قافلة النساء
امير الداغستاني
لم تكلف نفسها النظر إليَّ، حين ناولتني أوراق معاملتي التي اراجع بها كجزء من متطلبات السكن في هذه المدينة، بعد إن ضاقت بي الحياة في مدينتي الحبيبة ومسقط رأسي، حيث كان الموت ينثر كرمه على أهلها، كنتُ مشعث الشعر ولم اعتن بملابسي على غير عادتي، فقد كلفني الانتقال الشيء الكثير من جهدي ومالي، لكن لا يهم، طالما لدي صنعة تصلح لكل مكان.
كانت حنطية البشرة بجسد مكتنز، لم اتمكن من رؤية لون عينيها، وهي طريقة حكمي على جمال المرأة، فقد كانت منكبة على مجموعة أوراق كانت بين يديها.
رغم معاملتها الجافة، إلا أنها أبهرتني بجمالها وشخصيتها القوية التي تندر عند باقي النساء، قررتُ بعد ذلك التجاهل الذي أثارني، أن أرد اعتباري، سيما وإني قد تعودت على اعجاب النساء بي في كل مناسبة.
حضرتُ في اليوم التالي لإكمال ما تبقى من إجراءات السكن، بدوتُ بكامل اناقتي، وقد كنت قاصداً ذلك لأجذب انتباهها.
طرقت الباب أجابني صوت أنثوي لا يعكس قوة شخصيتها، فقد كان رقيقا يقطر عذوبة : -تفضل…
فتحتُ الباب فإذا بي أرى تلك الجميلة صاحبة الشخصية القوية التي ابهرتني أكثر في المرة الثانية، ألقيت التحية الصباحية وقلت لها جلبت لك المعاملة كاملة دون نقص، تمعنتْ النظر إلى الأوراق، ثم قالت لي:
- ان أوراقك كاملة سأقوم بإنجاز معاملتك، ولكن عليك الانتظار قليلا، لدينا اليوم لجنة تفتيش من الوزارة، تفضل بالجلوس ريثما تتم اللجنة عملها.
لكم أسعدني ذلك، شكرتُ اللجنة والمفتشين في داخلي، وتمنيت أن يستمر التفتيش طيلة وقت الدوام ، لكي أنعم بقربها .
انتبهتْ لاهتمامي بها ونظراتي التي تكاد تلتهمها، ولمحتُ ابتسامة مرتبكة ارتسمت على شفتيها الشهيتين، مما شجعني على التمادي، بدأت بمغازلتها بعد ان لمستُ لديها القبول ، وحين بان الخجل بعينيها، تماديتُ اكثر في حديث الغزل ، آه كم فرحتُ لاستجابتها واحببت ابتسامتها الخجولة ، لم اصدق وأنا أرى تلك المرأة الحديدية صاحبة الشخصية القوية ، تنصهر امام عنفواني .
أحسستُ بهيمنتي الذكورية، مما زاد من إصراري على ضمها إلى قافلتي النسوية، تعمدتُ تأجيل إنجاز معاملتي، وحضرتُ عندها في الصباح الثالث ، بلطفٍ قالت لي تفضل، وقد بدا الارتياح على ملامح وجهها، وكأنها تنتظر حضوري، قدمتْ لي فنجان قهوة، لم أشعر بطعمها، كنت غائبا عن محيطي، ومنشغلا فقط بالحديث معها والتمتع بالنظر إلى وجهها الجميل.
بعجالة طلبتُ رقم جوالها، واتفقنا على التواصل، خرجتُ وفي يدي معاملتي المكتملة.
سرتُ في الشارع مزهوا بهذا النصر، ليس نصر انجاز المعاملة ، بل نصر الظفر بإعجاب صاحبة الشخصية القوية.
على الفور تواصلتُ معها، تبادلنا الأحاديث المسائية لساعات، لم أشعر بها، كان الوقت يمر سريعا، بعد اسبوع من هذا التواصل، أصبحت بيننا مشاعر حب متبادلة ، اتفقنا على موعد للقاء بمكان اختارته هي، لكوني عديم الخبرة في هذه المدينة الجديدة ، التقينا وتبادلنا كلمات الإعجاب والحب ، تكررت لقاءاتنا،وتطورت بشكل كبير .
كنتُ منتشيا بلذة لا أعرف سرها، هل هو الحب يطرق قلبي مجدداً ؟! هل لأنها كانت عصية متمنعة، أحسست أمامها بالضعف ؟! هل لأنها كانت كالقلاع الحصينة التي تبدو منيعة على الغزاة ولكن حينما يتمكنون من اجتياحها يتمسكون بها أكثر على قدر نضالهم للوصول إليها ؟! لا أعلم سبب ذلك، على الرغم من تجاربي الكثيرة وخبرتي في متاهات الحب وألوانه ، لكن ما كان معها مختلف عما كان مع الأخريات.
كانت أكثر مني سعادة بهذا الحب، تنتظر بفارغ الصبر مبادرة مني لتتويجه بالارتباط ، لم أحرك ساكنا، فقد كانت ظروفي قاهرة، استمرت لقاءاتنا ، حتى اختفت من حياتي فجأة وبغير مقدمات، مرت أيام عدة دون تواصل أو اتصال كانت لا تجيب على رسائلي واتصالاتي، كدتُ افقد عقلي .. اتصلتْ أخيراً لتحدد موعداً للقاءٍ جديد ، لم أكن أتوقع أنه سيكون الأخير… كانت تبدو مستعجلة لم تجلس معي كعادتها، ظلت واقفة، أخبرتني دون أن تنظر إلى عيني : انني ساتزوج من شخص تقدم لخطبتي، وقد وافقتُ على الارتباط به، وجئت لألتقي بك للمرة الأخيرة ، ارجوك ان تحذف رقمي وتنساني ولا تحاول الاتصال بي بعد اليوم