صفحات الوهم
امير الداغستاني
بعد أن قررتُ مغادرتها وشطب اسمها من سجل مفكرتي، التي دوّنتُ في صفحاتها أسماء الضحايا اللواتي دخلن حياتي، كان لا بد لي أن أمضي معها ليلةً أخيرةً أُنهي بعدها علاقتي بها. تلك العلاقة التي امتدت قرابة عامٍ كامل، وهي المدة التي اعتدتُ تحديدها لكل ضحية. كنت أودعها بعد انقضاء العام بكلمة "باي"، مع قبلة ترضية على الجبين، وكلمات مواساة، وبأنها المرأة الوحيدة التي أحببتها بصدق، إلى جانب بعض التبريرات الجاهزة التي حفظتها عن ظهر قلب.
أغلق بعدها صفحة من صفحات الوهم وأبحث عن أخرى، هذا ما اعتدته طيلة سنوات حياتي التي لم أكن راضيًا عنها، على الرغم من الأوقات الممتعة التي كنت أقضيها مع كل ضحية.
لقد أتممتُ خطة اللقاء الأخير، وعقدتُ العزم على تركها كما تركت الأخريات. اتصلت بها لنتفق على الموعد المرتقب.أعترف بأن الليلة الأخيرة كانت مثيرةً ومميزة للغاية، وظلت حلاوتها عالقة في ذاكرتي ولن تزول. جاءت في الموعد بكامل أناقتها، وعطرها المميز الذي عودتني عليه في كل ليلة حمراء. بدت لي أجمل من المرات السابقة التي التقيتها بها. هكذا خلتها، أو ربما لأننا حين نشعر بفقداننا لشيء ما، يتضاعف جماله في أعيننا.
لأول مرة شعرت بالذنب وأنا أقرر مغادرة إحداهن، إحساس بالخسة والغدر يغمرني. هل لأنها كانت مختلفة عن الأخريات اللواتي تعرفتُ عليهن خلال سنواتي المليئة بالمغامرات؟ أم لأنني كنت متأكدًا بأنها أحبتني بكل ما تملك من مشاعر؟في تلك اللحظة خطر ببالي حكاية غدر أسطورية، قصة بروتوس حينما حاك مؤامرة لقتل صديقه المقرب يوليوس قيصر، الذي كان يثق به ثقة مطلقة.
لم تكن تعلم غايتي وما يدور في خلدي، ولم تكن تعلم أنها الليلة الأخيرة التي سنقضيها معًا. كانت تسحقني بنظرات الحب التي تملأ عينيها الجميلتين، وبابتسامتها التي تنير وجهها الجذاب. بدوتُ متصاغرًا إزاءها، ووجدت صعوبة في مفاتحتها بما يدور في بالي. كنت متأكدًا أنها ستنهار، وتلعن الرجال جميعًا، وقد تبقى مسألة غدري بها وخداعي لها عالقة في ذاكرتها. ربما تصاب بعقد نفسية تلازمها بقية حياتها. سيما أنني كنت بارعًا في تمثيل دور العاشق. فقد أتقنته خلال خبرتي الطويلة في تمثيل العشق والغرام. كنت أصبّ في أذنيها أعذب الكلمات التي تعبر عن مشاعري المزيفة، وأتقمص شخصية العاشق المتيم، وأوهمها بأنها المرأة الوحيدة التي أجبرتني صفاتها المثالية على حبها، ذلك الحب الذي كنت أبحث عنه.
كنت أتعامل معها بطريقة لطيفة تحبها النساء. كانت تعتبرني "الجنتلمان" الذي ملأ حياتها. لم تتخيل يومًا أنني سأغادر حياتها بهذه الطريقة، بل إن هذه الفكرة لم تخطر على بالها أبدًا.
بعد مضي وقت اللقاء الأخير، رتبت حالها واستعادت أناقتها. أردت أن أطبع على جبينها قبلة الوداع كما تعودت، وعندما هممت بأن أقول لها الكلمات المعتادة في مثل هذه المواقف، وجدت نفسي عاجزًا. كان قلبي يعتصره الألم، وشعور غريب بفراغ عارم يجتاحني. اكتفيت بكلمات مقتضبة:"أنتِ حبي الوحيد الذي سأغادرهُ آسفًا".