ماذا لو حكم الصدر
شوان زنكَنة
أَتَفَهَّمُ حرصَ قادةِ كتلة الإطار، وقادةِ كافة الأحزاب، والشخصيات السياسية في العراق، أَتَفَهَّمُ حرصهم على المشاركة في السلطة التنفيذية بأي ثمن، لأنها الملاذ الآمن لكل الملاحقات القانونية وملفات الفساد التي أتخمتْ رفوفَ المراجعِ الحقوقية وهيئاتِ النزاهة، ولأنها (أي السلطة) البقرَ الحلوبَ التي تغذّي هؤلاء القادة، وتديمُ تواجدَهم في الساحة السياسية، وعلى طاولات توزيع الحصص من الثروة العراقية.
ولكن.. ومع الانسداد السياسي، أصبحت كلُّ الحلول الكلاسيكية لا تقوى على صياغة انفراجٍ تُلبّي مصالحَ كلّ الأطراف، لذلك، لا بُدَّ من سلوك مسلكٍ راديكاليٍّ، إذا ما توفرت الإرادة والإدارة لدى الكتل السياسية المتصارعة لتحقيق ذلك الانفراج، ويقتضي هذا المسلك الراديكالي، تركَ السلطة لمقتدى الصدر، وتشكيلَ حكومة صدرية بالكامل، وبقاءَ كافة القادة السياسيين خارج السلطة التنفيذية، وذلك بدعم حكومة أقلية صدرية في المجلس الوطني من قبل كافة القادة السياسيين، فيتمُّ انتخاب رئيس جمهورية صدري بإجماع الأحزاب والكتل والشخصيات الممثَّلَةِ في المجلس الوطني، ويقوم الرئيس الجديد بتكليف شخصية صدرية لرئاسة مجلس الوزراء، الذي بدوره سيقوم بتشكيل حكومة صدرية بالكامل، لتمارس مهامّها وَفق الدستور، على أن لا تتدخّل الدولُ الخارجية، ولا الكتلُ السياسية الداخلية في سير أعمال الحكومة، بل يتم إطلاق يدها كاملة في تنفيذ ما يأمر به الصدر، وتكتفي الأحزاب بمراقبة الحكومة من مجلس النواب، ومتابعة أنشطتها، وكتابة تقرير عن تَقدُّمِ سير عمل الحكومة مرة واحدة كل 100 يوم، ولثلاث مرات، ثم تُقدّمُ تقريرها النهائي بعد سنة من تشكيل الحكومة.
ستجد الأحزاب نفسها، أنها قد دوّنت التقرير التالي:
1- قيادةٌ بلا رؤية، حكومةٌ بلا مشروع استراتيجي، كوادرٌ تجمَّعتْ بشكل عشوائيّ، إدارةٌ ماليةٌ مُتفرِّدَةٌ، بلا رقابة داخلية، وبميزانية محدودة.
2- قيامُ الحكومة الصدرية بتعيين وتوظيف مئات الألوف من أتباع الصدر في كل دوائر الدولة، إذ لا يستطيع الصدر مقاومةَ رغباتِ أتباعه، الذين لم يلتحقوا به إلا لينالوا بعضًا من نعيم هذه السلطة، وبذلك ستُثْقِلُ هذه الحكومة كاهلَ الميزانية العامة للدولة، وإذا ما أضفنا لذلك انخفاضَ أسعارِ النفط، المورد الأساسي الوحيد للدولة، فإننا حتمًا سنكون أمام كارثةِ فقرٍ مُدقِعٍ في كلِّ أنحاء العراق، وبالأخص في الوسط والجنوب.
3- فشلٌ ذريعٌ في محاربةِ الفساد، وتقديمِ الفاسدين للمحاكم، لأن الصدر سيُطالَبُ بِبَدءِ الإصلاح من نفسه، ومؤسسته، وتياره، ووزرائه، ونوابه، وشركاته ومؤسساته الاقتصادية، وبعد هذا الإصلاح فقط، يستطيع الصدر أن يُمرِّرَ ملفات الفساد في مجلس النواب، والدوائر القانونية، وإذا ما أصرَّ الصدر على تحريك ملفات الفساد، قبل أن يبدأ بتياره، فإنه سيلاقي ممانعة كبيرة جدا، فإذا ما سقط رأسٌ سياسيٌّ معينٌ، فإن هذا يعني سقوط كلِّ الرؤوس، كأحجار الدومينو، لأن كلَّ ملفات الفساد مرتبطة ببعضها، في ظل نظام متكامل للفساد.
4- لا تَقدُّمَ يُذكَرُ في كافة المجالات الخدمية، كالماء والكهرباء والصحة والتعليم والبنى التحتية، وغيرها، لأسباب، أهمها: انعدامُ قيادةٍ صاحبةِ رُؤيا، عدمُ وفرةِ الكوادر الكفؤة، عدمُ وجودِ مشروعٍ حكومي استراتيجي، بالإضافة إلى ضعف السيولة النقدية، ناهيك عن الفساد الذي سيستشري داخل أروقة الحكم، بسبب الانفراد بالسلطة والتصرّف الكيفي بأموال الدولة دون رقيب أو حتى منافس فاسد.
5- استمرارُ التراجعِ في الإنتاج الصناعي والزراعي، لعدم وجود مشروعٍ لتطوير الإنتاج في ذهن القيادةِ الصدريةِ، فلم نسمع منهم شيء عن ذلك طيلةَ فترة مشاركتهم السلطة منذ 2003م، وذلك لانشغالهم بالوعود التي قطعوها لأتباعهم والآمال التي اصطنعوها فيهم من جهة، وصراعِهم الدؤُوبِ مع المنافسين في الداخل، والاعداءِ في الخارج، فغابت عن ذهنهم فكرةُ إنشاء دولةٍ رصينَةٍ من جهة أخرى.
هذا التقرير، وبهذا المحتوى، سيكون الأداةَ التي تُنهي حكمَ الصدر بعد سنةٍ من تشكيله، وتُعْريهِ أمام الشعب، وتفضحُ شعاراته الطنانة والرنانة، ويُثبِتُ كونَه امتدادًا للحكومات السابقة، لا غير، وخاصّةً إذا ما استطاعت الأحزاب من توظيفه، سياسيا ودبلوماسيا وإعلاميا وشعبيا، بالشكل المناسب والمؤثِّر.
أعتقدُ، أنه يجب على كلّ الأحزاب السياسية العراقية، أن تضع حدًّا لمزايدات الصدر في الإصلاح والبناء ومحاربة الفساد، ليس بالطريقة الكلاسيكية المتَّبعَةِ طوال سنين، ولكن بإعطائه الفرصةَ، وَوضْعِهِ على المحكِّ، في كلّ مزايداته وشعاراته، والتصويتِ بالثقة على حكومة أقلية صدرية في المجلس الوطني، تقومُ بإجراءات الإصلاح من غير قيد أو تدخّل، خارجي أو داخلي، وحرمانِه من بيان الأعذار لتبرير الفشل.
وسترى هذه الأحزاب، كيف يسقطُ هذا التيارُ سقوطا مُدويًا، تاركا خلفه عِبئًا كبيرا يُثقِلُ كاهلَ الميزانية العامة، بل ستأكلُ السّبْعُ العِجافُ السبْعَ السِّمانَ، وسيستنزف هذا التيار خلال هذه الفترة القصيرة، ميزانية الدولة بشكل ملموس، بسبب عدم وجود مشروع سياسي، ولدواعي حزبية، ولضعف الكادر الفني.
والسؤال الوجيه هنا هو: ماذا لو حكم الصدر؟
لو حكم الصدر، فإنه سيكون على المحكِّ، بين شعاراته البراقة، واستحالةِ تطبيقها، والقولُ الفصل عندئذ هو للشعب، ويَحصلُ الانفراج بسقوطِ هذا التيار الذي طالما تشدّق بالإصلاح والبناء، واتّهمَ الحكومات العراقية المتعاقِبة بالفساد، في الوقت الذي كان فيه جزءً لا يتجزّأ منها، بل ومن دعائمها الأساسية.
أكرر.. أنه يجب أن تتحلّى الأحزابُ والكتل السياسية بالشجاعة والثقة بالنفس، والسماح للصدر بتشكيل حكومة أقلية، ليُجرِّبَ حظَّه في الحكم وحدَه، فيرى بذلك وزنَه وقدرَه في إدارة الدولة، ويظهرُ للناس حقيقةُ شعاراته، وطبيعةُ الإصلاح الذي ينادي به، ولستُ هنا بصدد الدفاعِ عن أحدٍ أو الوقوف ضدَّ أحدٍ، وإنما عرضتُ مسلكًا مُغايِرا للانفراجِ، عسى أن يؤدّي ذلك إلى خروجِ الواقع السياسي العراقي من عُنق الزُّجاجةِ.