حب على قارعة الطريق

حب على قارعة الطريق

امير الداغستاني

2021-03-05T18:39:26+00:00

وصلتُ للانهيار واقتربت من الجنون، بعد ان فقدت عائلتي الصغيرة في حادث مروري مؤلم، لن أنسى تلك الليلة التى قضيتها وحدي كدت فيها أن أموت من شدة الحُزن والبكاء.

رحلت زوجتي الشابة ومعها ابني الصغير، لابقى وحيداً بين ليلةٍ وضحاها بعدما كنت اسعد انسان مع عائلتي التي كانت كل حياتي، كُنت أُحب زوجتي لدرجة أننا عندما كُنا نتخاصم كُنت أقف معها ضدي، تائهٌ اصبحت يوم شعرت أننى بلا انتماء بعد ان جردتني الحياة من كل شيء احبه لتقذفني امواجها بعيدا بلا وطن .. جفت مشاعري وأصبحت مجرد عابر سبيل في هذه الدنيا الغامضة ، أجلس ساعات اتذكر ضحكات زوجتي ، حركاتها ، لهفتها ، اتذكر نظرات ابني البريئة وانامله الناعمة التي كانت تتلمس وجهي شوقاً ، اتذكر قبلاته العفوية حينما اعود من عملي ويستقبلني باحضانه الدافئة .. افتح دولاب زوجتي واشم بقايا عطر ينبعث من ثيابها المعلقة ، كانت لطيفة معي تدللني وتحاول اسعادي وتخلق اجواء جميلة في جلسات السمر تجهز فيها الذ الطعام وتحضر الشاي الذي كان يرافقنا باغلب امسياتنا ، كم هو شعورٌ مؤلم عندما ادخل منزلي الصغير ولا اراهما امامي .. كثيرة هي الذكريات التي باتت لاتفاقني وجعلتني اسيرا لايام لاتُنسى ابداً ، حتى اصبحت لا اطيق البيت واقضي ساعاتٍ طويلة على اعتاب باب منزلي ، اضع كرسيي الخشبي وطاولة صغيرة على الرصيف واجهز الشاي الساخن وارگيلتي التي اصبحت رفيقتي ولاتفارق جلساتي ..مرت اشهر وانا امضي وقتي على هذا الحال لأنسى تفاصيل حياتي القصيرة التي قضيتها مع عائلتي التي فقدتها في حادث غير حياتي وجعلني اعيش بتعاسةٍ وبؤس ... في احدى الايام وقبل غروب الشمس وانا اجلس كعادتي على قارعة الطريق قرب منزلي الصغير ، مرت فتاة لم ارها من قبل ، ومن غير قصد نظرتُ لعينها وبادلتني النظرة ، لترمني بسهم عينها الساحرتين ،، لفتت انتباهي تابعتها بنظراتي حتى اختفت عن الرؤيا ، بقيت اتذكر تلك النظرة التي باتت لا تفارق طول الوقت .. وفي اليوم التالي عدت من عملي ، تناولت الغداء واخذت قسطاً من الراحة ، وجلست بنفس المكان المعتاد على قارعة الطريق قرب باب منزلي على امل ان اراها مجدداً ، بقيت انتظر صاحبة تلك العينين الجميلتين عسى ان تمر من شارعنا لكنها لم تاتي .. مر على انتظاري يومين وانا اترقب الطريق على امل ان اراها مجددا ، وفي اليوم الثالث لمحتها من بعيد وهي مقبلة باتجاهي ، خفق قلبي بشدة وانا ارى تلك الفتاة الرشيقة تمشي باناقة وهدوء ، اقتربت حتى وصلت بالقرب مني ، تبادلنا النظرات التي كانت اعمق هذه المرة ، تكرر الحال كل يوم وفي نفس الوقت .. عرفت بعد متابعتها انها تسكن بالبيت الاخير في زقاقنا الطويل ، اصبحت تمر من قرب بابنا كل يوم بحجة انها تذهب للتبضع من دكان الحي القريب .. مع مرور الايام تعلقت بها وادمنت على رؤيتها يومياً ، وبعد تفكير عميق ، قررت ان استوقفها واصارحها بمشاعري بعد ان دخل حبها في قلبي واقتنعت انها ستعوضني عن زوجتي ، لاسيما بعد ان تاكدت من انها معجبة بي وتبادلني نفس المشاعر .. انتظرتها ، كالمعتاد لكنها لم تاتي وانقطعت تماماً ، تكرر غيابها في اليوم التالي واليوم الذي بعده واستمر الحال لاكثر من شهر وسط اشتياقي وقلقي واستغرابي لِما يحدث ، وفي يوم ، وبالتحديد كان يوم الخميس ، شاهدت من بعيد قرب منزلهم مجموعة من السيارات ، زينت احدها بزينة براقة ، واصوات موسيقية تبعث من بعيد الحاناً خاصة بالافراح ، استغربت لما يحدث لكني ايقنت بان هنالك فرحة عرس ، وبعد انتظار لاكثر من نصف ساعة تحرك الموكب تتقدمه سيارة بيضاء زينت بزهور واشرطة ملونة ، كانت تسير ببطىء اقتربت مني وركزت النظر واذا بي اراها تجلس ببدلة عرس بيضاء بالقرب من عريسها المتانق ، لمحت نظرتها الحزينة تتجه صوبي وكانها تعتذر لمغادرتي وتركي وحيدا دون لقاء . حزنتُ كثيرا وتمالكني شعور يأس لايوصف بعد ان فقدت شيء جميل دخل حياتي كنت اظنه لاينتهي ، غادرت وغادر معها اخر امل كان سيعيدني الى الحياة مجدداً ، لقد بقيت وحيدا تماما وقررت ركن قلبي جانباً واعيش حياتي كما ينبغي .

نصيحتي ؛ "عليك أن تتعايش مع فكرة أنك قابل للترك والنسيان في اي لحظة مهما كانت قيمتك لدى أحدهم".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon