حكاية صور.. مع مصطفى الكاظمي

حكاية صور.. مع مصطفى الكاظمي

جورج منصور

2020-08-29T15:35:51+00:00

(ذاكْ يوم... وهذا يوم)

في ذات المكان الذي ادى فيه الزميل والصديق مصطفى الكاظمي اليمين الدستورية صباح يوم 6 آيار (مايو) 2020، ليصبح سادس رئيس مجلس وزراء العراق، بعد حقبة النظام السابق، كنا نحن، قبل 17 عاما نعمل معا، وتحديدا في عام 2003 في الطابق الثالث من "قصر المؤتمرات" والذي اصبح لاحقا مبنى ل "مجلس النواب" العراقي.

 كنتُ حينذاك، المدير العام لقناة شبكة الاعلام العراقي التلفزيونية (العراقية) وكان زميلي مصطفى الكاظمي، مديرا لقسم البرامج، لفترة وجيزة، وقد بدأ للتو عمله، مع الدكتور كنعان مكية، في "مؤسسة الذاكرة العراقية"، المختصة بتوثيق جرائم النظام السابق 1968- 2003.

في احدى صباحات تشرين الاول (اكتوبر) بغداد الجميلة، جاءني الى مكتبي، بالطابق السفلي من قصر المؤتمرات، المسؤول الأمريكي والمشرف على شبكة الاعلام العراقي، جان ساندروك، يدعوني للسفر مع الفريق الامريكي المتوجه الى دبي، لغرض شراء مجموعة من الافلام الوثائقية والتلفزيونية لعرضها في تلفزيون الشبكة، الذي كان قد انطلق بثه التجريبي في 13 آيار 2003، وكذلك للتباحث حول إمكانية تنظيم دورات تدريبية لكوادر الشبكة.

 كانت الافلام العربية التي يروم الفريق الامريكي شراءها، باسعار باهضة، مستهلكة وقديمة، اسود وابيض: اسماعيل يس في البوليس السري وفي ألاسطول، وطريق الأمل لفاتن حمامة، والدخيل، وكازابلانكا، وغيرها. ورغم انني ابديتُ عدم موافقتي على شراء هكذا افلام، بيدَ ان الفريق الامريكي كان قد عقد العزم وأكمل الصفقة، ولم يكن قد تبقى سوى توقيع العقد واستلام الافلام وشحنها الى بغداد.

بين ترددٍ وعدم اقتناع بالسفر من جهة، واصرار جان ساندروك على سفري مع الفريق من جهة اخرى، وافقتُ على السفر شريطة: أن لا اوقع شخصيا على اي صفقة شراء ولا ان يدرج اسمي فيها، وان يكون مصطفى الكاظمي ضمن الفريق المسافرالى دبي، منطلقا من ضرورة اقتناص فرصة  الاطلاع على ما حققته دبي في مجال الاعلام، وكيف يمكننا في العراق "الجديد" الاستفادة من تجربتها. إضافة الى ان ظروف العمل في بغداد كانت قاسية، صعبة ومرهقة، وساعاتها طويلة والوضع كان خطرا آنذاك والاستهدافات الشخصية محتملة ومتوقعة تماما، اختطاف او اغتيال، وكنا حقاّ بحاجة الى بعض الراحة لاستعادة حيويتنا ونشاطنا، ونحن كلنا عزم واصرار وثقة في ان نضع اللبنات الصحيحة للاعلام العراقي الجديد. 

وافق جان ساندروك على طلبي الاول، إلا انه رفض الطلب الثاني، متذرعا بان الفريق الامريكي طلب ان يرافقه مسؤول عراقي واحد فقط من إدارة تلفزيون الشبكة. ولكن بعد النقاش معه والاصرار على موقفي وتيّقن جان ساندروك بأنني لن اسافر مع الفريق الامريكي دون مصطفى الكاظمي، وافق على مضض.

في صباح اليوم التالي اقلتنا الطائرة من بغداد الى مطار دبي الدولي، ومنه استقلينا سيارة الى فندق ابراج الامارات الواقع في شارع الشيخ زايد، حيث مكثنا ثلاثة ايام، زرنا خلالها مدينة دبي للإعلام، والتي تضم العديد من وكالات الانباء العالمية والاذاعات والقنوات التلفزيونية الاجنبية والعربية والتقينا المسؤولين فيها وتعرفنا على تجربتهم وخبرتهم في مجال الاعلام واتفقنا على الدورات التدريبية وآلية سفر المتدربين العراقيين الى دبي، الذين لم يكونوا في ذلك الوقت، يحملون جوازات سفر شخصية. كما استمتعنا بأجواء المدينة، بعيدا عن التفجيرات والقصف والرعب والخوف وساعات منع التجوال الليلي في بغداد. 

وبينما كان الفريق الامريكي يعقد صفقاته مع هذا الطرف أوذاك، كنتُ مع زميلي مصطفى الكاظمي نقوم بجولات مفتوحة، نتعرف فيها على جمال المدينة ونقضي اوقاتا مريحة في باحة الفندق. 

اليوم وبعد مرور سبعة عشر عاما من الزمن الذي اعترض فيه جان ساندروك على مرافقة زميلي مصطفى الكاظمي للفريق الأمريكي المتوجه الى دبي، لا اعتقد انه كان يخطر في باله ولا في بال الفريق الأمريكي يوما، انهم سوف يشهدون بأم أعينيهم، خاصة واغلبهم يسكن في واشنطن، ان يستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس 20 آب (أغسطس) 2020 ، رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض بواشنطن بحفاوة بالغة، يرافقه وفد عراقي رفيع المستوى.

ربما شاهدوا اللقاء الذي جمع دونالد ترامب ومصطفى الكاظمي من على شاشات القنوات الفضائية، أواطلعوا على خبر الزيارة واللقاءات العديدة متصدرة واجهات كبريات الصحف ووسائل الإعلام.

وكما يقولون باللهجة العراقية الدارجة: ذاكْ يوم... وهذا يوم. 

وصدق ألمتنبي حينما قال:

 ومِنْ جاهلٍ بي وهو يجهلُ جهلَهُ ويجهلُ علمي أنَّهُ بي جاهل.



Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon