الهجرة الى اوروبا وأقنعة العبور المرّ
كفاح محمود كريم
يضطر قسم من المهاجرين الى (الجنة الموعودة أوروبا) اختلاق وتأليف قصص مأساوية من خيالهم الخصب والمتخم بألم مغامرة الرحيل الى تلك الجهة من الكرة الأرضية لتمرير وتبرير لجوئهم، وقد شهدتُ شخصياً حالات كثيرة واستمعت الى الكثير من تلك القصص والروايات التراجيدية، ولعل أكثرها سخرية تلك التي يتقمص صاحبها ديناً ليس دينه أو مذهباُ ليس مذهبه بل وقومية أو عرقاً ليس مما يوصف حقيقته، كل ذلك من أجل قبول لجوئه، ومعظم تلك القصص مبررة للتغطية على حقيقة هجرته وأسبابها ولا أقصد هنا الجميع ولكن هناك ظاهرة متداولة ومبررة لدى كثير من المحامين في تلك الدول وخاصة في أوقات الحروب والكوارث التي تصنعها الأنظمة الطاغية والأحداث الكارثية كما حصل في غزوات داعش الإرهابية ضد المكونات غير المسلمة مثل الإيزيديين والمسيحيين والشيعة والكاكائيين والعلويين وفتح أبواب اللجوء والهجرة لهم في دول أوروبا وغيرها، وقد تقمص العديد من اللاجئين مأساتهم وادعوا انتسابهم لهم، كما قام غيرهم ببهلوانيات أخرى لتمرير عبوره ولجوئه وخاصة أولئك الهاربين من الخدمة العسكرية أو المحكومين غيابيا بأحكام على جرائم جنائية لا علاقة لها مطلقاً بحرية الرأي أو الاضطهاد القومي أو الديني أو السياسي، كالقتل والسرقات والاختلاس والمخدرات وزنا المحارم والاغتصاب، وقد بانت حقيقة كثير منهم بعد سقوط أنظمتهم والاطلاع على ملفاتهم الشخصية، خاصة أولئك الذين عادوا ليمثلوا أدوار المعارضين السياسيين وضحايا الأنظمة الدكتاتورية.
ومن بشاعة اللعب على الحبلين أن العديد من هؤلاء الممثلين اللاجئين عادوا الى أوطانهم بعد أن حصلوا هناك في بلدان المهجر على مواطنيه تلك الدول وتقاعدها، عادوا للبحث عن حقوق مفترضة بل وتبوؤا مناصب مهمة في دولهم الأصلية مع تعويضات خيالية، ولعله من المفيد أن نذكر أن افواجاً جديدة تأثرت بهؤلاء الممثلين البارعين في صناعة قصص للعبور بها الى تلك الجنان على حساب أوطانهم بل وفي كثير من الأحيان حتى على أنظمتهم السياسية بادعائهم أنها اضطهدتهم بينما الحقيقة انهم كانوا أكثر الناس استفادة منها ولم يكن هروبهم ولجوئهم إلا بسبب تداعيات جرائم اقترفوها بحق المجتمع والدولة وليس بحق النظام السياسي.
وما حدث مؤخراً من أحد الأشخاص في حرقه للقرآن وادعائه بالاضطهاد إلا واحدة من تلك القصص التي يتم استثمارها وممارستها لإثبات مصداقية القصص المؤلفة للحصول على مواطنية تلك الدول وهي ليست غريبة أو الأولى من نوعها لكن الغريب ردود الأفعال المبالغ بها دون دراية، حيث منحت تلك الردود ذلك الشخص وأمثاله سمة الدخول لدول المهجر وحمايتها، فقد أثبتت تطورات الأحداث في بغداد والاستثمار السيء للحدث بأن من يقف وراء تلك الانفعالات إما يتاجر بشعارات ومزايدات لتمرير برامج معينة لاستثمارها انتخابياً، أو لإعطاء أفواجٍ أخرى من الشبيبة فرصة لاستثمار تداعيات تلك الردود لصناعة قصص جديدة للهجرة، وفي كلا الحالتين لم يستفد من كل ما جرى إلا الذين ذكرناهم آنفا مع مافيات تهريب البشر وأصحاب القصص والمغامرات ومن ينوي تقليدها لاحقاً، ناهيك عن كونها سلماً يستخدمه مهرجو الانتخابات في استثمار تداعياته كحدث سياسي او طائفي او ديني كدعاية انتخابية مبكرة ورسائل تساهم في تكريس أكذوبة حماة الدين والعرض والأرض من متسلقي سلالم السلطة وأدواتها!