كركوك بين التاريخ والسياسة

كركوك بين التاريخ والسياسة

جلال شيخ علي

2025-10-31T15:43:44+00:00

منذ فجر التاريخ، كانت كركوك قلبًا نابضًا من قلوب كوردستان، مدينةً غنيةً بثرواتها، عميقةً بجذورها، شاهدةً على حضاراتٍ تعاقبت فيها ولم تكن يومًا أرضًا بلا هوية.

إن ما نلمسه هذه الأيام من محاولات طمس كوردستانية كركوك ليست سوى فصلٍ جديد من فصول التزوير السياسي الذي مارسته الأنظمة المتعاقبة، وعلى رأسها النظام البعثي الذي سعى إلى تغيير معالم المدينة، حتى بلغ به الأمر إلى تغيير اسمها إلى "تأميم"، في محاولة لطمس هويتها الكوردية الأصيلة وهذا ما لم يفعله حتى اليهود في فلسطين.

التاريخ يشهد بأن كركوك كانت منذ آلاف السنين موطنًا للكورد، وموطنًا للغة الكوردية، وموطنًا للثقافة الكوردية.

من آثار قلعة كركوك إلى المقابر الملكية الميدية، ومن أسماء الأحياء القديمة إلى لهجة أهلها، كل شيء فيها ينطق بالكوردية.

قرأنا في كتب التاريخ وحتى في المناهج الدراسية بأن الموطن الرئيسي للعرب هو شبه الجزيرة العربية واليمن، وقد انتشروا في بلاد الشعوب الأخرى عبر الفتوحات الإسلامية، التي كانت في كثير من الأحيان غطاءً لاحتلال أراضٍ جديدة باسم الدين.

في خمسينيات القرن الماضي، لم يكن عدد العوائل العربية في الحويجة يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهو دليل دامغ على أن الوجود العربي في كركوك كان وافدًا وليس أصيلًا. ومع ذلك، فإن سياسات التعريب التي انتهجها النظام البعثي، من نقل العوائل العربية إلى المدينة ومنحهم الأراضي والامتيازات، كانت تهدف إلى تغيير ديموغرافية المدينة قسرًا.

حتى اسم "كركوك" يحمل دلالات كوردية عميقة. فالكلمة مشتقة من "كورك" أو "كركر"، وهي كلمات كوردية تعني النار أو اللهب، في إشارة إلى نيران النفط والغاز التي تميز المدينة.

النظام البعثي، في محاولة منه لتغيير هوية المدينة، أطلق عليها اسم "تأميم"، وكأنها ملكٌ بلا شعب، بلا تاريخ، بلا ذاكرة.

على أرض الواقع يلاحظ أن بعض العرب الوافدين يتبعون سياسة التوسع السكاني عبر كثرة الإنجاب، وهي وسيلة ديموغرافية تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض.

هذه السياسة لا تقتصر على كركوك، بل تُمارس حتى في أوروبا، حيث يُلاحظ أن بعض الجاليات العربية تعتمد على التكاثر كوسيلة للانتشار والتأثير.

ورغم كل ذلك، فإن الكورد لم يتخلوا عن دعوتهم للتعايش السلمي والأخوي. لم يحملوا السلاح ضد جيرانهم، ولم يطالبوا بطرد أحد، بل نادوا بالعدالة، بالاعتراف بالحقوق، وبالعيش المشترك.

في المقابل، يستقوي بعض العرب الوافدين بقوات الجيش العراقي، الذي يتكون في غالبيته من العرب، ويُستخدم أحيانًا كأداة ضغط ضد السكان الأصليين في كركوك.

إذا كانت كركوك ليست كوردستانية، فلماذا كل هذا الجهد لتغيير هويتها؟

ولماذا يُمنع الكورد من رفع علمهم فيها؟

ولماذا يُستقدم الجيش كلما طالب الكورد بحقوقهم؟

أليس هذا بحد ذاته اعترافًا ضمنيًا بأن كركوك كوردية، وأن من يحاول تغييرها يعلم تمامًا أنه يقف ضد التاريخ، ضد الجغرافيا، وضد الحقيقة؟

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon