إعمار شارع الرشيد برسم المجهول وكل يغني على ليلاه
صادق الازرقي
في عام 2023 هوى سقف مسرح الهلال الأثري الواقع في شارع الرشيد في منطقة الميدان وسط العاصمة بغداد وبالتحديد في منطقة خان المدلل وهو سوق متخصص ببيع المقتنيات والتحف القديمة والتراثية والنادرة، والمسرح أنشأ في عام 1918 واكتسب شهرته بسبب غناء المطربة المصرية أم كلثوم فيه عام 1932، بحسب نقاد الفن، كما غنى فيه ناظم الغزالي وسليمة مراد وعدد من المطربين والملحنين والعازفون صالح وداود الكويتي.
وسقوط المبنى تسبب في اغلاق المحال التجارية تحت بنايته او المجاورة له، واكتفت الجهات المعنية بوضع شريط قماشي ووضع الصبات الكونكريتية حوله وكتابة اللافتات التحذيرية من التقرب منه، فيما يلاحظ انها لم تفعل شيئا عاجلا يليق بالبناية ويلبي طموحات اصحاب المحال الملاصقة لها، وبعضها مواقع هامة لعرض وبيع المقتنيات والتحف القديمة والتراثية والنادرة، التي يعود تاريخ افتتاحها إلى أكثر من 120 عاماً، بحسب المؤرخين.
ويقول المراقبون انه برغم تداول صور ومقاطع مصورة للمسرح وهو منهار، إلا أن المسؤولين في العاصمة بغداد لم يصرحوا بأيّ تعليق بشأن إعادة ترميمه أو إجراء إصلاحات فيه، مع العلم أن جهات حكومية، بما فيها "أمانة بغداد"، كانت قد أعلنت في وقتٍ سابق عن عزمها تطوير بغداد القديمة؛ وبرغم أن المسرح يقع ضمن محور إعادة إعمار المنطقة القديمة إلا أنه لم يُشمل بالتأهيل، على حد وصفهم.
ويقول ناشط في مجال التراث والبيئة، أن "جميع الحملات الإعلامية التي قادها ناشطون عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لم تأت بنتيجة، وأن الحكومة والسلطات والجهات المسؤولة عن المسرح والمناطق التراثية تتعمد تجاهل مسرح الهلال، لأسباب لا أحد يعرفها"، بحسب قوله.
وتقول أمانة بغداد، على لسان مسؤول ان "إعمار المسرح يقع ضمن مهام وزارة الثقافة، وتحديداً دائرة السينما والمسرح، وهي المسؤولة إدارياً عن رعاية المسرح، والوزارة لم تقم بالتنسيق معنا في سبيل إعادة إعماره"، مبينا أن مسرح الهلال كان ضمن مشروع إعادة تأهيل قصر الحكومة القديم، فضلا عن شارع الرشيد وساحة الميدان وساحة الرصافي، لكن لا نعرف ما السبب الذي منع شموله بالتأهيل، بحسب تعبيره.
وبحسب المراقبين والمرتادين فان شارع الرشيد برغم اهميته يعاني إهمالا كبيرا من الجهات الحكومية المعنية بالنظافة والتعمير، إذ تتكاثر فيه الازبال والحيوانات الضالة، فضلا عن الأبنية الآيلة للسقوط في أي لحظة، على حد وصفهم.
ويذهب بعض المراقبين الى القول ان اهمال الشارع وعدم تجديده واعمار اجزائه بالصورة المطلوبة هو بسبب تسميته باسم الخليفة العباسي هارون الرشيد وحساسية البعض من ذلك الاسم وربطه بقضايا تاريخية، برغم ان الشارع أنشأ في مدة الحكم العثماني باسم شارع (خليل باشا) في عام 1910، ويقول بعض المتخصصين انه إذا كان الاهمال هو ضريبة الاسم فليغيروا اسم الشارع مثلما غيروا اسماء كثير من الاماكن وليشرعوا بإعماره، بحسب تعبيرهم.
ويقول ناشط واعلامي، إن "أمانة بغداد مقصّرة بشكل كبير في دورها، فهي مسؤولة عن تنظيف الرشيد، حيث يمر الشارع الأثري اليوم بأسوأ فترة في تاريخه.. النفايات متراكمة ومنتشرة في كل مكان، والمباني قديمة جدا ومتهالكة وقد تسقط في أي لحظة".
وكان عضو في البرلمان العراقي، قد اتهم من اسماهم "الفاسدين" في الحكومة، بإهمال شارع الرشيد، محملاً أمانة بغداد وبلدياتها مسؤولية تشويه صورة التراث البغدادي، بحسب قوله.
من جانبه، تبرأ المجلس المحلي لمدينة بغداد، من علاقته بخراب الشارع، مبيناً أنه تابعٌ إداريا وملكيا للأمانة. وقال عضو في مجلس المحافظة، إن "حكومة العاصمة لا علاقة لها بكل ما يحدث في شارع الرشيد، لأنه من المشاريع الحصرية لأمانة بغداد، فلا يحق لنا التدخل وتقويم عمل الأمانة"، فيما يقول المتحدث الإعلامي باسم أمانة العاصمة في تصريح سابق، أن إغلاق منافذ الشارع يحول دون دخول آليات التنظيف والإدامة والترميم.
ويوضح إن "أمانة بغداد كانت قد وضعت خطة شاملة لإصلاح الخراب الذي شهده الشارع بعد عام 2003، وذلك في عام 2007، وتضمنت الخطة دراسة متكاملة عن بُناه التحتية وواجهات البنايات، وكلفت أحد المكاتب الاستثمارية بذلك، لكن الخطة لم تنجز، لأننا اختلفنا مع الجهة المكلفة بإعمار الشارع".
يحدث ذلك الإهمال برغم أن وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، كانت قد عدت شارع الرشيد، واحداً من المواقع التراثية في بغداد، تمهيدا لإدراجه ضمن المواقع التراثية في لائحة التراث العالمي، بالتنسيق بين أمانة بغداد ومنظمتي (اليونيسف) و(اليونسكو)، وهو هدف يقول بعض المتخصصين بالتراث انه مثير للسخرية، بحسب تعبيرهم، مشيرين الى ان من يفاخر بثناء الجهات الدولية على مرفق ما، عليه ان يجدده ويطوره كي لا تفاجأ تلك الجهات بمدى التناقض بين الكلام والحقيقة على حد قولهم.
ويقول سكان وناشطون ان "المسرح قد يسقط بشكل كامل على الناس والمارة، وهو حاليا يمثل حالة قلق لكل الأهالي في بغداد القديمة، فإلى جانب إغلاق المحال التجارية القريبة منه، فإن سقوطه قد يجر معه سقوط بنايات قريبة، لا سيما ان بعض الأبنية مترابطة".
يشار الى ان شارع الرشيد كان يحتضن على امتداده كثيرا من المقاهي والمسارح والمكتبات والمراكز الثقافية ودور السينما، لكن جميعها اختفت الآن او باتت بناياتها آيلة للسقوط من جرّاء الإهمال، إلى جانب عدد من الأبنية التراثية القائمة إلى غاية الآن، بعضها مهجور وبعضها الآخر تحوَّل إلى مخازن للبضائع، وسبق أن أزيل الكثير منها وشُيدت بدلاً منها أبنية سكنيّة وتجاريّة.
ويلفت ناشطون الى المسافة من منطقة الميدان في الباب المعظم الى الباب الشرقي في بغداد، التي تشكلها كأكبر مكان "وسط البلد" كما يقال، مستدركين القول: بدلاً من العناية بهذا الامتياز، بات المكان اليوم ينوء بتلال النفايات المادية والمعنوية، كما يقول ناشطون ومثقفون.
وينتقد كتاب وباحثون ما اسموه إهمال مباني بغداد التراثية "من السخرية والكارثة أن بغداد تفقد تباعاً بسبب الإهمال مبانيها التراثية الـ 2000 بحسب آخر احصائية، بدل ان يعاد تأهيلها وإنقاذها لأنها جزء من هوية المدينة التاريخية والحضارية». وتبيّن إحصائية أخيرة تولتها «دائرة التراث العراقي» أن هناك نحو 1800 مبنى تراثي في بغداد مهددة بالزوال، بسبب ما لحق بها من دمار وخراب وتصدعات، دون التوقف عند قيمتها التاريخية.
بل ان أمانة بغداد، تذكر أكثر من ذلك ودأبت على القول إنها شكلت لجنة للحفاظ على أكثر من 3 آلاف مبنى تراثي، في جانبي الكرخ والرصافة اللذين تتكون المدينة منهما.
وتلفت المديرة العامة في دائرة التراث في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، الى جانب هام يعكس التحول في اوضاع الاملاك التراثية بقولها ان معظم المباني التراثية كان يملكها أثرياء العاصمة، أما حالياً فيشغلها متجاوزون وهم ليسوا من سكان بغداد اصلا، على حد وصفها، مزيدة القول، ان هناك من يقول ان ثمة "ترميمات تجرى على الابنية التراثية"، لكنه ينتقد ايضا "استعمال نوع من الطابوق يختلف عن الطابوق القديم الاصلي في قياساته ونوعيته بجماليته وخصوصيته وبعده الرمزي الذي كان من ثوابت العمارة العراقية".