بعد حلب.. سوريا إلى أين؟
فرحان جوهر
وضعت الأحداث الحالية في سوريا الأوضاع في المنطقة بالكامل أمام عدد من الاحتمالات المفتوحة، والتي لا يعلم اي شخص او جهة بمسار الاحداث الى اين تسير وفي أية نقطة ستتوقف، ولكن من المعلوم ان هذه الاحداث ليست ذاتية، بل ان خلفها خطط واجندات سياسية لعدد من الدول من اجل اهداف سياسية معينة.
أن الاستيلاء على حلب وتقدم القوى المتطرفة التي تتبع اجندة سياسية محددة، والجهات التي تتجه اصابع الاتهام اليها على الأكثر هي تركيا، وهذا بحكم العديد من المعطيات، مثل رفض سوريا التفاوض مع تركيا، ومن ثم يأس الاخيرة من قبول سوريا بالحوار، من الممكن ان تكون خلف تلك الهجمات لتستخدمها كورقة ضغط لإجبار سوريا على الحضور والجلوس على مائدة التفاوض، ولتركيا عدد من الأهداف من تلك المفاوضات ابرزها اعادة اللاجئين وتحجيم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من دون انسحابها من المناطق السورية المحتلة، أما بالنسبة لسوريا فإن أي حوار معها مرتبط بشرط مسبق بالانسحاب من ارض سوريا، وبسبب انعدام الثقة بين الطرفين ليس هناك أي تقدم بهذا الاتجاه.
في اليوم الأول لهجوم الجماعات المسلحة على حلب تخيلوا ان روسيا تظهر اللين، والا فإنها لم تتمكن من الوصول الى حلب بكل هذه السهولة، وهذا شك او رؤية منطقية، ولكن عندما يكون هناك منطق آخر، عندما نعرف ما فائدة هذا الحدث بالنسبة لروسيا، هل ستقوم تركيا بمساعدتها في أوكرانيا، وهذا أمر بعيد عن الواقع، لان امريكا واوربا ستواجهها بقوة، والوضع الاقتصادي التركي لايحتمل مثل هكذا عداء، او ان روسيا قامت بهذا الامر لإضعاف القوات الايرانية في سوريا، لأن روسيا ليست سعيدة بوجود الميليشيات الايرانية او الموالية لها، ولكن مرة أخرى لا يبدو هذا الأمر منطقيا، فحتى لو كانت منزعجة من تلك الميليشيات، فمن السهل عليها ان تضغط على الرئيس السوري بشار الأسد لإخراج تلك الميليشيات، لذلك اعتقد انه اذا تم وضع سوريا امام خيارين اما روسيا او ايران، فبالتأكيد ستختار روسيا، والامر كذلك بالنسبة لروسيا اذا خيرت بين تركيا وإيران فانها حتما ستختار ايران، وهذا يعني انه وفقا للمعطيات المتاحة فمن الممكن وجود عوامل كثيرة لعدم اندفاع روسيا لمنع تلك المجاميع المسلحة، فعدم وجود إدراك عسكري او تكنيكي، فلو لاحظنا، أنه بعد هذه الأحداث قامت روسيا باستبدال مسؤولها العسكري في سوريا، وهذا يدعم وجهة نظرنا ان هناك مشكلة تكتيكية عسكرية قد حصلت، وليس هناك تعامل أو مساومات سياسية.
ان الذي حصل في سوريا من البداية هي أجندة مذهبية بين الشيعة والسنة، فالدول العربية السنية ومعها تركيا يعتقدون أن لا يجوز للاقلية العلوية المقربة من الشيعة أن تحكم الأغلبية السنية، على الرغم من ان النظام يستخدم شعارا قوميا عربيا، ولكنه مجرد ادعاء فهو ليس مع اي قضية عربية مشتركة، على سبيل المثال في حرب الثمان سنوات بين العراق وايران ساند النظام ايران، لذلك فإن سوريا ومنذ سنوات طويلة تتعرض لمؤامرات خارجية كثيرة، ولكن صيغة ادارة البلاد من قبل النظام وبشكل انفرادي وإنكار حقوق المكونات مثل الكورد والمسيحيين والدروز جعل من سوريا أرضية خصبة لازدهار برامج المخططات، ومن اجل ان نفهم طبيعة الصراعات والاحداث في سوريا، فنحن بحاجة الى فهم طبيعة الصراع بين السنة والشيعة. ان الذي ابقى على الوضع في ادارة الحكم الحالية لنظام بشار الاسد في الدرجة الاولى روسيا ومن ثم ايران، ولكن مشكلة النظام السوري ليس فقط العالم السني، بل ان له مشكلات مع المجتمع الدولي بسبب ممارسته القوة والعنف مع القوى المعارضة الداخلية، لذلك فهو يخضع لحصار اقتصادي خانق يدفع ضريبته السكان.
ان خيارات حسم مشكلات هذه البلاد ليس فيها ما يمكن ان يضمن اوضاعا افضل، لذلك فإن المجتمع الدولي لا يحرك ساكنا باتجاه حل مشكلات سوريا، والمشروع السني لهذا البلد عبارة عن إسلام متطرف يتغذى على الفكر الارهابي، لذلك لا يحظى سوى بالدعم الاقليمي ولا يدعمه المجتمع الدولي باي شكل من الاشكال، ان تحديد مصير هذا البلد ومستقبل الحكم فيه أصبح لغزا، على الرغم من انه في النهاية ومع عدم قيام بشار الأسد بحسم الموضوع بين الأجندة الروسية الإيرانية من جهة والاجندة الاسرائيلية الامريكية من جهة اخرى، وكذلك بسبب سوء اوضاع الناس، يدفع بالمغامرة بانتصار القوى المتطرفة، لان شرط تطبيع اوضاع النظام مع الغرب والابتعاد عن إيران وروسيا، امر صعب جدا لبشار الاسد في ظل هكذا اوضاع، خصوصا بعد احداث حلب، وعلى الرغم من ان الإمارات العربية تواصل مساعيها منذ مدة لتطبيع اوضاع علاقات النظام السوري مع الغرب، ولكن حرب لبنان وغزة والاستيلاء على حلب مؤخرا أعاد الاوضاع لنقطة الصفر، وعلى الرغم من امريكا لا تساند حاليا القوات السنية المتطرفة في سوريا، ولكن من الممكن اذا طال امد الأوضاع بشكل اطول ان تحقق تلك القوى المتطرفة النجاح بدعم ومساندة من تركيا وقطر.
ترجمة وكالة شفق نيوز