تقنيات التجريم والعقاب
القاضي اياد محسن ضمد
القانون الجنائي وبما يحتويه من قوة ردعية وزجرية أضحى أهمّ الوسائل التي تمتلكها الدولة لمعالجة أي اختلال في النظام المجتمعي سواء في القضايا المهمة ممثلة بالحفاظ على الامن والاستقرار الداخليين او في القضايا الاقل اهمية ممثلة بتحجيم حرية الفرد وتقنينها كلما تعارضت مع مصلحة المجتمع وقيمه العليا حيث لا بد من تطويع حرية الفرد وانانيته وجعلها قابلة للاندماج وفق مقتضيات المصلحة العامة لايجاد حالة من التوازن بين المصلحة العامة والحريات الخاصة.
السياسة الجنائية لأي دولة هي المعنية بمواجهة كل أشكال التمرد الفردي على القيم الأساسية التي يقوم عليها التعايش السلمي في المجتمع ومن ثم تحجيم اثره وفرض العقاب عليه من خلال ما يعرف بتقنيات التجريم والعقاب لكن هذه التقنيات لابد من ان تكون معقولة ومتوازنة وقابلة للمراجعة المستمرة وحسب ما تقتضيه التطورات التي يشهدها المجتمع.
تقنيات التجريم والعقاب باعتقادي تشتمل على مجموعة عناصر اولها الخطاب الزجري الذي تحتويه النصوص العقابية وثانيها المصلحة الاجتماعية واجبة الحماية الجنائية والعنصر الثالث هو مدى الدقة في صياغة النصوص القانونية العقابية وفي ما يتعلق بالخطاب الزجري للنصوص العقابية فلا بد من إعادة النظر فيه بتقليل منطق القسوة الذي تتضمنه هذه النصوص واعتماد مبدأ التدرج في العقاب وكذلك التنوع في صوره وزيادة فرص إعادة إدماج المعاقبين في المجتمع بعد تأهيلهم انطلاقا من مبدأ قدرة الدولة على استعادة ابنائها العاقين وإعادتهم لمنظومتها الاجتماعية كأعضاء ايجابيين والعنصر الثاني المتمثل بالمصلحة الاجتماعية واجبة الحماية فان اغلب التشريعات اتجهت الى الصيغ العمومية والسياسة الاحتوائية في اطلاق قائمة المصالح المحمية قانونيا ولم يكن تحديد تلك المصالح نوعيا وبحسب اولويات المجتمع ما زاد من مساحة الأفعال المجرمة قانونا على حساب نوعها وزاد من عدد الابناء المجرمين اما العنصر الثالث فيتمثل بضرورة توخي الدقة في صياغة النصوص القانونية والتزام الوضوح في مضامينها لتقليص مساحة التأويل والاجتهاد ولتجنيب السلطة القضائية المسؤولة عن تطبيق النص حراجة ما يعتريه من غموض وامكانية تأويل حتى لا يعيش القضاة القائمين على تطبيق النص ما يسمى بمعركة تأويل النص القانوني هذه المعركة غير العنفية والتي تتنازع فيها حجج الأشخاص الذي يحاولون تفسير النص وتأويله، ومن اجل ان لا يكون القاضي امام ما يسمى بالقضية الصعبة وهي القضية التي لا يجد لها نصا للتطبيق فيلجا الى التفسير والتأويل للنصوص القانونية العقابية.
اي سياسة جنائية لا بد لها من مراعاة تقنيات التجريم والعقاب هذه بعناصرها الثلاث وان تكون هذه السياسة وتلك العناصر محل تقييم ومراجعة وبصورة مستمرة من قبل مختصين بالجانب القانوني والاجتماعي, في العراق فان عناصر تقنيات الجريمة والعقاب الثلاث تحتاج الى مراجعة فالخطاب الزجري للنصوص العقابية على اشده ولا اجد تنوعا في العقوبات التي تفرض على الجرائم سيما مع غياب تام لعقوبة العمل للمنفعة العامة هذه العقوبة التي تضمنتها النظم العقابية المتطورة كذلك كثرة التركيز على العقوبات المقيدة للحرية دون الغرامات يعد حالة سلبية كون الغرامات يمكن ان تشكل رافدا مهما للخزينة العامة وتجنب الدولة نفقات الصرف على اقامة النزلاء فترة قضاء محكوميتهم وفي مجال المصلحة الاجتماعية واجبة الحماية في العراق أجد ان السياسة الجنائية بحاجة الى مراجعة كم كبير من المصالح المستحدثة التي رافقت تطور المجتمع ولم تشمل بالحماية بجانب رفع الحماية عن بعض المصالح التي ما عادت تشكل أولويات في سلم الحماية القانونية وفي جانب دقة الصياغات القانونية فلا بد من ان تراعي السلطة التشريعية وعند صياغتها للنصوص العقابية دقة المضمون ودلالته على المعنى وتقليص فرص الحاجة إلى تأويله لضمان التطبيق السليم للنصوص القانونية العقابية.