تهريج بنكهة الزيتوني.. تعديل قانون الأحوال الشخصية
احمد حسين
بداية وقبل كل شيء، وفقاً للقانون العراقي، وللدستور الذي لم يعترف به النظام المقبور ولم ينفذ الكثير من بنوده وأبرزها بنود "الحرية الشخصية والتعبير عن الرأي والمعتقد"، كان وما زال المواطن العراقي المسيحي واليهودي والإيزيدي والملحد والصابئي والسني، لكل هؤلاء مطلق الحرية بالزواج على دينهم ومذهبهم، باستثناء المواطن العراقي الشيعي فهو لا حق له في هذه الدولة التي يشكل الغالبية من سكانها، المواطن والمواطنة الشيعة مجبرون على الزواج بحسب تشريعات المذهب الحنفي "القانوني" وبحسب تشريعات قانون الدولة الذي وضعه إنسان مصري وليس بعراقي أصلاً، فالقانون "المدني" العراقي حاله كحال النشيد الوطني العراقي، ليس بعراقي بتاتاً، نعم عزيزي القارئ قانونك الذي وفقه يتم تزويجك وتطليقك، ونشيدك الذي تردده صباحاً في المدرسة، وقبل انطلاق مباريات منتخبك الوطني، ليسا بوطنيين ولا عراقيين.
لا تتفاجأ عزيزي، قانون الأحوال الشخصية وضعه المصري عبد الرزاق السنهوري، نعم عزيزي، وتخيل المهزلة أن يضع قانونك إنسان غير عراقي أنت يا وريث حمورابي (1902-1901 قبل الميلاد)، وأورنمو (2095-2113 قبل الميلاد)، ولبت عشتار (1934-1923 قبل الميلاد)، وغيرهم الكثير من القانونيين والمصلحين الاجتماعيين والملوك السومريين والبابليين والآشوريين الذين وضعوا تشريعات قانونية أو أجروا "تعديلات" على قوانين سابقة، وهو نفس الفعل الذي قام به النائب رائد المالكي لإجراء "تعديلات" على قانون الأحوال الشخصية الذي أجرت عليه "تعديلات" أيضاً من قبل حكومة عراقية بنكهة "سوفيتية" في عهد أول نظام جمهوري؟.
ولا تتفاجأ أيضاً عزيزي حين تعلم أن العراق لم يكن وما زال بلا نشيد وطني ولا حتى شعار وطني، فنشيد الدولة العراقية في العهد الملكي والقاسمي والعارفي كان "بلي يا بلبول" وهي ترنيمة شعبية لا قيمة شعرية ولا أدبية لها بل هي مجرد "تصفيط" كلمات باهتة لا يربطها رابط ولا حتى رابط القافية والوزن؟!.
أما الشعار الجمهوري والذي بموجبه يتم إصدار المراسم الجمهورية فهو ليس بشعار عراقي أصلاً بل هو شعار وافد من خارج الحدود، "النسر الجمهوري" ليس شعار دولتك العراقية صدقني وأبحث عن ذلك وسترى.
وكذلك الحال بالنسبة لنشيدك الوطني "موطني" فهو قصيدة لشاعر فلسطيني اسمه إبراهيم طوقان لم يكتبها لك ولا لبلدك أصلاً، وفي عهد "الخرط الزيتوني" البعثي العربي الاشتراكي كان النشيد الوطني "وطن مد على الأفق جناحا" من تأليف الشاعر السوري شفيق الكمالي.
هل تيقنت الآن يا عزيزي أن هويتك الوطنية مسلوبة بالأساس وأنك محكوم بقانون وضعه إنسان غريب عنك، وتردد نشيداً لم يُكتب لك أصلاً؟!.
دعونا نعود الآن إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي أثار حفيظة "الرداحات والرداحين"، هل تعلم أن هذه التعديلات لم تتضمن أساساً تحديد عمر للزواج؟، بل هل تعلم أن قانون رقم 188 لسنة 1959 الذي تم تشكيل تحالف باسمه "تحالف 188" هو بالأساس قانون يبيح ويشرع ويقنن زواج القاصرات فهو يسمح بزواج الفتاة بعمر 15 سنة وهذا نصه مع تعديلاته "المادة 8: أضيفت الفقرة (2) إلى هذه المادة ويصبح نص المادة الفقرة (1) بموجب المادة (1) من قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، رقمه 90 صادر بتاريخ 5/9/1987:
1-إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فالقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج.
2-للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.
النص القديم للمادة الملغاة بموجب قانون التعديل الثاني لقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، رقمه 21 صادر بتاريخ 1978: إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج فالقاضي أن يأذن به إذا ثبت له أهليته وقابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقته خلال مدة يحددها له فإن لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج.
النص الأصلي القديم للمادة: تكمل أهلية الزواج بتمام الثامنة عشرة.".
هذا هو النص القانوني حرفياً، وبالمناسبة هذا القانون تمت صياغته بمباركة شيوعية مستوردة من الاتحاد السوفيتي في حينها ورغم ذلك النص القانوني يؤكد على أن الشريعة الإسلامية هي المعتمدة في صياغته، يعني قانون إسلامي شيوعي!، فما هو رد فعلكم أيها الرداحون والرداحات، هل ستنتفض إنسانيتكم ووطنيتكم وحرصكم على حقوق المرأة والقاصرات أم أنها ستتغلف بـ"البدلة الزيتونية الطائفية"؟!.
التعديل الذي طرحه النائب رائد المالكي لا يتضمن أي مساس بـ"الشريعة الشيوعية البعثية" بل أنه يركز ويؤكد على ضرورة اعتماد "الشريعة الإنسانية" التي تتمثل في شكل من أشكالها أن بحق الإنسان في الزواج على عقيدته ومتبنياته الفكرية وهذا حق كفلته الدساتير السماوية والأرضية فما الذي يثير حفيظتكم؟.
حقيقة أنا لا أجد أي مبرر للاعتراض على هذه التعديلات سوى من منطلق واحد وهو "الطائفية والبعثية"، التعديلات تم رفضها لمجرد أنها تحمل اسم "الفقه الجعفري"، أما بالنسبة للرافضين للتعديلات المحسوبين على الشيعة فأمثال هؤلاء لا شأن ليّ بهم فالكثير من أزلام النظام البائد كانوا شيعة أيضاً.