عودة العلاقات العراقية السعودية ونتائجها المرتقبة
د.رائد الهاشمي
مرّت العلاقات العراقية السعودية بشكل عام بركود كبير طوال أكثر من سبعة وعشرون عاماً بالرغم من تعاقب حكومات عراقية عديدة, ووصفت هذه العلاقات في كثير من الأحيان بالسيئة وغاب التمثيل الدبلوماسي عن الساحة في البلدين طوال هذه الأعوام, ولقد كانت من نتيجة هذا التردي في العلاقات الى ابتعاد العراق عن الحضن العربي بشكل عام, وكانت أسوأ فترة شهدتها هذه العلاقات هي الفترة التي أعقبت عام 2003 حيث كانت الاتهامات المتبادلة والتصريحات النارية بين مسؤولي البلدين وكذلك انسحب هذا التردي في العلاقات الى شبه توقف في التعاملات الأمنية والتجارية والنقل الجوي والبري والبحري ويستثنى من ذلك تفويج الحجاج والمعتمرين الى بيت الله الحرام الذي كانت حلقة الوصل الوحيدة بين البلدين.
ألعقل والمنطق يقول بأن العراق والسعودية دولتين جارتين وتحدّهما حدود برية كبيرة جداً وهما من أكبر الدول في المنطقة ولهما أهميتهما وثقلهما في المنطقة العربية والإقليمية من مختلف النواحي الجغرافية والإقتصادية والسياسية والمساحة الكبيرة إضافة الى عامل مشترك مهم وهو كون الدولتين من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للنفط في العالم وفي منظمة الأوبك.ومن هذه الحقائق الثابتة فالمنطق يُحتم على الدولتين أن تكون علاقاتهما بأفضل حال لضمان مصالحهما المشتركة ولكن مع الأسف غابت هذه الحقيقة عن الحكومتين طوال هذه الفترة الطويلة لأسباب كثيرة أهمها الايديولوجيات السياسية والدينية واختلافهما بين البلدين ووجود الصقور السياسية المتشددة التي كانت تضغط في كل من البلدين على عدم عودة المياه الى مجاريها بين الدولتين الشقيقتين اضافة للتأثيرات والضغوطات الاقليمية التي كانت ترغب في استمرار هذه القطيعة.
في الأعوام السابقة حصلت بعض المحاولات من الطرفين لتحسين العلاقات وإعادة ترتيبها بشكل أفضل ولكنها باءت بالفشل بسبب الضغوطات السياسية والإقليمية ولكن تبوأ الدكتور حيدر العبادي لدفة الحكومة العراقية وسياسته الهادئة والمنفتحة على جميع الأطراف الدولية والإقليمية وحرصه على تحقيق أفضل العلاقات المتينة والاستراتيجية مع الجميع وخاصة الدول العربية لايمانه بأن العراق جزء لايتجزأ من المجتمع العربي وان تطور هذه العلاقات ستصبّ في صالحه من كل النواحي وخاصة الأمنية والاقتصادية, وكانت لهذه النيّات الطيبة ظهور بوادر تدريجية بين الطرفين في تحسن العلاقات وقد أظهر قادة البلدين قدرة على تجاوز الخلافات، أو ترحيلها، ومقاومة الضغوط المحلية والإقليمية فكانت هناك خطوات هامة مثل إعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بعد انقطاع طويل وفتح أبواب التعاملات التجارية والاقتصادية وبدأت قنوات التواصل بين البلدين تتواصل في مختلف الأصعد حتى أدت الى تذليل معظم الاختلافات بين البلدين والوصول الى حالة من الصفاء في النيّات لدى الطرفين ولقد تم تتويج هذا التواصل وترجم الى اتفاق استراتيجي متين بين البلدين وهو (المجلس التنسيقي العراقي السعودي) والذي تم التوقيع عليه من قبل العاهل السعودي والدكتور العبادي أثناء زيارته الى المملكة على رأس وفد كبير يتألف من ستة وستون وزيراً ومستشاراً في مختلف الاختصاصات وكان هذا الاتفاق برعاية الحكومة الأمريكية وبحضور وزير خارجيتها ريكس تيلرسون, ويهدف تأسيس المجلس المشترك بين البلدين إلى التشاور والتنسيق في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون بينهما في مختلف المجالات والوصول الى علاقات استراتيجية ثابتة بين البلدين وصولاً الى تحقيق المصالح المشتركة لهما في كل المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والعلمية ووضع اللبنات الأساسية لهذه الاتفاقية التاريخية.
ولقد أسفر الاجتماع الأول لهذا المجلس عن عقد عدة اتفاقيات استراتيجية بين البلدين وتم الاتفاق
على فتح المنافذ الحدودية وتطوير الموانئ والطرق والمناطق الحدودية، ومراجعة اتفاقية التعاون الجمركي بين البلدين، ودراسة انشاء منطقة للتبادل التجاري وكذلك العمل على تنمية الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، وإتاحة المجال للتعرف على الفرص التجارية والاستثمارية، وتسهيل عمليات الاستثمار، إضافة إلى تشجيع تبادل الخبرات الفنية والتقنية والبحث العلمي بين البلدين ,ونوقشت إمكانية التعاون في تأهيل طريق "جميمة- سماوة"، واستكمال تنفيذ طريق الحج البري في محافظة الأنبار العراقية، ودراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لمشروع الربط الكهربائي السعودي العراقي والاتفاق على التعاون الكامل في المجال النفطي ومجال الطاقة بشكل عام وشهد الاجتماع أيضا الإعلان الرسمي عن إعادة تشغيل خطوط الطيران من الرياض إلى بغداد، وافتتاح قنصلية للمملكة في محافظة النجف الأشرف وفتح مكتب تابع لشركة طاقة وإعادة افتتاح مكتب شركة "سابك" في العراق.
كما اتفق الجانبان على حصول شركة "سالك" السعودية على رخصة للاستثمار في العراق في المجال الزراعي، إضافة إلى استفادة الرياض من المدن الاقتصادية المتاحة في العراق لتحقيق الأمن الغذائي للبلدين, ولقد رافق توقيع هذا الاتفاق اشتراك وفد سعودي كبير في فعاليات معرض بغداد الدولي باشتراك ستة وستون شركة سعودية عملاقة في مختلف الاختصاصات.
وقد صرح المسؤولون السعوديون بنيّة المملكة الصادقة على دعم العراق بشكل كامل لتجاوز محنته الاقتصادية واستعدادها لتقديم كافة المساعدات لتحقيق ذلك.
المفرح في هذا التطور الرائع في العلاقات بين البلدين الشقيقين هو سكوت الأصوات السياسية النشاز من البلدين والتي كانت تعمل بالخفاء على استمرار القطيعة بين البلدين, وفي اعتقادي بأنه لو استمرت الخطوات القادمة لهذا الاتفاق بين البلدين بشكل صحيح فان نتائجه ستكون عظيمة للبلدين وكذلك ستحقق استقرار كبير في المنطقة العربية ومن المحتمل أن تفتح أبواب جديدة لتحسن العلاقات بين السعودية وايران وقد يلعب العراق دوراً كبيراً فيها وماسيؤدي الى خلق استقرار كبير في منطقة شرق الأوسط برمتها.