مابين الأمس واليوم في كوردستان
صبحي ساله يي
في الأيام الصعبة، وبالذات عندما إستعر الصراع بين أربيل وبغداد وأنكر الكثير تضحيات شعب كوردستان ضد داعش والفواتير الباهضة التي دفعها، أغفل الكثيرمن السياسيين الكورد صورة المشهد بكامله ونظروا اليه من زاوية محددة، فأخذوا يتنافسون على لقب الأكثر بعدًا عن حكومة إقليم كوردستان والأسرع إنسحاباً منها، والأعلى صوتًا في إنتقادها من أجل مكاسب خاصة ورفض جميع توجهاتها وسياساتها الإقتصادية والسياسية والخدمية وأي شيءٍ تفعله أو تقوم به، والأوضح موقفًا في التمسّك بحلها أوإسقاطها أوتغييرها، والأشد الغضب عليها. وبات الإبتعاد عنها والسير في الطريق المعاكس لها نهجاً ومفاخرة عند الذين لايمتلكون القدرة على قراءة الواقع والمستقبل والتأقلم مع الأحداث والمستجدات.
أما الآن، بعد إنحسار المخاطر التي كانت تهدد الإقليم، وتغيير المواقف المحلية والإقليمية والدولية حيال الإقليم، وبعد أن أصبح الفوز الكبير للحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الرئيس مسعود بارزاني، في عمليتين إنتخابيتين، قابلاً للتجيير والتوظيف حسب القانون ورغبات الفائزين وميولهم. نرى منسحبي الأمس، ومن دون أدنى ممانعةٍ وعبر بيانات صريحة ومباشرة، يتنافسون ويتهافتون، بل يهرولون ويتسابقون ويتصارعون من أجل أن يكونوا الأكثر قرباً منها، إستقواءً وحجزًا للمواقع المميزة في القطار الحكومي الجديد، ويعتبرون الحزب الديمقراطي الكوردستاني المخرج من الأزمات، يغازلونه ويتصلون به يشدّون إليه الرحال لتجديد العلاقات السابقة أو إقامة علاقات جديدة.
الكل في كوردستان، بما فيهم الفائز الأول، باتوا يطمحون الى أن يقال عنهم، إنهم الأكثر تسامحًا وسعة للصدر مع الآخرين. هذا الطموح، وبالذات عند الديمقراطي الكوردستاني، معلوم وثابت. ولكن عند الذين أنتجوا المزايدات غير المقبولة أخلاقياً، بلا أدنى إحساس بالمسؤولية االوطنية والقومية، تظهر اندهاشًا وإمتعاضًا لدى الكثيرين، وتتيح فرصة للتندر والسخرية من قبل جمهور يرفض التماهي والإنصهار الكاملين بين جانبين أحدهما قاد الإستفتاء وضحى ودافع عن كيان الإقليم وحكومته والمكتسبات الدستورية وحياة وكرامة الكوردستانيين، وآخر مدعوم خارجيًا، ومخدوم سياسيًا، عارض الإستفتاء وبرر الهجمات على كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه، بصرف النظر عن بشاعة حجمها وعن مرتكبها، في نقطات عدة. وكان يهاجم من وقف الى جانبه من قيادات الإتحاد الوطني الكوردستاني في نقطة أخرى.
وبالنظر إلى الأصوات التي تطالب بإعادة تأهيل هؤلاء وإشراكهم في حكومة الإقليم. نلاحظ أن بعضهم يطلب ذلك علناً وبشكل مكشوف ويفهم المعادلات ويدرك أضرار مراكمة الوقائع ومساوىء رفع اللافتات والخرق البالية التي لا تعني شيئا في عالمنا الحالي، وينظر بموضوعية إلى الوضع الكوردستاني بعد فشل السياسات السابقة تجاه الحزب الأول والأقوى والأعرق، والمقصود هنا أنه طالما أن الحزب الديمقراطي قد إنتصر ولايعرف الهزيمة لم تعد هناك خياراتٌ أخرى للتعامل معه سوى القبول الواقعي بحجمه وإمكاناته. بينما يسلط الآخرون إعلامهم وبعض قيادييهم للقيام بتلك المهمة عبر مناورات غير نظيفة وبتكتيكاتٍ غيربريئة، من نوع إعادة قراءة تاريخ الإستفتاء والتشكيك به وأحداث 16 إكتوبر ضد الكورد، مع التشكيك بدورالإتحاد الوطني الكوردستاني، بشكل عام، للإبقاء على حالة عدم الاستقرار في العلاقات بين الحزبين الرئيسيين، والإيحاء بأن الإتحاد الوطني لايختلف عن الأحزاب الثلاثة المنسحبة من الحكومة ورابعها الذي تأسس في الربيع وتمزق في الخريف دون أن يصبح حزباً، بينما الأحداث تثبت إنه يختلف عنهم كثيراً ولايمكن تحميله وزر أخطاء بعض المنتمين إليه أو المحسوبين عليه.
وما بين الأمس واليوم في كوردستان، الواقع يقول: هناك أحزاب موجودة على الساحة وفازت في الإنتخابات ولها كامل الحقوق الإنتخابية، ويجب أن تصان، ولكن رغبة المشاركة في الحكومة تختلف عن رغبة إختيار موقع المعارضة. الأولى يجب أن تكون متبادلة ولاتتحقق إلا مع رغبة وقبول الذي يتم تكليفه بتشكيل الحكومة، بينما الثانية، يمكن تحقيقها من جانب واحد. ويقول: القبول بعودة أو إعادة هؤلاء، مراعاةً لبعض الحجج المنطقية، ودمجهم في الحكومة المقبلة لا تغير حقيقة أن هؤلاء تنازلوا عن الشعب من أجل كسب ود البعض في بغداد والعواصم المختلفة مع أصحاب القرار في الإقليم، ولا تبيض سجلات لم ترتكز على منطق الموضوعية والقيم الأخلاقية والمتبنيات الفكريّة والمفاهيم الثقافية والإجتماعية والدينية في مرحلة عزل الإقليم ةتعرض شعب كوردستان الى المظالم.