دعوا الكورد أحراراً في إختياراتهم
سمير ئاكره يي
ذاق كورد العراق الأمرّين على مر العقود الماضية من أنظمة العراق وحكامه المتعاقبة الذين تفننوا في أساليب الظلم والقهر لإلحاق الأذى به. حيث لم يبق ما يخطر ببال هؤلاء الطغاة الفاسدين من أسلوب للقمع لم يؤذوه به. فليس بأقل من مليون كوردي هجّروا من بيوتهم منذ حكم الطاغية الأخير وأحرق منهم خمسة آلاف شخص في دقائق معدودة في حلبجة الشهيدة. وليس بأقل من أربعة آلاف وخمسمائة قرية كوردية أبيدت وسويت مع الارض بالمتفجرات والبلدوزرات.
وهل من السهل نسيان إختفاء أكثر من مائة وثمانين ألف كوردي في عمليات الأ نفال سيئة الصيت أو إختفاء أكثر من عشرة آلاف فيلي أو ثمانية آلاف بارزاني. وما بالكم بالمقابر الجماعية التي تضم الآلاف من الأعزاء أو التهجير القسري خارج الحدود الى إيران او السجون والتعذيب والاعدامات أو التعريب ومصادرة الأملاك بدون وجه حق ووو.
واستمر الحكام في بغداد حتى بعد سقوط النظام على ظلم الكورد حين قطعوا عنهم استحقاقهم من الموازنة السنوية المخصصة لإصلاح البنية التحتية للأقليم ولتوفير موارد المعيشية لهم من رواتب وأرزاق وقطع رواتب البيشمركة والسلاح والتجهيز في خضم حربه مع تنظيم داعش الإرهابي ومنع الأقليم الأستفادة من القروض الدولية ورمي المادة 140 من الدستور العراقي وقانون النفط والغاز وراء ظهورهم وأخيراّ التهرب من مسؤولية إعانة ملايين اللاجئين في كوردستان الفارين من العراق وسوريا وطرحها على عاتق حكومة الأقليم من دون دعم الحكومة الاتحادية بهدف زيادة الأعباء المالية وتعقيد الأزمة الاقتصادية عليهم.
ومما يؤسف له ويؤلم القلب والضمير هو جهل الكثيرين من الناس كون الكورد أكبر شعوب العالم إطلاقاً بدون دولة خاصة بهم. وفي الوقت نفسه أكثرهم ـ على الاطلاق ـ إضطهادا وإبادة في العالم من قبل أنظمة الدول التي تحكمهم في كل من العراق وسورية وإيران وتركيا رغم أنهم (أى الكورد) أعرق من شعوب أنظمة هذه الدول نفسها الدخلاء على أرضهم. بالاضافة الى كل ما ذكر أعلاه فقد قسّم وطنهم مرتين، في البداية الى جزءين وثم الى اربعة أجزاء لكيلا يلتحم أبداً. اضافة الى تعرض المدنيين والعزل منهم للقتل بالقصف المدفعي والجوي في المدن والمناطق الآهلة بالمدنيين في انتفاضة آذار المباركة 1991 ودفعهم الى الهجرة المليونية الى الجبال ونحو الحدود الدولية في أتعس وأشدّ الظروف الجوية والاقتصادية سوءاً وقساوة آنذاك. وما يحزّ في النفس خذلان الدول العظمى ودوائر صنع القرار فيها جميع العهود والوعود المقطوعة لهم سابقاً.
إذن أليس هذا الشعب جدير بالإنصاف له؟!
وما ذكرناه من المآسي والويلات كان بشكل مقتضب ونورد أيضا في المقابل القليل مما إستطاع الكورد إنجازه في الفترة التي تحرروا فيها. ألم يتمكن كورد العراق رغم كل ما جرى لهم من الدمار من إثبات قدراتهم على إدارة شؤونهم بعد رفع الظلم جزئياّ عنهم في القسم المحرر من كوردستان الكبرى؟! ألم يجر كورد العراق انتخابات ديمقراطية وبلدية حرة فريدة في المنطقة معترفة بها دولياً؟! ألم يتمكن الكورد من تأسيس برلمان منتخب لهم وإقامة حكومة أقليمية؟! ألم يثبت الكورد جدارتهم ودورهم الإيجابي في عملية تحرير العراق وازالة الطاغية؟! ألم يثبت الكورد للجميع كونهم عامل استقرار للمنطقة قبل وأثناء المواجهة البطولية لأشرس تنظيم إرهابي ظهر في الوجود؟ من جانب آخر ألم يثبت الكورد كونهم عامل الازدهار الاقتصادي في المنطقة؟ ألم تصبح كوردستان قبلة اللجوء للفارين من الظلم والباحثين عن العيش في أمان. ان هذا يقودنا الى محصلة نهائية بأن للكوردي شخصية حية، متميزة ومتفاعلة تمتلك قيم وقدرات فريدة. فهو محارب شجاع لا يرضخ للذل، يعشق وطنه الى حد الاستشهاد في سبيله، وهو منتج مبدع ومسالم أمين للتعايش معه.
إذن أليس هذا الشعب جدير بالإحترام والتقدير؟
وإذا تعمّقنا في وضع العراق بعد عملية تحرير العراق نجد أن عراق اليوم في وضع مشابه تماماً لوضعه عند بداية تأسيسه في 1921 مع ملاحظة كون الكورد في موقف أقوى الآن بجميع المعايير قياسا بتلك الفترة. إضافة الى خروج الكورد من ظلم صدام المشابه لوضع اليهود بعد الحرب العالمية من ظلم هتلر وما نال الكورد مثلهم من عطف دولي من المجتمع الدولي بعد كشف النقاب عن استعمال الغازات السامة ضدهم ومأسي الهجرة المليونية عام 1991 عليهم وكذلك ما كسب الكورد ـ في عمليات التصدّي لهجمة تنظيم داعش الإرهابي في ملاحم بطولية بالتزامن مع استقبالهم وحمايتهم للاجئين من العرب السنة والأقليات القومية والدينية الأخرى ـ من إعجاب وتقدير عاليين في المجتمع الدولي خاصة الغربي منه أصحاب المبادئ والمثل الإنسانية والديمقراطية بعدما أحسّوا منهم بأنهم يحملون نفس قيم العالم الغربي في قبول الآخرين وحمايتهم.
فلو أخذنا كل ذلك بنظر الاعتبار وما هو مثبت في ميثاق الأمم المتحدة من حق الشعوب في تقرير مصيرهم أليس لكورد العراق حصة من ذلك الحق المشروع؟! ألا يستحق كورد العراق بعد كل تلك التضحيات الجسام ذلك الحق الذي ناله شعوب ودول قبلهم وآخرهم تيمور الشرقية وجنوب السودان الذين لم يدفعوا له من التضحيات ما دفع له الكورد ولا يزال؟ إذن لماذا يستكثر عليهم ذلك الحق وأين هو وجه العدالة في حرمانه من الاستفتاء على تقرير مصيره على أرض وطنه؟
بعد كل تلك الكوارث الإنسانية والسياسية الداخلية منها والخارجية كيف يراد منا أن نقبل بأن نكون جزءاّ ملحقاً وبشكل قسري الى دولة فاشلة لا نحس بشعور الإنتماء الوطني اليها ؟! فالكورد لا يريدون الأذى لغيرهم ولا يعملون على تغيير حدود الدول التي يعيشون فيها لصالحهم إنما فقط تحديد حدود ارض وطنهم الأصلي المستقطعة منهم والمضافة الى غيرهم. فهم يريدون العيش على أرض وطنهم مستقلين وليس منفصلين لأنهم أساساً لم يكونوا جزءاً منهم لكي ينفصلوا عنهم.
من الواضح ان لكل دولة مصلحتها في بقاء العراق موحداً حتى ولو كان العراق دولة فاشلة غير فاعلة ومجزأة على أرض الواقع. فالدول الإقليمية المجاورة معروفة في سياستها العدوانية المعارضة للكورد. ولكن يبدو أن سياسة أمريكا الحالية تقتضي الاحتفاظ بعراق موحد لأمور خاصة بها من خلال استخدام الكورد كصمام أمان لوحدته وضمان بقاء اليمقرطية مترعرعة فيه واستمرارية اسقبالهم للأقليات والطوائف الفارّة من جحيم العراق وتأمينهم الحياة الحرة الكريمة لهم وحمايتهم تحت مظلتهم الآمنة بفضل توجهاتهم المرنة القريبة من الغرب. فهم صورة متممة للغرب في أداءهم للواجب الإنساني والتعايش السلمي بعيداّ أوعوضاّ عنهم. وتهدف السياسة الأمريكية كذلك الى منع إيران من ابتلاع العراق بوجود الكورد وفاعليتهم فيه فهم ومنذ البداية كالوتد الرصين بنظر الغرب في حفظ العراق لهم سالماّ موحداّ حتى لو كان بغير إرادة الكورد أنفسهم ورغم أن ذلك نفسه يناقض مبادئهم الديمقراطية التي ينادون بها. إنها المصلحة الذاتية لهم على حساب معاناة الشعب الكوردي. لكننا مصرون للقيام بالإستفتاء في يومه الموعود 25 أيلول 2017 للإدلاء بنعم لإستقلال كوردستان كونها عملية ديموقراطية أساسية في التعبير عن الحق المشروع.
المطلوب من الكورد إستغلال الفرصة التاريخية المواتية والدخول بجرأة وبقوة الى ساحة السياسة الدولية وفرض عملية الإستفتاء حول تقرير مصيرهم بأنفسهم. نأمل من المجتمع الدولي احترام تطلعاته كشعب في مسألة تقرير مصيره بنفسه. ولتعمل الأطراف العراقية على حل مشاكل العراق جميعها بحكمة ما دامت الامور في طور التكوين.
استطاع الكورد لأول مرة في التأريخ أن يقولوا بثقة وجرأة كلمتهم "لا" لطلب أكبر القوى العالمية والأقليمية بتأجيل عملية الاستفتاء، وأن يقولوا "كفى" لوصاية أية جهة عليهم أو التدخل في شؤونهم. فلا يحق لأية جهة القرار على مصيرهم في العراق أو رسم مستقبلهم بالنيابة عنهم. لن تخدعهم هذه المرة ظلم ومكر العقود من الزمن بتمرير الوعود المخذلة والسياسة الماكرة أو ترهيبهم بصور أكثر مما سبق لهم في العراق وفي دول تعاني هي نفسها من أزمة كوردية مزمنة ستضطر عاجلا أم آجلا الى حلها في زمن لن يسمح المجتمع الدولي بتكرار ما جرى للكورد من الويلات وما وقع عليهم من الدمار خاصة بعد صدور قانون حماية الكورد المرقم 688 من هيئة الأمم المتحدة الذي كفل لهم منطقتهم الآمنة.
لنتريث معاً مصداقية الاتحاد الاوروبي وأمريكا على ما ينادون به من مثل في اقوالهم وافعالهم وهل تسمح لهم قيمهم والتزامهم الأخلاقي بترك الكورد لوحدهم في مواجهة أعداء الإنسانية الساعين على إلغاءهم وطمس هويتهم فقط لأنهم مارسوا عملية ديمقراطية بسيطة قام بها الكثيرون قبلهم ألا وهي الإستفتاء؟!
وفي رأيي إن الظروف الجيوسياسية لا تسمح لأمريكا بترك الساحة لإيران بالمد والدخول الى كوردستان للإلتحام بسوريا إكمالاً للهلال الشيعي عبر كوردستان. كما أن هناك أهمية بات يحظى بها الكورد من قبل واشنطن وموسكو في الشرق الأوسط سواءاً لمواجهة المد الإسلامي أوالحاجة إليهم لمحاربة تنظيم داعش أو دورهم المتوقع في ظل انهيار وتفكك دولتي العراق وسوريا. وبقدر تعلق الأمربتركيا فهي لا تحبّذ مجاورة دولتين ذات طابع شيعي لحدودها الشرقية والجنوبية معاً ولربما توافق على مضض باختيار أهون الشرّين عليها بقبول كوردستان السنية جارة جنوبية لها. بالإضافة الى التفكير كثيراً بعدم الإفراط بمصالحها التجارية الواسعة النطاق مع كوردستان بعد بريطانيا وألمانيا قبل الاقبال على إتخاذ أية إجراءات إنتقامية ضدها.
فلماذا التردد ؟! ولم الانتظار؟
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولا بـدّ للــّيـل أن ينجـلــي ولا بدّ للقــيد أن ينكســر