دموع لاتنتهي

دموع لاتنتهي

امير الداغستاني

2022-12-11T11:56:29+00:00

ابتسمت بوجهي وهي تلفظ انفاسها الاخيرة قبل ان تفارق الحياة، قالت بصوتٍ أعياه التعب: لاتبك حبيبي لقد سامحتك، لا اريدك ان تشعر بالذنب، دموعك تؤلمني، ارجوك لا تدعها تتساقط امامي.. حبيبي لا أريدك أن تشعر بالذنب، اقسم أني راضية عنك مهما اذنبت بحقي ولا احمل لك في قلبي سوى المودة والحب.

أغمضت عينيها وغادرت الحياة، رحلت بعد ان ادمت قلبي حزناً بكلماتها الاخيرة.. احتضنت جسدها والجزع يأخذ بخناقي، اصبحت كالمجنون اصرخ باكيا: سامحيني سعاد لقد آذيتكِ وظلمتكِ كثيراً.

القصة:

لم تكن وفاتها محض صدفة لقد جاءت بعد تراكمات جرعتها سنواتٍ طويلة بسبب العوز والحرمان والحياة الصعبة وتحملها تطاولي وقسوتي وظلمي واهاناتي منذ زواجنا حتى فارقت الحياة..

سعاد الشابة الجميلة التي تضج بالحياة والمرح، تعيش مدللة في بيت أهلها الميسورين، كانت البنت الاثيرة عند والدها الذي يحنو عليها ويلبي رغباتها.. شاءت الاقدار ان اتعرف عليها حينما كنا ندرس معاً في جامعةٍ واحدة، تعلقت بها وتعلقت بي واصبحنا لانفارق بعضنا البعض، ومع مرور الوقت تطورت علاقتنا كثيراً، أصبحت أنا كل عالمها وكانت هي عالمي كله ، قررنا ان نتزوج رغم ان القرار كان متسرعاً وغير مقنع لأسباب عديدة.

كنتُ فقير الحال لا املك اي مورد مالي يؤهلني للزواج وتأسيس عائلة، اعتمد على والدي الموظف البسيط الذي يعيل الى جانبي ستة من الاخوة والاخوات، في مصروفي اليومي... وبعد التخرج وانتهاء حياتي الجامعية ، بدأت اكسب قوتي اليومي لعدم تمكني من الحصول على وظيفة حكومية مثلي مثل الآلاف من الشباب العاطلين، كان والدي لا يملك المال الكافي لتكاليف زواجي الذي أقدمت عليه دون تفكير، لكنه أذعن لإرادتي بعد توسل والحاح شديد.

اتفق مع والدتي ان يجهّزوا لي غرفة من غرف بيتنا الصغير رغم مضايقة اخوتي في المكان ، لنقرر عندها زيارة اهل سعاد.

استقبلنا اهلها ببرود، وحين بادر والدي بطلب يد ابنتهم، سكت والدها برهة ، ثم طرح علينا اسئلة احرجنا بها، لتتم بعدها موافقته على مضض ، لعدم قناعته بوضعي غير المستقر والجانب المادي الضعيف الذي اعانيه، لكنه رضخ امام اصرار وعناد ابنته كونها كانت تحبني جداً ويعلم بانها ترغب الارتباط بي.. وبعد مدة قصيرة تم الزواج بمراسيم بسيطة.

وبمرور عام على زواجنا، احسست بعدم مقدرتي على توفير كل ماتحتاجه اسرتي ، فكنت اعمل ليل نهار باعمال مختلفة واجهد نفسي مقابل اجرٍ زهيد ، اصبحت افكر طويلا بمستقبلي المجهول ،تراكمت الهموم على راسي يوماً بعد اخر ، وبعد مرور عام ونصف على زواجنا قررت مغادرة منزل والدي بعدما زادت المشاكل وضاق البيت على من فيه .. بحثت كثيرا عن منزلٍ لاستأجره ، حتى عثرت على منزل بسعر زهيد في حيٍ فقير لايرتقي للعيش لكنني كنت مضطراً لذلك ..

كانت سعاد راضية تتحمل كل الظروف وقساوة العيش معي ، ومع مرور الزمن بدأت معاملتي تتغير مع سعاد ، واصبحت قاسياً معها ، اضربها بشدة لاتفه الاسباب ، اهينها في كل مناسبة ، ورغم ذلك كانت تطيعني وتحب إسعادي ولاتتمرد ولا تخاصمني ولاتبوح بمايحدث بيننا حتى لاهلها بل كانت تتظاهر بانها اسعد انسانة في الوجود .

مرت السنين والوضع يزداد سوءاً ، سيما بعد ان رزقنا الله طفلين زادا علينا عبء الحياة ، واصبحت حياتي صعبة لا تطاق .. كانت سعاد رغم قسوتي وظلمي لها تهوّن عليّ وتتحمل كل ماتعانيه من حزنٍ عميق بداخلها ، حتى انعكس ذلك على شكلها وصحتها ، وبدأت صحتها بالتراجع ، وجهها يشحب ويذبل بشكل غير طبيعي ، شعرت انها تخبئ الما في داخلها لكنها لا تبوح لي كونها تعرف ان ما أحصل عليه من مال بالكاد يكفي معيشتنا .

وفي أحد الأيام سقطت سعاد أرضا فاقدة للوعي حملتها مسرعاً ويداي ترتجفان خوفاً وقلقاً عليها ، نقلتها الى المستشفى بسيارة جاري القديمة ، وحين عرضتها على الطبيب ، طلب اجراء الفحوصات فوراً ، لتظهر نتيجة الفحص بعد ايام انها مصابة بمرض عضال، وانه نخر جسدها ووصل مراحل متقدمة لاينفع معها علاج .

رقدت على فراش المرض عدة ايام ولم افارقها ابداً أُلبّي كل احتياجاتها ، حتى فارقت الحياة بعدما ذاقت البؤس والشقاء والظلم معي والذي اورثتني إياه ندما.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon