رسائل من سجن بيارنو في إستونيا

رسائل من سجن  بيارنو في إستونيا

مؤيد عبد الستار

2021-03-12T07:44:28+00:00

اوائل التسعينات فتحت السويد أبواب الهجرة للعراقيين بسبب حروب النظام الصدامي التي جعلت الملايين تترك الوطن وتفر هاربة لتنجوا بارواحها من بطش العصابة الصدامية اضافة الى التهجير القسري الذي جرى للكرد الفيليين الى ايران و الذين اضطروا الى ترك ايران و الهجرة الى بلدان اللجوء التي تمنحهم وثائق ثبوتية تسهل لهم العيش الكريم والعمل ولابنائهم الدراسة بعد أن كانوا يعانون من جراء حرمانهم منها في البلدان التي استضافتهم.

وكان للانفال التي دمرت كردستان آثارها الكارثية على المواطنين الكرد فتركوا بلادهم  وفروا الى الدول المجاورة للعراق مثل سورية وتركيا وايران ومن هناك استطاع العديد منهم الوصول الى اوربا بحثا عن الامن والامان.

كما ساهم غزو الكويت بتشريد أبناء الوسط والجنوب وقبل ذلك تجفيف الاهوار فهرب الالاف الى دول الجوار حتى أن أشهر مخيم للفارين كان في السعودية وسمي بمخيم رفحاء ضم الاف المواطنين العراقيين الذين ساعدت الامم المتحدة في نقلهم الى اوربا كلاجئين هربا من تبعات الحروب والدمار الذي تسببت به الطغمة الصدامية الحاكمة .

بعد وصولنا الى السويد اوائل التسعينات وحصولنا على الاقامة الدائمة ، استطعنا تشكيل منظمات وجمعيات ثقافية في محاولة لتوحيد جهودنا في التأقلم مع العالم الجديد الذي وصلنا اليه والذي يختلف عن ما عرفناه في بلداننا من لغات وعادات وأساليب حياة اجتماعية وثقافية وسياسية.

وكانت الجمعية الثقافية العراقية في مدينة مالمو إحدى الجمعيات التي تأسست اوائل  التسعينات من القرن الماضي في السويد وتسنى لي العمل في الجمعية رئيسا لدورة وسكرتيرا ثقافيا لعدة دورات أصدرنا خلالها نشرة تموز التي أصبحت فيما بعد مجلة تموز والتي مازالت تصدر حتى اليوم بحلة قشيبة.

قبل وصولنا الى السويد اضطررنا للتنقل في عدة بلدان مثل بلغاريا وبولونيا  وروسيا للانتقال من هناك الى السويد التي كانت تفتح الابواب الواسعة للعراقيين وتمنحهم اللجوء بسهولة .فكان أن التقينا بمعارف وأصدقاء مقيمين في تلك البلدان والذين كانوا يقدمون المساعدة  لتسهيل بقائنا حتى الانتقال الى السويد.

وكان من بين هؤلاء الصديق يوسف ابو الفوز الذي كان يدرس في موسكو هو ومجموعة من الانصار الذين وصلوا الى الاتحاد السوفيتي بعد اضطرارهم للخروج من كردستان إثـر حملات القصف الكيمياوي والانفال التي فتكت بالشعب الكردي والانصار الذين كانوا يقاومون الطغمة الصدامية .

بعد اقامتنا في موسكو عدة اسابيع تعرفنا على مجموعة كبيرة من العراقيين المقيمين في موسكو من بينهم يوسف ابو الفوز وذلك عام 1991 م - مرفق صورة في الساحة الحمراء في موسكو مع ابو الفوز وأخيه جاسم هداد وابراهيم باقرابراهيم -.

 بعد وصولنا الى السويد اراد يوسف ابو الفوز ومجموعة من العراقيين مغادرة موسكو بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وتدهور وضع  العراقيين المقيمين هناك وكذلك الذين اتخذوا من موسكو ممرا للعبور الى السويد لاسباب عديدة أهمها سهولة الانتقال من مطار موسكو الى مطار استوكهولم بشكل مباشر والتسهيلات التي يقدمها البعض مقابل مبالغ نقدية معينة .

حدثت تحولات مفاجئة اثر تفكك الاتحاد السوفيتي اوائل التسعينات واضطر البعض الانتقال الى استونيا من أجل المغادرة عن طريق البحر الى فلندا او السويد لصعوبة السفر من مطار موسكو الذي وضع اجراءات مشددة تحد من انتقال العراقيين من المطار الى السويد.

استونيا وبسبب انفصالها عن الاتحاد السوفيتي تصرفت بقسوة مع العراقيين الذين وصلوا اليها للانتقال الى السويد اوفلندا فالقت القبض عليهم واعتقلتهم في سجونها باعتبارهم دخلوا البلاد عن طريق التهريب.

كان ابو الفوز من بين هؤلاء ووصلتنا رسائلهم التي يطلبون فيها المساعدة من أجل انقاذهم من هذا الوضع الذي وجدوا أنفسهم  فيه.

تكللت الجهود بعد عام في خروجهم الى فلندا وحصلوا على اللجوء والاقامة هناك .

وتبقى هذه الرسائل وثائق مهمة تلقي الضوء على حقبة مضت من تاريخ العراقيين ومعاناتهم في المنافي التي اضطروا الى الانتقال اليها . ننشر ادناه صورة ونص الرسالتين  اللتين بعث بها الينا أبو الفوز من سجن بارنيو والمؤرخة في 15 و 16 / 8 / 1994

نص الرسالة 

العزيز ابو سامان  / تحية وبعد

في طريقي الى سويدستان كنت محملا بآمال وخطط كثيرة وبعض من مشاريعي - أحلامي الخاصة والعامة ، أجزم القول بأنه لا يمكن انجازها دون التنسيق معك بالذات، ولن أستبق الزمن لاتحدث عن ذلك ، ولكني لا أزال أملك شيئا من أمل بان تكون الامور على ما يرام ونلتقي ثانية ونلتقط صورة اخرى شبيهة بتلك التي التقطناها في مطعم باكو الموسكوفي .يوم أن تبادلنا المسابح ( بالمناسبة ، لازلت احتفظ بمسبحتك ضمن مجموعتي التي ازداد عددها قليلا ).

بالرغم من اننا لم نتواصل في المراسلة طيلة هذه الفترة ، الا إني أقول وبامانة اني كنت اتابع أخبارك ، أقرأ كتاباتك التي ظهرت في الصحافة العراقية ، وحين كان كريم في ليننغراد ، التقيت به في موسكو وفي ليننغراد وكنت اسمع منه اخبارك.

ثمة أمور عديدة بودي ان أتحدث بها، لكني ساحتفظ بها للقائنا الذي أود ان يكون بهيا مثل ضحكاتك التي كانت تزين لقاءاتنا على محدوديتها.

عزيزي ابو سامان :

ان رسالتنا ( الرسمية ) لكم تشرح تطورات حالنا، واني أود ان اضيف لك بشكل شخصي ان العديد من الاخوة العراقيين معنا فقدوا كل ما ادخروه، وليس لديهم من معين، وتلفونات ( ابو ثبات ) ورسائلكم بالنسبة لهم هي المنقذ.

إن عيونهم الان تتوجه نحوكم، واني على ثقة من انك شخصيا ستبذل جهودا صادقة من أجل تقديم الممكن من المساعدة لهذه العوائل المنكوبة ، أتصدق يا ابو سامان ان الصيف سينتهي واطفالا لم يذوقوا شيئا اسمه الفاكهة او الخضروات ! وان صبايا عراقيات سينتهي موسم الصيف وهن بالملابس الشتوية !وان نساء لا يملكن ما يكفي لشراء مستلزمات (نسائية خاصة) وان الجميع عليهم حسرة راس البصل ، اننا هنا ندفع ثمن كل حبة دواء، وكل استدعاء طبيب مختص يكلف كذا مبلغ ومن لديه مبلغ ما صرفه على نفسه والاخرين.

انها مصيبة حقيقية ، وشخصيا أشعر اني اخذت على عاتقي مهمة ليست بسيطة ، فهم يتوجهون الي بكل صغيرة وكبيرة ، عبر الرسائل والتلفون، وأنا هنا مكتوف الايدي قصيرها ، لا املك غير الكلمات والوعود وبث الامل ...ولهذا فاني بدون الدعم من الناس المخلصين لن أستطيع ان أصمد كثيرا في مساعدة هذه الناس الذين أولوني ثقتهم واختاروني ممثلا لهم ، و (قائد للقافلة المفلسة) كما يسموني تندرا.

إني أرجو أن تستغلوا كل امكانية اعلامية للحديث عنا ، كل علاقة مع منظمات أو هيئات من أجل عمل شيء ما، ان حالات من اليأس والكآبة بدأت تستفحل بين الشباب و أنا أخشى من النتائج، ولذلك جمعت بعض الحالات عندي في الزنزانة لاكون قريبا منهم ...

عزيزي ..  أرجو أن ترسل لنا ما يتوفر تحت يديك من نشريات ناديكم وجمعيتكم وربما كتاب أو كتابين لأن الشباب هنا يشكون من عدم وجود شيء للقراءة .

عزيزي .. إذ أكتب هذه الرسالة حدث عندنا في سجن بيارنو تطور جديد ، إذ حاولت الاتصال بمراسل لجريدة روسية تصدر في استونيا ما أثار حفيظة مدير السجن،فأخذ يتشدد معنا بشكل أكثر، فمنعونا من الذهاب للحانوت لشراء بعض المتطلبات البسيطة (طوابع، ظروف ، أقلام .. الخ).والمنع بشكل مؤدب ( الموظف مجاز،مريض،مشغول)والنظام هنا الشراء مرتين فقط في الشهر، حيث المدير من هواة العرائض ،وهكذا تقدم عريضة في المرة الاولى اذا لم ننجح في الشراء يسقط حقنا وننتظر الموعد الثاني ، وهكذا يبدأ المدير (يخبث) معنا.وقد نبهني احد العاملين من الطيبين بأن المدير غاضب مني لأني -استغفلته - حسب تعبيره وهو صار يدور علي لزمات وهذا ينعكس على وضعنا هنا ،فهو يستطيع ان يمنع عنا المراسلة او التلفون ، وعليه أرجو اخبار ابي ثبات بأنه اذا لم ينجح بالاتصال التلفوني فمعنا الجزيل ه ان المدير نفذ تهديده لي ،ففي مرة سابقة هدد بان يمنع عنا التلفون..المشكلة انه لمن تكتب تشكوه والحكومة بسبب الانتقادات التي وجهت له صارت تنتقم منا ،وتصريحاتهم الاخيرة صارت تفوح منها رائحة التهديد- باعادتهم من حيث أتوا-.

العزيز ابو سامان ..في وسطنا نضجت فكرة اضراب طويل الامد، ولحد الان الفكرة تحت النقاش ، وحدد موعد اولي له، إذ ربما يبدأ في 12/9 ، نرجو ان تكون على اتصال مع ابي ثبات ،فاذا بدأ الاضراب نرجو ان تساهموا في التعريف به.

تحياتي الحارة للعزيز كريم ، وارجو ان يكون بصحة طيبة.لكم اتمنى كل ماهو طيب، وأتمنى أن تنتهي هذه  - الورطة - وتتاح لي الفرصة ان احتل زاوية صغيرة من كتابك المشروع ( احجز لي صفحة ).

أشد على يديك بحرارة ..ولا بد أن نلتقي.

يوسف ابو الفوز 

16 /8/1994 

 * الرسالة الثانية التي بعث بها الاخ يوسف ابو الفوز من سجون استونيا 

وهي مؤرخة في 15 - 8-1984 سجن بيارنو

الدكتور مؤيد عبد الستارالمحترم

تحية واحترام

استلمنا رسالتكم التضامنية ونحن على ثقة من صدق مشاعركم وبدورنا وبأسم كل الابرياء القابعين في زنازين استونيا،اطفالا ونساء ورجالا نتوجه بالشكر الجزيل لشخصكم المحترم و من خلالكم لكل منتسبي ومناصري (الجمعية الثقافية العراقية) متمنين لكم النجاح  والتوفيق في نشاطاتكم العامة لما فيه خير العراقيين والوطن.

الاستاذ عبد الستار المحترم

ان الاخوان في نادي الصداقة لديهم تصور كامل وواضح عن مشكلتنا وكذلك الخطوات المطلوبة لحل هذه المشكلة .نحن نود ان نضيف الى بياننا الذي وصلكم بان حالنا يزداد سوءً فقد استفحلت الكثير من الحالات المرضية بيننا (الجلدية خاصة ) وهذا يؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية للجميع بالاضافة الى سوء الخدمات الطبية وسوء التغذية واذا كان سجن ماردو سجنا ( نصف مغلق ) حسب اللوائح القانونية لاستونيا فان سجن بيارنو يعتبر (سجنا مغلقا) حيث التشديد على حرياتنا وقياسا حتى بالمجرمين 

المتواجدين معنا. أما بالنسبة للاطفال والنساء- في سجن ماركو - فالامر لا يحتاج الى أي تعليق فحالهم يزداد من سئ الى أسوأ.

اننا بصراحة تامة بحاجة الى الكثير، اذ ينقصنا كل شئ ولكن الاهم هو الخلاص من هذه الورطة .اننا  نستطيع تحمل الامراض والجوع والتمييز في المعاملة لو كنا نرى ان ذلك لن يكون طويلا ادراكا منا لماهية السلطات الاستونية حيث تحكم احزاب يمينية ذات توجهات عنصرية في تعاملها حتى مع مواطنيها من الاقليات القومية ، فكيف يكون سلوكها مع الاجانب ؟ ولكننا نطلب تدخلكم ايضا ليس للتعجيل في اطلاق سراحنا وحسب - وهذا هو مطلبنا الاساس- ولكن أيضا نطالب في التدخل لتحسين حياتنا داخل السجن.

اننا نناشدكم بايلاء مشكلتنا الاهتمام والنشاط المستمر من أجل تسليط الضوء الدائم واستغلال كل القنوات الدبلوماسية والاعلامية الممكنة لجعل المنظمات الانسانية تتبنى قضيتنا ونرجو ان تكونوا على اتصال دائم بنا وبالاخوان في نادي الصداقة .

نشد على اياديكم ونكرر شكرنا وامتناننا ونرجو لكم كل ماهو طيب.

عنهم /

يوسف ابو الفوز

15 /8 /1994 

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon