لقاء أردوغان-بايدن والمسألة الكردية
شوان زنكَنة
أردوغان يعلن بعد لقائه بايدن: أن عملية الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا لن تستمر بنحوها الحالي...
يبدو للوهلة الأولى من تصريح الرئيس أردوغان أن أمريكا ستقطع دعمها عن القوات الكردية المسلحة في سوريا، وهذا وهمٌ لا يمتُّ للواقع بصلة، ذلك لأن أردوغان، قبل غيره، يعلم جيدًا أن جهود أمريكا المبذولة في سوريا طيلة السنين الماضية لم تأتِ من فراغ ولن تذهب إلى فراغ، وإنما جاءت ضمن مخطط له علاقة ببناء نظام عالمي جديد، يكون فيه أمن إسرائيل محوره الأساسي.
إذن، ماذا قصدَ أردوغان من تصريحه هذا؟
لألقاء الضوء على أبعاد هذا التصريح، لا بدّ من العروج على حدثين هامّين تزامنا معه، الأول: الاتفاق أثناء اللقاء على تشكيل لجنة تركية أمريكية مشتركة لمتابعة القضايا العالقة بين البلدين، والثاني: بنود مذكرة عمليات القوات المسلحة التركية خارج الحدود والتي صادق عليها المجلس الوطني التركي قبل أيام.
أما تشكيل لجنة مشتركة لمناقشة القضايا العالقة، فإنه سيؤسس أرضية مناسبة جدا لصياغة تصور مشترك حول طبيعة التواجد الكردي المسلح في شمال سوريا، يفضي إلى نزع فتيل التوتر، وبناء تفاهمات باتجاه خلق أجواء سِلْمٍ دائمة.
وأما مذكرة العمليات العسكرية الخارجية، فتحتوي على مادّتين مُلفتَتَينِ للنظر، الأولى: تمديد فترة المذكرة إلى سنتين قادمتين حتى أواخر 2023م، ولحين الانتخابات القادمة، على غير نمط التمديدات السابقة التي كانت لمدة سنة واحدة، والثانية: قبول تواجد قوات مسلحة أجنبية على الأراضي التركية، على أن تكون تحت إمرة رئيس الجمهورية.
ويبدو أن الحكومة تأمل خلال فترة السنتين هذه، وقبل الانتخابات إلى وضع حدٍّ لمشكلتها الأمنية على الحدود السورية، واستثماره كمكسب انتخابي، إما بإنهاء الوجود العسكري الكردي، وهذا بعيد الاحتمال، أو بصياغة تفاهم تؤول إلى حالة سلمٍ دائمة، وهي التي تسعى أمريكا لتحقيقها.
والغريب في إضافة المادة الخاصة بقبول تواجد القوات المسلحة الأجنبية على الأراضي التركية إلى المذكرة، هو عدم تقديم إيضاحات بخصوص ماهية هذه القوات، وهدف تواجدها على الأراضي التركية، ومواقع هذا التواجد، ومدة تواجدها.. وليس هناك قوات مسلحة أجنبية تكون تحت إمرة رئيس الجمهورية يمكن أن تتواجد على الأراضي التركية غير قوات الجيش السوري الحر، ولكن.. لماذا تفترض المذكرة تواجدا مستقبليا لقوات الجيش السوري الحر على الأراضي التركية، والتي تتواجد الآن في مناطق النفوذ التركي في سوريا؟، بمعنى آخر: تحت وطأةِ أيةِ ظروفٍ تنسحب قوات الجيش السوري الحر من الأراضي السورية، وتتمركز على الأراضي التركية؟
لن يكون الجواب إلّا أحد أمرين، الأول: تخسر هذه القوات الأراضي السورية التي تحت نفوذها نتيجة حرب طاحنة مع طرفي النزاع معها، الحكومة السورية والقوات الروسية من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية الكردية من جهة أخرى، فيضطر الجيش السوري إلى ترك كلِّ الأراضي غرب الفرات التي تتواجد فيها حاليّا، وهذا احتمال ضعيف جدا، لأنه يعني دخول تركيا الحرب مع كل من روسيا وسوريا وإيران، والثاني: بدأ مفاوضات سلام برعاية أمريكية بين الحكومة التركية والأطراف الكردية السورية-العراقية، تتعهد فيها هذه القوات ضمان أمن تركيا ووحدة أراضيها، بالصيغة التي تتمكن فيها إدارة أردوغان من توظيفها في الانتخابات القادمة، وتنسحب بموجبها قوات الجيش السوري الحر إلى داخل الأراضي التركية لمراقبة وحماية الحدود، ومتابعة تنفيذ بنود الاتفاق.
وستبحث اللجنة المشتركة التركية-الأمريكية المزمع تشكيلها جملة قضايا، تأتي القضية الكردية على رأس قائمتها، ويبدو أن حكومة أردوغان تتهيأ لهذه المباحثات بقدر عال من الهمة والأهمية، لأن مستقبلها قد تكون مرهونة بنتائجها.
المشكلة الأساسية التي تعيق التفاهم التركي الكردي هي عدم الثقة المزمن بين الطرفين، والذي تعمق على مدى السنين القليلة الماضية، وبالأخصّ بعد الانقلاب العسكري عام 2016م، طرفٌ تركيٌّ يتجسد في دولة عميقة قومية وطنية تركية يمينية، وطرفٌ كرديٌّ مشتّتٌ متطاحنٌ قوميٌّ ميّالٌ للانفصال.. انعدام الثقة هذه يشعل فتيل الحرب، ويديم الصراع بين الطرفين، ويتسبب في تكبد خسائر فادحة، هما في غنىً عنها، وبالأخص في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها المنطقة والعالم، فأصبح لزاما على الطرفين سلوك مسلك مختلف، ينزع السلاح، ويحقق الاستقرار، فإدارة أردوغان في حاجة إلى أجواء ساكنة بعيدة عن التوترات كي تتمكن من معالجة مشاكلها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وسيكون تحقيق السلم في تركيا حتمًا هو المفتاح لمعالجة تلك المشاكل، والأكراد يحتاجون إلى صياغة القواسم المشتركة للتفاهم والتآخي، وبالتالي توحيد التمثيل الوطني اللازم لإثبات الوجود في النظام العالمي الجديد.
وأعتقد أن مبادرة بناء الثقة يجب أن تبدأ من الأكراد، وبالأخص من السيد مسعود البرزاني، الذي قد يتمكن من بدأ مبادرة لبناء ثقة مشروطة ترضي كافة الأطراف، وذلك برعاية أمريكية، بالتوازي مع مباحثات اللجنة المشتركة التركية الأمريكية.
يبقى أن نشير هنا إلى الدور الإيراني السلبي تجاه التفاهم الكردي التركي، فقد أفشلت إيران مباحثات السلام في تركيا عام 2015م، وذلك بالضغط على قيادة قنديل ومنعها من الرضوخ لأوامر عبد الله أوجلان بضرورة ترك السلاح والانسحاب خارج الأراضي التركية، وهي اليوم، وعلى نفس المنوال ستقف حجر عثرة أمام أي اتفاق تركي كردي، ما أمكنها ذلك، فهل ستتمكن من ذلك؟، وتبدو خطورة إيران هذه المرة في أنها على علاقة وثيقة بالدولة العميقة القومية اليمينية في بنية الدولة التركية، وتعمل بتناغم وتنسيق معها في مقاومة الدور الأمريكي في المنطقة، والغريب أن هذه الدولة العميقة تدرك تمام الإدراك أن إيران هي الداعمة الأساسية لأنشطة حزب العمال الكردستاني، وهي السبب المباشر في تواجد قوات هذا الحزب في قنديل وسنجار.
الخلاصة، أن حل القضية الكردية هو شفرة معالجة كافة المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعاني منها تركيا، وهو مفتاح العلاقات التركية الغربية، الذي بدونه ستندفع تركيا، شاءت أم أبت، إلى أحضان إيران وروسيا. 1/11/2021