زيارة رئيس حكومة إقليم كوردستان العراق إلى تركيا
شوان زنكَنة
أعلنت الرئاسةُ التركية في بيان لها أنّ رئيس وزراء إقليم كوردستان "مسرور بارزاني" يزور أنقرة الثلاثاء 7/1/2025، بدعوة من الرئيس التركي رجبطيبأردوغان.
وتأتي هذه الزيارةُ، وبطلبٍ من الرئيس أردوغان، في وقتٍ حسّاس يمرُّ به الشرق الأوسط، عمومًا، وتركيا، خصوصًا، إذ تصبُّ فيه جهودٌ سياسية ساعية للسلام وحَلِّ القضية الكردية، داخليًّا، وجهودٌ عسكرية وأمنية تمارسُها الحكومة ضد العناصر المسلحة لحزب العمال الكردستاني، خارجيًّا.
تعتقدُ الحكومةُ التركية أنّ هناك حلًّا للقضية الكردية في المنطقة، مفروضًا عليها من قِبل الغرب وإسرائيل، والذي ظهرتْ بوادرُه بعد أحداث 7 أكتوبر في غزّة، لذلك تحرّكت لاحتوائه ووضعه تحت نفوذه، سالكةً طريق الحرب والسلم معًا، للضغط عسكريًّا على الطرف الكردي من أجل التخفيف في مطالبه على طاولة المفاوضات، إنْ كان هناك طاولة مفاوضات، علمًا بأنّ صورةَ هذا الحلّ لم تظهر بعْدُ، وأنّ الاتفاقَ الحكومي (اتفاق الجمهور) ليس على قلب رجلٍ واحدٍ بهذا الخصوص، ناهيك عن أنّ حلَّ القضية الكردية مرهونٌ بشكل النظام السياسي الذي سيتشكّل في كلٍّ من العراق وسوريا، وفق ما هو مرسوم من قِبل القوى الفاعلةِ في المنطقة.. وكلُّ ذلك يُعتبر عواملَ أساسية تؤثّر في الموقف التركي، والموقف الكردي، وفي رسم الصورة النهائية للوضع في الشرق الأوسط، وفي الضبابيّة التي تُخيّمُ على الأحداث الجارية في المنطقة.
لم تكن دعوةُ الرئيسِ أردوغان لرئيسِ حكومة إقليم كوردستان العراق لغرض الطلب منه القيامَ بدور الوساطة بين الأطراف المعنية في تركيا، ولن يكون هذا الدور، لعدم قبول الأطراف بهذا التوسّط والوسيط، ليس صُغرًا به، وبحكومتهِ، وإنما لأسباب سياسية وأمنية كرستها أحداثُ السنين الماضية.
جاءت الدعوةُ، ضمن خُطط الرئيس أردوغان لاحتواء الحلِّ الكردي المفروض عليه، إذ سيطلبُ من السيد مسرور البارزاني التعاونَ معه في إنهاء الوجود العسكري لحزب العمال الكردستاني في إقليم كوردستان، عسكريًّا، أثناء تَحرُّك الفصائل الموالية لتركيا، مع القوات التركية لإنزال الضربة العسكرية المُزمَع إيقاعَها على حزب العمال الكردستاني في سنجار وقنديل، من جهةٍ، والدفعَ بالمجلس الوطني الكردي السوري، الموالي لحكومة إقليم كوردستان، باتجاه المشاركة في النظام السياسي السوري الجديد، ممثلا عن الشعب الكردي في سوريا، وقطعِ الطريق على حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني، من جهةٍ أخرى.. هاتان المسألتان ستكونان محورَ المحادثات الأساسية بين الطرفين في اجتماعات أنقرة.
لا أعتقدُ أنْ يكون جوابُ السيد مسرور البارزاني إيجابيًّا، بشكل مطلق، بل سيكون هناك تحفظاتٌ من قِبله، مُتعلِّقةٌ بالواقع السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي في إقليم كوردستان العراق، لذلك، لا أتوقّعُ دعمًا عسكريًّا من قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني، إلا في نطاقٍ محدودٍ في منطقة سنجار، فحسب، ولو فعلَ غير ذلك، فسيكونُ مُخطًأً جدًّا، بسبب آثارِه السلبية عليه وعلى حكومته، وعلى حزبه، في المدى المنظور، ناهيك عن أنّه سيفتح البابَ أمام فوضىً داخليّةٍ لا تُحمَد عُقباها.
ويبدو أننا في حاجة إلى مزيد من الوقت لكي نشهد قدرة اتفاق الجمهور الحكومي التركي على احتواء حلّ القضية الكردية، ووضعه تحت نفوذه، وقدرة الأطراف الأخرى على صياغة الأوضاع في المنطقة وفق مخططاتها.
أعتقدُ أنّ جُنوحَ السيد مسرور البارزاني إلى السّلام في المنطقة، ومساهمته الايجابية الفاعلة فيه، وحيادَه في أي صراع عسكري قد يَحدثُ في كوردستان، أو على مَقربَةٍ منها، سيكون أفضلَ خيارٍ لديه، وسيُكتَبُ له ولحكومته ذلك، كإنجازٍ في خانة تَجنِيب الأكراد وَيلاتَ الحرب.
قَناعتي هذه، استقراءٌ موضوعيٌّ مُحايدٌ، لا علاقة له بموقفي من الأطراف المعنية بالموضوع، مع فائق تقديري لرموزها، وأتمنّى أنْ تكونَ خطواتُها القادمةُ مدروسةً، تستهدفُ مصالحَ شعوبِ المنطقةِ.