أرقام "النقد الدولي" تفضح المستور

أرقام "النقد الدولي" تفضح المستور

صادق الازرقي

2025-12-01T11:32:51+00:00

أرقام "النقد الدولي" تفضح المستور: الأقلية المترفة تستحوذ على حصة الأسد من موازنة العراق

يقول خبير اقتصادي عراقي إن 20% من الموظفين يأخذون 40% من الأموال المخصصة للرواتب، وهي تذهب رواتب للرؤساء ولكبار المسؤولين الحاليين والمتقاعدين منهم، فيما رواتب جميع فئات الشعب تدخل ضمن النسبة المتبقية من الموازنة بشقيها الاستثماري والتشغيلي، ناسبا ذلك إلى صندوق النقد الدولي.

ويضيف الخبير دريد العنزي في لقاء اعلامي، أن جميع الرواتب تتأخر ما عدا رواتب البرلمانيين والرئاسات الثلاث، والراتب التقاعدي لرؤساء الجمهورية لا يتأخر وكذلك المتقاعدين البرلمانيين، وهذه المصاريف لا يمكن سدها في ظل أي حكومة، بحسب قوله.

فكيف يحدث ذلك؟ أي أن ملايين الموظفين العراقيين والمتقاعدين الاعتياديين لهم رواتب قليلة ضمن الـ 60% التي تبقت من الموازنة بأنواعها، التي يذهب 40% منها رواتب لأعداد قليلة من المسؤولين والبرلمانيين؟

إن النقطة التي أثيرت بشأن توزيع رواتب الموظفين والمسؤولين في الموازنة العراقية، كما وردت على لسان الخبير الاقتصادي، نقلا عن صندوق النقد الدولي، هي قضية جوهرية ومثيرة للقلق، وتلخص إحدى المشكلات الهيكلية في إدارة المالية العامة في العراق؛ فالفرق هنا يكمن بين "الأعداد" و "معدلات الرواتب والمخصصات".

التباين الذي يلاحظ بين النسب القليلة للرواتب لملايين الموظفين والمتقاعدين الاعتياديين والمبالغ الهائلة لأعداد قليلة من المسؤولين والبرلمانيين، يمكن تفسيره بتحليل تصريحات الخبير والتقارير الأخرى ذات الصلة.

وبالإشارة إلى رواتب كبار المسؤولين (20%) للموظفين في دوائر الدولة العراقية، فلو حسبنا رواتبهم ومخصصاتهم وهم الفئة المرتبطة بالرئاسات الثلاث لعام 2024 فرضا، بموازنة بلغت 155 مليار دولار، لتبين لنا ضخامة حجم الانفاق الكبير على تلك الرواتب أي ان نسبة 40 بالمئة تبلغ 62 مليار دولار، من حجم الموازنة التي صادق عليها مجلس النواب ضمن الموازنة الثلاثية.

وبسبب ضخامة الارقام يقول بعض المراقبين انه قد يكون هناك التباس أو اختلاف في النسب في التصريحات المنقولة، بالإشارة الى ما تبينه نتائج البحث من أن فئة قليلة من إجمالي الموظفين تستحوذ على مبلغ ضخم.

ولكن خبراء يقولون، ان هذا المبلغ الضخم (لـ 20% من المسؤولين بواقع 62 مليار دولار من الموازنة) لفئة قليلة يحدث بسبب، ان الرواتب والمخصصات الخيالية، رواتب ومخصصات كبار المسؤولين والدرجات الخاصة (الرئاسات، الوزراء، البرلمانيون، الوكلاء، المديرين العامين) المستشارين، ومثلهم ممن سبقهم من المسؤولين المتقاعدين، تكون مرتفعة جدا، وتتضمن مخصصات مالية ضخمة وبدلات ومكافآت تقاعدية سخية جدا.

ان أعداد وكلاء الوزراء والمديرين العامين ومن في حكمهم والمستشارين كبيرة جدا في العراق مقارنة بدول أخرى، مما يزيد الكتلة النقدية المخصصة لهذه الفئة.

تُظهر أحدث التقارير والتحليلات الاقتصادية للموازنة العراقية الثلاثية (2023-2025) التحدي الهيكلي المتعلق بكتلة الرواتب والمخصصات، الذي يشرح التباين في نسب الإنفاق على الموظفين والمسؤولين.

وتمثل نفقات الرواتب والمخصصات (بما فيها رواتب موظفي إقليم كوردستان) نحو 54% من إجمالي الموازنة العامة الاتحادية المخططة.

وتزيد هذه النسبة بحسب بعض الأرقام، اذ تشير التقديرات إلى أن إجمالي الرواتب يشكل ما بين 65% إلى 67% من إجمالي الإنفاق الفعلي للدولة، ولكن يجري عادة قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان مثلا وعدم انتظام توزيع رواتبهم ورواتب فئات اخرى، في حين تتواصل رواتب المسؤولين بصورة اعتيادية.

تلك النسبة تذهب إلى ملايين الأشخاص، اذ أن الأعداد الهائلة للموظفين (الذين يشكلون النسبة الأكبر من موظفي الدولة) هي التي تستهلك هذه النسبة من الموازنة، برغم أن رواتبهم الفردية قد تكون بسيطة مقارنة برواتب الدرجات العليا.

التحليل الاقتصادي يركز على نقطة أن، رواتب الملايين من الموظفين الاعتياديين (برغم انخفاض رواتبهم الفردية) تشكل كتلة مالية كبيرة بسبب أعدادهم الكبيرة.

ورواتب ومخصصات القلة من كبار المسؤولين تشكل أيضاً كتلة مالية هائلة بسبب الارتفاع الخيالي لرواتبهم الفردية ومخصصاتهم التقاعدية.

ولكن التفاوت هو ما يثير الجدل بشأن العدالة في توزيع الثروة وإدارة الأموال العامة، ويشار إليه غالبا على أنه مثال على استنزاف النفقات التشغيلية وتركيز الإنفاق على الرواتب والدرجات العليا على حساب المشاريع التنموية والخدمات.

النسب المالية التي ذكرها الخبير دريد العنزي (40% للمسؤولين والبرلمانيين) تكشف عن اختلال هيكلي حاد في منظومة الأجور، حتى لو كانت هذه النسب تمثل تقديرات أو أرقام سابقة.

المسؤولون والبرلمانيون (أعداد قليلة من السكان) يستأثرون على 40% من الموازنة (أو جزء كبير من الرواتب) تشمل معدلات الرواتب والمخصصات التقاعدية الخيالية، رواتب ومخصصات وامتيازات الدرجات الخاصة (الرئاسات الثلاث، الوزراء، البرلمانيون، الوكلاء) وهي مرتفعة بشكل استثنائي، والراتب الفردي الواحد من هذه الفئة يعادل راتب عشرات أو مئات الموظفين الاعتياديين، مما يسمح لعدد محدود من الأفراد باستهلاك حصة ضخمة جدًا من الموازنة.

الموظفون الاعتياديون (ملايين الأشخاص) حصتهم فيما تبقى (وحتى لو افترضنا انها الجزء الأكبر من كتلة الرواتب بواقع 60%) فان التفسير، هو أن الموظفين الاعتياديين يستهلكون حصة كبيرة بسبب التضخم العددي (الترهل الوظيفي)، فيما يستهلك المسؤولون حصة كبيرة بسبب التضخم في القيمة الفردية للراتب والمخصصات (الرواتب الخيالية).

وهذا ما يفسر أيضا تعليق الخبير العنزي بأن "رواتب البرلمانيين والرئاسات الثلاث" لا تتأخر، لأنها تمثل التزامات مالية ذات أولوية عليا ومخولة بأعلى المخصصات بقرارات فصلّها المسؤولون لأنفسهم.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon