رئاسة الإقليم، سنتان على الطّريق القويم!
نوري بيخالي
في مثل هذا اليوم (العاشر من حزيران) وقبل سنتين، استلم السيد نيجيرفان البارزاني المنتخَب من قِبل برلمان اقليم كوردستان زمام رئاسة الاقليم، موضّحا في برنامجه الذي قدّمه في حفل تسنّم السلطة الذي حضره قيادات سياسية كوردستانية وعراقية وممثل الامم المتحدة والقنصليات في الاقليم وجمع غفير من الساسة والوزراء واعضاء البرلمان، بأنه يعمل جاهدا على توطيد العلاقات اقليميا ودوليا وفتح صفحة جديدة سياسيا على المستويين الكوردستاني والعراقي، وذلك من اجل رص الصّف الكوردي من جانب واعادة الثقة بين أربيل وبغداد بغية تجاوز الخلافات والمساهمة في استعادة السيادة والاستقرار للعراق من جانب اخر.
بصفتها السلطة التنفيذية الاعلى فأن رئاسة اقليم كوردستان تمثل رأي الشعب الكوردستاني وارادته السياسية على المستويات العراقية والاقليمية والدولية. ولا شكّ بأن حمل عِبء هذه المسؤولية التأريخية ليس بِهَيّن، كونه بحاجة الى شخصية سياسية وقيادية متزنة ومصقولة، شخصية لا تحرّكها الاهواء والمزاجيات المنقلبة، شخصية لديها خبرة و تجربة سياسية تدرك ماهية المعادلات السياسية وكيفية التعامل مع مجريات الاحداث بما يخدم المصلحة العامة للشعب والوطن.
من هذا المنطلق يعد تسنّم السيد نيجيرفان البارزاني منصب رئيس اقليم كوردستان، خطوة في الطريق الصحيح من اجل أن يكون اقليم كوردستان اقليما فعالا ولاعبا اساسيا على الساحة السياسية العراقية والاقليمية والدولية، حيث تكمن في شخصيته التجربة والخبرة الكافية سياسيا واداريا وهو ذو رؤية ثاقبة للاحداث وصاحب خطاب سياسي معتدل يؤمن بالتعايش والحوار، ما يخدم الجميع في أن واحد.
وفعلا اثبت سيادته من خلال السنتين الماضيتين بفضل تجربته القيمة وحنكته السياسية ولباقته، الحفاظ على المسافة المتساوية بين الاحزاب السياسية كوردستانيا وجاعلا من رئاسة اقليم كوردستان مؤسسة وطنية تجذب الانظار اليها وجعلها خيمة تجمع تحتها الجميع دون حذر او تردد. وعراقيا استطاع وبخبرته السياسية بأن يعيد العلاقات الى مسارها الصحيح والعودة الى طاولة المفاوضات بحيث يكون الدستور هو الفاصل والفيصل في حل المشاكل العالقة بين الطرفين، مشجّعا اصحاب القرار في بغداد على الابتعاد من مفهوم المركز والهامش ومؤكدا على سيادة المواطنة الحقة ومدافعا عن حقوق العراقيين ايا كان انتمائهم القومي والديني والمذهبي والفئوي.
وعلى الصعيد الاقليمي اخذ السيد نيجيرفان البارزاني تمتين العلاقة الاقليمية على محمل جد، وذلك نظرا للموقع الجيوستراتيجي لاقليم كوردستان ودوره في استتباب الامن و الاستقرار، متمسّكا بمبدأ التوازن وحسن الجوار المبني على المصلحة المشتركة، وأطمئنان دول الجوار على أن اقليم كوردستان سيبقى عامل الامن والاستقرار. وأما على المستوى الدولي فقد اثبت جدارته في جذب اهتمام المجتمع الدولي بما فيه الامم المتحدة بشأن العراق والمساهمة في أن يكون بلدا ذا سيادة تسوده الامن والاستقرار وعدم تركه لجهات لا تريد للعراق الخير والرقي.
الاستنهاض بالعلاقات على المستوى العالمي كان جزءا مهما من برنامج عمل سيادته، فخلال السنتين الماضيتين استطاع السيد رئيس اقليم كوردستان بأن ينهض بالعلاقات بين اقليم كوردستان و دول العالم ونجح في توطيد هذه العلاقات وصبّها في خدمة الاقليم والعراق.
بالأحرى، لم يعمّد رئيس اقليم كوردستان الى استثمار هذه العلاقات لخدمة الاقليم وشعبه فقط، لا بل اراد قاصدا ان تخدم مستقبل العراق كافة، محاولا وراء ذلك اعادة الثقة بين أربيل وبغداد والوصول الى حل جذري للمشاكل العالقة بينهما في اطار الدستور، مبتغيا النهوض بالعراق وتصحيح مسار العملية السياسية فيها على اساس ثلاثية المشاركة والتوافق والتوازن.
وهذا يدل على انه بقدر ما يهمه مصلحة الاقليم يهم سيادته مستقبل ومصير العراق، عراق بات يعيش في ظل اللادولة التي تسيطر عليها اجندات خارجية داعمة جماعات خارجة عن القانون وعقول منفلتة بيدها السلاح (ليس السلاح منفلتا، بل العقول التي تحمله هي المنفلتة!) تفعل ما تشاء من الاتّجار بموارد وخيرات العراق الى قمع التظاهرات السلمية التي تطالب بابسط حقوقها وصولا الى اغتيال النشطاء والاعلاميين.
لا يخفى على احد بأنه كان للمجتمع الدولي وعلى رأسهم فرنسا وامريكا وحليفاتهما الدور الابرز في قيام اقليم كوردستان ككيان سياسي ومن ثم كيان دستوري ضمن العراق الفيدرالي، وأن بقاء هذا الدور والدعم يعدّ ضمانا لحفظ التوازن في عراق قد يحلم فيه اطراف واقطاب بالعودة به الى دولة القائد الاوحد والمركزية الصلبة التي عفا عليها الزمن. وأن اصرار السيد رئيس اقليم كوردستان على تجسيد مبادىء المشاركة والتوافق والتوازن في العملية السياسية يأتي في سياق يهدف الى بناء عراق جديد يسوده السّلم والسّلام والتعايش وحقن الدماء، عراق يشعر الجميع فيه بمواطنيتهم بغض النظر عن انتماءاتهم، عراق ينعم فيه الجميع بخيراته وثرواته على حد سواء، عراق بعيد عن العنصرية والطائفية، عراق المشاركة وليس المركز والهوامش!
تتفق رؤية السيد رئيس اقليم كوردستان لمستقبل العراق ورؤية المجتمع الدولي فيما يخص اعادة السيادة للعراق والاحتكام الى الدستور. وعلى الرغم من اصرار الغرب وامريكا على وحدة العراق، لكن يبقي العامل المشترك بين اقليم كوردستان والمجتمع الدولي امرا حاسما لتحقيق هذه الوحدة وهو وجود اقليم كوردستان قوي ومتين ضمان لاستقرار عراق موحّد، لذلك عندما يقول السيد نيجيرفان البارزاني "علينا جميعا ان نعترف باخطائنا ونعمل معا على تصحيحها" يعني ما يقول!
عملية الرئاسة بحد ذاتها صعبة ومعقّدة، وتكون العملية هذه اصعب وأكثر تعقيدا في منطقة مشتعلة بالخلافات السياسية والصراعات التأريخية وتضارب المصالح، مما تتطلب من الرئيس ان يتميز بالدّقة في قراءة الاحداث والدّراية التامّة بمكامن الصراعات ومسبباتها وبقدرة لامتناهية من ضبط النّفس والثبات والجَلَد.
لذا ان تَرَأُسَ اقليم يعاني من خلافات سياسية داخليا، واقليم فيدرالي دستوري في ظل اللادولة، وادارة العلاقات في منطقة مليئة بالصراعات والمصالح المتشابكة بين القوى المتنافسة اقليميا ودوليا، لم تكن بعملية سهلة. ولولا حكمة الامساك ب (شعرة معاوية) خلال السنتين الماضيتين والحرص على حفظ التوازن والابتعاد عن الاثارة والاستفزاز والسير مع موجة الاحداث مدا وجذرا بما يخدم مصلحة الجميع، لكان الاقليم الان اكثر تأزما والعراق اكثر فوضى وانفلاتا!
اخيرا وليس اخرا، أن ما يبقي اقليم كوردستان لاعبا فعالا على الصعيدين الكوردستاني والعراقي ويضمن الدعم الدولي له، هو تمسّكه بتجسيد مبادئ وقيم يشاركه العالم الحر في حياته السياسية والاجتماعية، الا وهو صون كرامة الانسان وسيادة القانون واحترام حرية الرأي والتعبير.
بتعبير ادق، هو تطبيق العدالة الاجتماعية وتجسيد حكومة المواطنة!