ايفاد المسؤولين سفرات مزاجية واصطحاب العائلات والاصدقاء
صادق الازرقي
في تموز 2023 قالت لجنتا العلاقات الخارجية والنزاهة في البرلمان الاتحادي، انهما بصدد متابعة ملف ايفادات المسؤولين لمنع أي هدر في الأموال العامة، ومحاسبة المخالفين للتوجيهات الحكومية، مشيرتان الى تواجد كثير من الشبهات في قضية ايفادات المسؤولين.
ويقول عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية عامر الفايز، أن ايفادات المسؤولين في جميع الحكومات كانت كثيرة جدا وبعضها تستمر لأيام طويلة؛ ويكون المشاركون بها بأعداد كبيرة، منوها الى أن هذا "الأمر يكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة، كما أن بعض الايفادات دائما ما تكون بلا أي فائدة في الحقيقة".
ويرى انه منذ تسلم رئاسة الحكومة من قبل محمد شياع السوداني، جرى تسجيل تراجع كبير بقضية ايفادات المسؤولين ووفر ذلك ملايين الاموال كانت تصرف على الايفاد، من سفر وفنادق وغيرها، بحسب قوله.
ويقول عضو لجنة النزاهة البرلمانية، باسم البركي، أن "التشديد الحكومي على قضية ايفادات المسؤولين أمر ضروري جداً، وهناك تراجع بقضية الايفادات، لاسيما أنه جرى تحديد يومين كحد أقصى لايفاد المسؤولين، مع تقليل عدد أشخاص الوفد، وحصر قضية الايفاد بالقضايا المهمة، التي توجب تواجد المسؤول خارج العراق".
وفي وقت سابق، أصدر رئيس مجلس الوزراء توجيهات إلى الشخصيات القيادية في المؤسسات الحكومية بضرورة تقليل الإيفادات بخاصة للوزراء والوكلاء التي لوحظ زيادتها في الآونة الأخيرة وبما يؤثر على عمل الوزارات، بحسب قوله.
ويقدر المحلل السياسي أحمد الشريفي، إن نحو 70% من ايفادات المسؤولين الى خارج العراق، ليست فيها أي منفعة حقيقية للعراق، بل أغلب تلك الايفادات تكون عبارة عن سفرات سياحية للمسؤولين، بل بعض الايفادات تشمل حتى عائلات المسؤولين، وهذا كله من خزينة الدولة، على حد وصفه.
وهو يرى ان ملف ايفادات المسؤولين من "أخطر" ملفات الفساد المالي والإداري، لاسيما أن هناك الكثير من المسؤولين بدرجات عليا، يكون عملهم خارج العراق بوساطة الايفاد أكثر من عملهم في داخل مؤسساتهم الحكومية في داخل البلاد.
ويقول مراقبون ان المسؤولين الحكوميين يستغلون مناصبهم وسلطة أحزابهم للحصول على إيفادات من غير أي مسوغ حقيقي، سوى تهريب الأموال ولمصالح شخصية وحزبية، وأحيانا كثيرة للسياحة، بحسب تعبيرهم.
وتكلف الإيفادات الخارجية خزينة الدولة ملايين الدولارت بحسب مصادر برلمانية، إذ جرت العادة أن يصطحب المسؤول أفراد عائلته وحتى أصدقاءه، ويمكنه تمديد مدة الإيفاد إذا أراد، على حد قولهم.
وكان مجلس الوزراء قد أصدر نهاية عام 2022 قرارا بشأن مبالغ الايفادات والسفر إلى الخارج، فيما وافق على إصدار التعليمات الخاصة بتسهيل تنفيذ قانون إلغاء الامتيازات المالية للمسؤولين.
وبشأن ايفاد المسؤولين الحكوميين، شدد المجلس على ضرورة تعديل آليات السفر على وفق المعايير القانونية الصحيحة، وبالطريقة التي تحقق الأهداف المرجوّة من الإيفاد، وتحقق المصلحة العامة الى جانب ضبط الإنفاق.
ومن ضمن المحددات التي اشترطها مجلس الوزراء، انه لا يجوز إجراء المناقلة من أي حساب الى حساب السفر والإيفاد، وألا يجري دفع "مصاريف الجيب" بشأن الإيفادات التي تتحمل الجهة الداعية فيها نفقات الإقامة وتذاكر السفر لعدم توافر التخصيصات المالية، وكلا الامرين بحسب المراقبين، كان يجري خرقهما بصرف الاموال غير المخصصة للايفاد اصلا، وسحب الاموال من الخزينة حتى اذا كانت الجهة الداعية هي التي تصرف على الموفدين.
وكان متخصصون قد اشاروا الى ان "الإيفادات الخارجية" صارت بعد عام 2003 أحدى أكبر أبواب الفساد التي يتنافس عليها المسؤولون في الوزارات كونها مدفوعة التكاليف مع شمول العائلة والأصدقاء.
وسبق أن أجبر البرلمان في العراق نتيجة الاحتجاجات الشعبية عام 2019، على إقرار قانون يلغي امتيازات المسؤولين إلا أن القانون ظل معطلا من غير تطبيق.
وكانت عضوة اللجنة المالية النيابية ماجدة التميمي قد انتقدت في سنة سابقة سحب الاموال لسفر الوفد العراقي برئاسة نائب رئيس الجمهورية في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الولايات المتحدة الامريكية.
وأوضحت ان، اللجنة المالية شكلت لجنة مصغرة منها "تتابع صرفيات وايفادات المسؤولين في الدولة وكيف وأين صرفت لاسيما مع وجود الكثير من الخروقات في هذا الجانب "، مشيرة الى ان " تقرير ديوان الرقابة المالية في عام 2011 اشار الى ان هناك الكثير من اللجان التحقيقية حول الخروقات المالية لم يتم تشكيلها لحد الآن".
وبينت وثيقة أن رئيس جمهورية سابق صرف مبلغ مليوني دولار لتغطية نفقات سفرته إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في الدورة الـ 66 لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2011 مما اثار حفيظة بعض النواب، بحسب قول برلمانيين.
ويقول الباحث عبد الخالق فلاح، ان الميزانية تعتمد للسنوات 2023 و2024 و2025 على ضبط اعداد الايفادات غير الضرورية الى خارج العراق للعاملين في مؤسسات الدولة، ويجب أن يشمل ذلك السلطات الثلاث "التشريعية والقضائية والتنفيذية"، مشيرا بالقول الى ان اكثر الايفادات كانت لها مسوغات غير واقعية سوى تهريب الأموال وإبرام العقود المربحة لصالح شخصيات و اغراض حزبية لا تمس المسؤوليات المناطة بهم واستنزفت المليارات من الدولار وبعقود واهية، على حد قوله.
ويضيف فلاح، ان المطلوب، العمل بجدية على تقليل الايفادات ومراقبة مبعوثيها لتحقيق الاهداف، إلا في حالة الضرورة القصوى، ويمكن المعالجة بإقامة دورات داخلية في شتى التخصصات المؤسساتية، فضلا عن جلب الخبراء الى بغداد وبقية المحافظات من دون ذهاب المسؤولين الى الايفادات بحجج واهية وصرف الأموال التي تمثل عبئا ماليا كبيرا على موازنة العراق الاتحادية لما تحتويه من مخصصات ومصروفات هائلة، بحسب قوله، لافتا الى أنّ العراق ينفق سنوياً ملايين الدولارات كـ ( مخصصات ايفاد) غير مبررة لموظفين ومسؤولين في الحكومة تستنزف خزينة الدولة باصطحاب أكبر عدد من حاشيتهم في سفرات خارجية لم تأتي بالنفع والفائدة لمؤسساتهم وللبلاد، والمفارقة هنا انه يمكن للمسؤول تمديد أيفادهِ لمدة أطول حين يطيب لهُ الجو، بحسب تعبيره.
ولقد كشفت مصادر حكومية وبرلمانية متعددة ما تنفقه الدولة سنويا على سفر المسؤولين إلى الخارج، في سياق ما يُعرف محلياً بـ "الإيفادات الخارجية"، بأكثر من 30 مليون دولار، ويشمل ذلك رئاسة الجمهورية ورئاستَي الوزراء والبرلمان والوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى في البلاد؛ وتؤكد المصادر ذاتها على أن "تلك التكلفة هي الأعلى على مستوى دول المنطقة، لا سيّما أنّ العادة جرت أن يصطحب المسؤول عائلته أو حتى أصدقاءه في سفره المخصص لمهام رسمية للمصلحة العامة"، وبينت المصادر أن العجز المالي في الموازنة تجاوز 64 تريليون دينار مما يتطلب من المالية النيابية تقليل نفقات الايفادات الى 3 ملايين دولار سنويا بدلا من 30 مليونا التي تذهب معظمها إلى جيوب المسؤولين بعنوان نفقات الايفاد، على حد وصفهم