور الجديدين على رضا بقية المكونات ؟
- هل سيسمح للرئيس في ظل النظام الرئاسي في ان يكون من خارج مكون الاغلبية , ام سيخضع المنصب للمحاصصة ويكون من حصة مكون الاغلبية ؟ خاصة وان الاطراف السياسية رفضت بشكل قاطع الاغلبية الوطنية في الانتخابات الاخيرة واصرت على التوافقية .
- هل وصل الوضع في العراق لان ينتخب فيه مكون ما الرئيس من مكون اخر ؟
- ما هي البنود الدستورية التي اذا تغيرت ستؤدي الى استقرار العراق ؟
- هل ستتوقف الاطراف السياسية عن بدعة التاويلات القانونية والسياسية لبنود الدستور الجديد ؟
- كيف يمكن الاقرار بدستور مستقبلي دون موافقة جميع المكونات ؟
- ان كانت الاحزاب السياسية قد تهربت لسنوات من تطبيق بنود دستورية , لمجرد انها لا تصب في صالح توجهاتها المذهبية او القومية , فكيف ستتفق على دستور جديد يضم نقاط تصب في صالح جميع المكونات ؟
في ظل الاحزاب المهيمنة على الوضع العراقي الحالي فان اي حديث عن تغير النظام الرئاسي او الدستور هو حديث مغرض , يهدف الى استحواذ مكون سياسي واحد على بقية المكونات , فالدستور الحالي وضع في ظروف لم تكن فيه الاحزاب الموجودة على الساحة الان تستحوذ على الوضع العراقي كما هو عليه الحال الان , ولم تكن امتداداتها وارتباطاتها الاقليمية بهذا التشابك , ولم تكن الفصائل المنفلتة قد تشكلت بعد , لذلك فان اي تغير في النظام السياسي او الدستور حاليا سيكون تحت سطوة الاحزاب والفصائل المسلحة وامتداداتهما الاقليمية , ويسخران لخدمة اهدافها , بعيدا عن مصلحة المكونات العراقية الاخرى , بعيدا عن ترسيخ ديمقراطية حقيقية في العراق .... فمن الهراء التصور بان الاسلام السياسي" الجهادي" يمكن ان يشرع دستورا ديمقراطيا حقيقيا , فما بالك بإسلام سياسي"جهادي"منفلت ؟ .
ثم ان الدستور هو عقد سياسي بين مكونات وافراد الشعوب العراقية , واي تغير في هذا العقد سيجعل من المكونات المتضررة في حل منه... عقد اذا انفرط لا يمكن ربطه من جديد ... ولا يعني رغبة "حزب" او "شريحة في مكون" وحتى "مكون كامل" في تغيره بانه اصبح واجب التغير.... وماذا بشان رغبة بقية المكونات , هل تم اخذ رايها ؟
المفارقة في هذا الموضوع ان المنادين بتغير نظام الحكم والدستور هي نفس الاحزاب التي فشلت ومنذ الالفين وثلاث في ادارة ليس العراق فحسب بل فشلت حتى في ادارة نفسها كاحزاب , فمن المواضح ان الصراع السياسي تجاوز الصراع المكوناتي الى صراع داخل المكون الواحد بل والى داخل الحزب الواحد , فكيف يمكن لاحزاب فاشلة من خلق دولة ناجحة ذات دستور و نظام سياسي ناجحين ؟
والمفارقة الثانية ان التجارب العالمية تخبرنا بان المكونات الاصغر هي من يفترض ان تنادي بتغير الدساتير عندما لا يضمن الدستور مستقبلها ومكتسباتها في ظل الدولة الواحدة , باعتبار ان المكون الكبيرتكون حقوقه مضمونة تلقائيا , اما في العراق فان مطالبات تغير الدستور والنظام السياسي تاتي من قبل المكون الاكبر , بينما المكونات الاصغر(الكوردي والسني ) ساكتان على مضض عن المطالبة بتغيره , لادراكهما بان هذه المطالبات مغرضة وان وراء الاكمة ما ورائها .
وهنا نريد ان نسال سؤالا مباشرا... هل طبق الدستور العراقي بحذافيره كي نتهم الدستور بانه هو المشكلة ؟ فهناك خمسين بندا دستوريا لم يطبق منها شيء لغاية اليوم , وحتى ما طبق منه من بنود جرى تأويلها بشكل يصب في صالح الاطراف المتحكمة , واي دستور جديد في ظل الراسخين بعلم التاويل الدستوري سيكون مطاطا لدرجة لا يمكن تطبيق اي بند فيه , فحتى لو حكموا سويسرا بنفس نظام حكمها ودستورها الحاليين فسوف "يعرقنونها" خلال سنوات قليلة .
انس الشيخ مظهر
كوردستان العراق- اربيل
8-4-2022