لمن الأولوية.. للمشاكل الداخلية ام الاقليمية
انس محمود الشيخ مظهر
نجحت الحكومات العراقية الثلاث الاخيرة، بدءا من حكومة عبد المهدي مرورا بحكومة الكاظمي وانتهاء بحكومة السوداني، من لعب دور الوسيط في بعض الملفات المهمة في المنطقة، مستفيدة من تقاطع المصالح الدولية والإقليمية على الساحة العراقية.
وهي نقطة تحسب للحكومات العراقية في أنها حولت الصراع الإقليمي والدولي على العراق من نقطة تضعف الموقف العراقي الداخلي وتشتته، الى نقطة قوة تستفاد منها الحكومات العراقية للعب هذا الدور المهم.
فقد لعب العراق دورا محوريا في تقريب وجهات النظربين الفرقاء في الملف النووي الايراني "امريكا وايران".
وكذلك حلحلة المشاكل السياسية بين ايران والمملكة العربية السعودية، والتي اثمرت عن تفاهمات واضحة بين الطرفين في العديد من الجوانب. وتقريب وجهات النظر بين ايران ودول خليجية اخرى، وبين ايران ومصر، ولا نستطيع انكار المحاولات العراقية لتغير الموقف العربي من اعادة سوريا الى مقعدها في الجامعة العربية، واخيرا المحاولات العراقية الاخيرة في تقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا والتي تمثلت في زيارة السوداني الاخيرة لدمشق.
ورغم ان الكثير من المحللين يعزون الموقف العراقي هذا في انه مدفوع بمباركة ايرانية مسبقة لها، وبتوجيهات ايرانية بغية حلحلة مشاكلها المستعصية مع المجتمع الدولي ودول المنطقة، الا ان ذلك لا يقلل من اهمية نتائج المحاولات العراقية، والتي حولته الى نقطة التقاء القوى المتصارعة، وهو بحد ذاته امر يحسب له.
ولكن وكما ان لهذه النجاحات العراقية ايجابياتها فان لها نصيبها من السلبيات. فاهتمام الحكومات العراقية بحلحلة الملفات الاقليمية والدولية، يعطي مؤشرا على مدى تأثير تلك الأطراف الخارجية على الواقع العراقي، مما يدفع بالحكومات العراقية المتعاقبة لفتح قنوات اتصال بين تلك الاطراف المتنافسة، لتبدو بمظهر الحكومة التي لا يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي اعطاء فكرة ان بقاءها في السلطة يصب في صالح جميع القوى الخارجية تلك، وهكذا يمكن لها ضمان بقائها في اي انتخابات مقبلة، وهو امر قد يكون مقبولا بالمعايير السياسية، لكنه من جهة اخرى يضعف تركيز الحكومات العراقية على حل المشاكل الداخلية "العراقية العراقية".
فلا يمكن لاحد ان يتصور ان المشاكل العالقة بين القوى السياسية الكوردية مثلا او السنية مع الحكومة الاتحادية هي اكثر تعقيدا من المشاكل بين ايران من جهة وامريكا من جهة اخرى، او بين ايران ودول الخليج.
فان كانت الحكومة العراقية قادرة على جمع فرقاء دوليين واقليمين في هكذا ملفات، فما الذي يمنعها من جمع الفرقاء المحليين مع بعضهم وتصفير المشاكل بينهم؟ فهل ان تطبيق المادة 140 من الدستور مثلا، او حل الملف النفطي بين كوردستان والحكومة الاتحادية، او حل ملف النازحين السنة والتمثيل السني في الحكومة، هو اكثر خطورة وتعقيدا من الملف النووي الايراني، او الصراع بين ايران والخليج؟ ولماذا لا تركز الحكومات العراقية المتعاقبة على الانخراط في حل تلك المشاكل؟
تخطيء الحكومات العراقية اذا تصورت ان العامل الدولي والاقليمي هو اكثر اهمية من العامل الداخلي في ضمان بقائها في السلطة. فالملفات الاقليمية والدولية لا تعتبر من اولويات الشارع العراقي "بجميع مكوناته" بقدر ما ان تصفير المشاكل العراقية العراقية وتوفير حياة كريمة للشعب في ظل حكومة تقدم له الخدمات التي يستحقها تعتبر من اولوياته . واية حكومة عراقية تنجح في تصفير المشاكل الداخلية العراقية "على مبدأ لا ضرر ولا ضرار" ستضمن تأييد جميع الاطراف السياسية وكل الشارع العراقي , وهو ما سيضمن لها تأييدا سياسيا وشعبيا كبيرين.
ان محاولة ارضاء القوى الدولية والاقليمية دون النظر الى اهمية ارضاء الشعب العراقي وقواه السياسية هو سلاح ذو حدين، خاصة في حال عدم نجاح العراق في التوصل الى حلول جذرية للملفات الاقليمية والدولية التي يتوسط فيها.
فعدم حلحلة الملفات العراقية الداخلية تبقي المكونات السياسية العراقية متاهبة وجاهزة لاي دعم اقليمي او دولي للحصول على مستحقاتها، وهو ما يعتبر قنبلة موقوتة قد تنفجر في اية لحظة.
وتخطيء الحكومة الاتحادية ايضا اذا ما تصورت ان مكانتها السياسية الحالية في المنطقة هو استحقاق طبيعي للقوة السياسية التي تملكتها نتيجة أدائها السياسي، فما يتمتع به العراق من مرونة حالية في التحرك بين ملفات خارجية مختلفة، ما هو الا دور سياسي مؤقت أنيط به في ظروف استثنائية فرضتها المتغيرات الدولية والواقع الجيوسياسي العراقي، وبمجرد بلورة ظروف دولية اخرى، فانه سيفقد هذه القوة.
وعليه فان الظروف الحالية مهيئة لتحرك حكومة السيد السوداني نحو الملفات العراقية الداخلية لتصفيرها، كي تضيف لها قوة سياسية جديدة لا تتأثر بالمتغيرات الخارجية، فقد شهدنا كيف ان حكومتي عادل عبد المهدي والكاظمي لم يستطيعا الاستمرار في السلطة رغم انهما لعبتا نفس الدور الذي تلعبه حكومة السوداني الحالية في الملفات الخارجية، وهذا يثبت ان الاداء الخارجي للحكومات ليست باكثر اهمية من ادائها السياسي الداخلي، ولا يمكن الاعتماد على العامل الخارجي واهمال العامل الداخلي الذي هو اكثر اهمية.