اين الوعي الانتخابي في انتخاباتنا
جوتيار تمر
تعتبر الانتخابات اكثر المواد الدسمة للاعلام بعد فضائح الفنانين بشكل خاص والسياسيين بشكل عام لاسيما فيما يتعلق بالفساد والحروب التي يتسببون بها من اجل مصالحهم تحت غطاء ما يسمى بالدولة والحفاظ على سيادتها، ولم يعد مفهوم الانتخابات مخفياً على المتابعين لاسيما ممن يجيد استعمال شبكات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية بصورة عامة، فالانتخابات هي العملية الرسمية لاختيار شخص لتولي منصب رسمي، أو قبول أو رفض إقتراح سياسي بواسطة التصويت. من المهم التمييز بين شكل الانتخابات ومضمونها. في بعض الحالات توجد الأشكال الانتخابية ولكن يغيب المضمون الانتخابي مثل حالة عدم توفر الخيار الحر وغير المزيف للإختيار بين بديلين على الأقل. معظم دول العالم تقيم الانتخابات على الأقل بشكل رسمي ولكن في العديد من الانتخابات تكون غير تنافسية (مثلا يحظر على جميع الأحزاب المشاركة باستثناء حزب واحد)؛ كما ان الانتخابات تعرف على انها إجراء دستوري لاختيار الفرد، أو مجموعة من الأفراد لشغل منصب معين، وتعرف أيضاً بأنها مجموعة من المبادئ القانونية التي تتكون من نظام تشريعي الهدف منه تنظيم عملية الانتخاب حتى ينتج عنها تطبيق قانون جديد، أو تعديل قانون قائم، أو فوز أحد المرشحين للانتخابات، أو غيرها من الأحداث الدستورية المرتبطة بالانتخابات ارتباطاً مباشراً.
إن فكرة الانتخابات تعد من الأفكار الإنسانية القديمة، والتي تساهم في حل النزاعات، والاختلافات حول رأي ما لتضمن تطبيق الفكر الديمقراطي الذي يدعو إلى اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بناءً على رأي أفراد الشعب، أو المجلس النيابي، أو الهيئة المختصة بذلك، وهذا ما أدى إلى اعتبار الانتخابات حقاً من حقوق الناس، وواجباً عليهم تطبيقه لضمان تفعيل دورهم الإيجابي في الحياة السياسية في مجتمعهم، ودولتهم.
تلك المفاهيم والمدلولات هي اكثر ما ستواجهها حين تبحث عن مفهوم الانتخابات وعن اصولها واهميتها، ناهيك عن العشرات من التعاريف الاخرى التي تتباين في الشكليات وتتفق في الاصوليات حسب الدول والمناطق التي تقوم باجرائها، ولعل الامر الذي دعاني لاكتب عن الانتخابات هو ما اشاهده منذ عقود في مجتمعاتنا الشرقية بوجه الخصوص فيما يتعلق بالانتخابات، حيث تتحول المفاهيم السابقة الى مجرد كتابات وشعارات بعيدة كل البعد عن مغزاها الحقيقي من جهة، وتتحول شوارعنا الى مهرجانات شعبية حزبية سياسية من جهة اخرى، لاعلاقة لها بالانتخابات سوى استغلال الاسم لنشر المزيد من الاكاذيب والدعايات الحزبية فضلاً عن انتهاكات حقوق الاخرين بسبب التشهير والسب وتلفيق الاكاذيب كل حسب انتمائه الحزبي والقومي والديني والمذهبي والطائفي.
ان المتتبع لمجريات الاحداث على الساحة العراقية مثلاً سيجد بان الاصل في الانتخابات هو التشهير واظهار المنافس على انه ليس بوطنني وعميل ومنافق وفاسد وقاطع لارزاق الناس، ويمثل اجندات خارجية اقليمية، وفي الوقت نفسه حين تشاهد كيف تتملئ الشوارع والاماكن العامة والمقاهي والسيارات والاعمدة والتقاطعات بالصور واعلام الافراد والاحزاب المتنافسة ستجد بان التناقض هو عقيدة هولاء، وما ان تسأل احدهم عن السبب في هذا التشهير والتبذير والاسراف والتطرف سيقول لك بانه يعيش في بلد حر وديمقراطي ويحق للفرد ان ينافس الاخرين بصورة حضارية، وسيستشهد بالانتخابات الغربية وسيقول لك بان رؤوساء امريكا مثلاً يقومون بالتشهير من اجل كسب الاصوات وهذا حقهم ايضاً، والغريب انهم لايعتمدون الا على الصورة الظاهرة للواقع الانتخابي الغربي والامريكي مثلاً، ويتناسون عمداً او لايعلمون اصلاً بان تلك الانتخابات تمثل السيادة على العالم وليس على دولة اسمها امريكا فحسب هذا من جهة، ومن جهة اخرى فانهم يتناسون بان وضع مجتمعاتهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري والنفسي لايمكن مقارنته بوضع تلك الدول فالمقارنة احجاف بحقهم وليس بحق مجتمعاتنا نحن، فحين تصل ايها الشرقي الانتخابي بمجتمعك الى المستوى المعيشي لتلك الدول يمكنك وقتها اخذ التجربة عنهم والقيام بالتشهير مثلهم، لكن حين يكون مجتمعك غارق في وحل فسادك وانانيتك الحزبية والطائفية والمذهبية والدينية والقومية فانه من الغباء السياسي ان تستند على التجربة الغربية لتحقيق مقاصدك السياسية التي هي بنظر الواعين من ابناء المجتمع دناءة ومذلة وخزي، فانت تسرق لتستمر بالتشهير، وانت تكذب لتستمر على الكرسي ، وانت تبيع وطنك من اجل الحصول على وسام من محتلي ارضك، فكيف تقارن نفسك بامريكا مثلاً وتدعي انك تعيش في بلد حر، وديمقراطي، ومن حقك ممارسة دعاياتك الانتخابية التي هي في الاصل محسومة لصالح اسيادك ممن يدير جيشك واقتصادك وممن اغرقك في الديون لدرجة انك لاتستطيع ان ترفع راسك.
وما يضيف الى ما ذكرته الدهشة والاستغراب هو الكيفية التي تعتمدها هذه الاحزاب في التنافس الاعلامي، لاسيما في نشر صور المنافسين، ولن اخفي عنكم، بان غالبية الاحزاب لا تعتمد فقط على المرشحين من ذوي النفوذ العشائري والديني فحسب، بل اصبحت تعتمد على ملامح الوجه ايضاً فغالبية الصور معدة بشكل سينمائي وكأننا نعيش وقع حفل توزيع جوائز الاوسكار ومهرجان كان الدولي، لاسيما المرشحات اللاتي يعرضن مفاتنهن في صورهن، والغريب ان هذا بنظرهن يوضع تحت خانة الحريات " الحرية الشخصية " وكأن مفهوم الحرية متوقف على قامتها الطويلة وخصرها وصدرها وشفتييها، دون وعيها وعقلها وعلمها، لذلك ستجد الدعاية الانتخابية في مجتمعاتنا الشرقية هي ادوات لعرض الصور ولعرض الامكانيات التصويرية والامكانيات المادية ايضاً، بحيث يصرف الملايين على تلك الدعايات في حين لم تزل الازمة الاقتصادية تمنع البسمة عن شفاه الموظفين والفقراء ممن لايجد القوت اليومي.
ان المنطق الانتخابي الشرقي لهو في جوهره وصمة عار على الانسان الشرقي، ليس لانها في الاصل انتخابات محسومة فحسب ، انما لكونها لاتمثل الا الفيئات المستفيدة من عمليات نهب البلاد لاسيما نفطها، فالنظريات الانتخابية في مجتمعاتنا تقلد اعلامياً ودعائياً النظريات العالمية الكبرى، الا انها لايمكنها ان ترتقي الى واحد بالمائة من القيم الانتخابية العالمية التي يقدم فيها الناخبون مشاريعهم على اسس واقعية مدروسة وممكنة دون الاجحاف بحق الاخرين من المنافسين ممن يمتلك مشروعاً اقوى واكثر نفعاً، وهذا ما لايمكن ان ينتجه العقل الشرقي لكون كل حزب وطائفة ومذهب وقومية يدعي لنفسه العصمة والقوة والحضوة دون غيره، فكل الاحزاب لاشيء سوى الحزب الفلاني، وكل الشخصيات فاسدة وسارقة وعميلة سوى الشخص الفلاني، وعلى هذه الشاكلة تستمد العملية الانتخابية في مجتمعاتنا مقوماتها فتكون موءدة في المهد، اي انها تموت قبل ان تولد.. وهذا الامر بلاشك منوط بشيء مركزي ورئيسي في اية عملية انتخابية على المرشحين والمرشحات والناخبين والناخبات، وبعبارة اخرى ان هذا الامر يتوقف على درجة الوعي الذي يمتلكه الشرقي حول مفهوم الانتخابات، وما يؤسف انه نظرياً قد يتفنن بالالفاظ والمفاهيم والمدلولات لكونه سليل البلاغة والبيان، ولكنه عملياً لايسعه الا ان ينافق، ويكون ممن يقول ما لايفعل؛ وهذا ما القى بظلاله على الواعين من ابناء مجتمعاتنا بحيث اصبح مقاطعة الانتخابات امراً شائعاً بين تلك الاوساط الواعية والمثقفة التي تعرف مسبقاً بحمسية الانتخابات وزيفها الايديولوجي والاعلامي والحزبي.