زلزال العراق المستمر
كرم نعمة
أقترح عراقيون عشرات الإجابات حيال سؤال افتراضي يكمن، ماذا لو كان زلزال تركيا أصاب المدن العراقية؟ ما الذي ستفعله الحكومة حينذاك؟
هذا سؤال جيد سابق لأوانه، لكنه يبعث على إجابات في غاية السوء عندما يتعلق الأمر بالعراق كبلد وحكومة. والأهم من ذلك أن أصحاب هذا السؤال، على نيتهم الطيبة، يتناسون عن عمد أن زلزال العراق مستمر منذ عام 2003 ولم يتراجع وفق درجات مقاييس جيوسياسية واقتصادية وإنسانية أكثر منها جيولوجية، فتحولت الخسائر البشرية التي كانت تحصد أبناءه على الهوية، إلى خسائر اقتصادية وتعليمية ومعيشية، إذ إلى اليوم يبحث العراقي عن كرامته المهدورة في وطنه بدرجة جعلت العراق في عالم سياسي معزول عن التاريخ المعاصر تحت سطوة كارتلات الفساد.
هناك سياسة تصنع القيمة وهناك سياسة تدمرها، ذلك هو زلزال العراق المستمر في التدمير الذي يتسبب به سياسيون هم وفق المعايير الأخلاقية يعملون في أسوأ وظيفة في العالم السياسي اليوم.
سيمثل السياسي أسوأ الأنواع الحكومية والسياسية عندما لا يبالي بينما أجساد مواطنية تحت أنقاض الدمار، وفي العراق كان سياسيوه منذ عام 2003 مصدرا مستمرا لهذا الدمار، ويستمرون بفعل ما بوسعهم لإلحاق الضرر بالعراقيين.
فالطبقة السياسية التي ولدت من رحم وضاعة زلزال الاحتلال عام 2003 تعامل العراقيين كما لو أنهم تابعون وانتصروا عليهم، لذلك نتج العراق الجديد المزيف وهو عراق زلزال الفقر والبطالة والتمييز والعزل والطائفية والقهر والكراهية.
لكنني، وعلى الأغلب لست وحدي، من يرى وفقاً للمعيار الأخلاقي والوطني، أن أسوأ وظيفة في العالم اليوم، هي ما يشغله السياسيون في العراق. فهؤلاء جميعا يحصلون على أموال طائلة سواء عن وجه حق أو من دون حق. ويتمتعون بوظيفتهم وشهرتها، لكنهم الأسوأ بنظر أربعين مليون عراقي، مضافا إليهم الملايين من شعوب دول أخرى بمن فيهم نظراؤهم. السياسيون في العراق يعدون ويكذبون، يسرقون الدولة ويصرحون بأنهم قادة مكافحي الفساد، يتحدثون عن الوطنية فيما الطائفية تسيطر على تفكيرهم، يمارسون القتل على الهوية ويطالبون بجيش وطني، يمجدون عراقيتهم فيما هم خاضعون لدول أخرى.. هل ثمة خسائر يتركها زلزال أقسى بعد ذلك؟
أنا قادر بالدفاع عن فكرتي بأن زلزال العراق مستمر منذ عام 2003 بمثال يكفي لاختصار كم من تراكم الأمثلة عن أولئك “السعداء” باستمرار زلزال الانهيار السياسي والاقتصادي والقيمي في العراق. لدي مثال عن أحد أسوأ ما في تاريخ العراق السياسي، فهادي العامري الذي يتباهى بتاريخه اللاوطني وإخلاصه لإيران، يمثل بامتياز فكرة الانحطاط السياسي السعيد بزلزال العراق عندما زعم أمام تجمع من أتباعه بأن جهات “لم يسمّها” لم تسمح لهم بتقديم الخدمات للمحافظات الجنوبية؛ بذريعة أنهم من أتباع علي! وقال “مثلما حرموا الإمام علي بن أبي طالب، كذلك لم يسمحوا لنا أن نقدم الخدمات لأهلنا في هذه المحافظات سواء في ميسان أو ذي قار أو المثنى أو البصرة، لم يسمحوا لنا، لأننا من أتباع علي”!
هكذا يصبح السياسيون في مصنع اللاسياسة العراقي، أشبه بطفل يلصق كل شيء يحدث بشكل خاطئ وفاسد بالنظام السابق “لا تنس هنا أن أثر ذلك النظام صار في العربات المتأخرة من قطار التاريخ بعد عقدين على سقوطه”، بينما لم يعد أحد من العراقيين لا يدرك من يقف وراء الزلزال العراقي والذين يدفعون باتجاه استمرار كوارثه.
إذا كان التاريخ سيلتفت باهتمام إلى السياسيين الذين يقفون جوار شعوبهم في الكوارث، فأن التاريخ نفسه سينظر بازدراء إلى أولئك الذين كانوا مصدر الكارثة العراقية، بينما هم يصورون اليوم بشكل زائف تداعيات ذلك الزلزال وكأنه واحة للحرية والديمقراطية!