سيمالكا.. شعرة معاوية
عباس عباس
كنت قد قررت أن أبقى خلف الأحزاب الكوردية الخلبية حتى النهاية، ومن أجل هدمها كنت سأطلب من الشرفاء الكورد مساعدتي في فضحهم كخطوة أساسية، من هم، كم عددهم، أهدافهم، ولمن يتبعون.. الخ.
ولكن مشكلة سيمالكا فتحت شهيتي للكتابة بعد معلقة من مربى المشمش التي أحرقت معدتي حتى أصبحت أكفر بالمشمش وبالخوخ.
لماذا المشمش ومربى المشمش، منذ طفولتي كنت مولعاً بها، حتى في محاولة لي حين فتحت علبتها في عهد الطفولة جرحت يدي، ولم يتوقف النزيف حتى خيطها لي الدكتور نافذ بك (عليه ألف رحمة) وهو يقول باللغة الكوردية:
Ser nefsê ket hebsê.
نعم يا سيدي من أجل شهوتي جرحت نفسي، وهذه كذلك حال الأحزاب الكوردية، من أجل شهرة زائفة يدمرون أمة.
نعود لسيمالكا، حقيقة المعبر سلاحٌ كعلبة المشمش، إن فتحتها تجرح، وإن لم تفتحها تبقى المربى حسرة.
روج آفا، أو لنقل الإدارة الذاتية، وهذه هي الأصح، لأن تسمية روج آفا هي السبب الأساس لإغلاق معبر سيمالكا، مع ذلك دعونا نسأل أنفسنا التالي:
ما حاجة الإدارة الذاتية لمعبر سيمالكا؟ طبعاً الكل يؤكدون أنها المعبر الحيوي الوحيد للتنفس بالنسبة للإدارة الذاتية، حيث يتم من بوابتها استيراد وتصدير كل المواد الضرورية للحياة.
ولكن الذي شاهدته من خلال زيارتي القصيرة للإدارة الذاتية أولاً، والعبور والخروج من هذا الباب ثانياً، أن الأمور كلها تسير نحو الهاوية، كل شيء يوحي بالكارثة القادمة. طبعاً ستسألون كيف:
سأبدأ بالمعبر، حيث هناك يومياً مجموعتان، مجموعة مدعومة (تجار وحزبيين) ولها وساطة حيث تسير أمورها الهوينة على كافة الأطراف، ومجموعة الأخرى يتم سحقها وهم ينتقلون من كوة لأخرى. ومن المجموعة الأخيرة هذا المثال:
امرأة كوردية تحمل رضيعاً، كانت تقف بالصف أكثر من ساعة متواصلة، طبعاً كنا على جانب الإدارة الذاتية، كانوا قد رفعوا الأسماء للجانب الأخر وينتظرون الموافقة (الحقيقة أتتني واسطة من سيدة حزبية، إلا أني رفضت وشكرتها)، وبعدما شاهدت معاناة الطفل تحت أشعة الشمس، تقدمت من حارس على الباب وقلت له باللغة الكوردية، وعلى أساس أنه كوردي، أن يسمح للمرأة بالجلوس في الفيء حتى تأتي الموافقة، لم يفهم ما قلت، حتى قال:
حاجيني بالعربي..
إنت عربي..
إي نعم.
يا ريت لو تسمح للحرمة معاها الرضيع تكعد بالفيء حتى تجي الموافقة.
والله يارفيق ما هو بإدي، غير مسموح.
طبعاً لو حسبناها كأمة ديمقراطية، ليس على الأمر غبار، ولتذهب الأم والرضيع إلى الجحيم، المهم يبقى الغمري أو الطبكاوي كلمته ماشية.
الجزيرة كانت وماتزال السلة الغذائية الحقيقية ليست للجزيرة فقط، بل لكل سوريا، لا تحتاج مهما كانت الظروف لأي مادة خارجية، ولكن عندما يتم التهجير أو السماح للناس أن تهاجر، تبقى الأرض بور، وتبقى الأسواق تعيش حالة فوضى، ومع ذلك كان يمكن أن يستفاد من قلة البشر، لولا أن الأمر اختلط على الرفاق حين سمحوا أن ينتقل مليوني غمري آخر أو ديري إلى الجزيرة وهم يتقاسمون المنتوج ليس ففتي ففتي، بل أكثر لأن الكوردي لا مال لديه بينما هم!
القرية الغمرية التي بنيت غصباً، أصبحت بفترة قصيرة جداً بلدة، القديم فتح بابه للقادم الجديد ومن ثم بنى له إلى جانبه بيتاً، وقد أصبح اليوم يعيش الأب على راتب الدولة، وأبناءه على راتب الأسايش، وزوجته وبناته على راتب البلدية، أي بحدود المليون ليرة سورية في الشهر، وهؤلاء والذين هم مع النظام علناً، يتلقون المساعدات من المربعات الأمنية.
أتحدى الإقليم ومعهم الإدارة الذاتية إن استطاعوا أن يبنوا جسراً حقيقياً في مكان الجسر البلاستيكي بدون موافقة تركيا، بل حتى النظام لم يكن لديهم الجرأة كي يبنوا جسراً، إذاً الأمر هو خارج السيطرة، وعندما يقرر اردوغان إيقاف التصدير إلى الإدارة الذاتية، يغلق المعبر.
شاهدت بعيني قبل هذه الرحلة، كمية المواد المهربة بين الإقليم وتركيا، بل هناك سيارات فان مخصصة لهذا الغرض، حيث تم تصنيع أحواض مخفية لتتسع لأكبر كمية من المواد المهربة، خاصة الدخان، بل لاحظت أن حراس الحدود من الطرف الكوردي يساعدونهم في التحميل.
المهم في نهاية المطاف، تم استدعائي من قبل حراس الحدود الكورد، ليسألني الرقيب:
ليش أسمك عباس عباس؟
الحقيقة لم أكن أعلم بأني أعيش عهد الخلافة الأموية، واسم عباس كارثة! بالنهاية هذا الاسم هو الشيء الوحيد الذي بقي معي من الإسلام. صعب تغيره.
تبكون سيمالكا...وتتناسون شعباً كانوا أقلية قبل الحرب... ولا أعلم إذا كانوا كذلك اليوم كأقلية... وتضحكون على هيثم المالح.