الموقف القانوني من قضايا الانتحار
القاضي ناصر عمران
الظاهرة الإجرامية سلوك إنساني يحدث في المجتمع اضطرابا بسبب خرقه لقواعد الضبط الاجتماعي، والأسباب قد تكون فردية أو مجتمعية وفي كلتا الحالتين تحدث اضطرابا في العلاقات الاجتماعية. والانتحار ظاهرة اجتماعية تحولت الى ظاهرة اجرامية بعد ان ازدادت معدلاتها حيث سجلت محافظة ذي قار اعلى معدلات بنسب الانتحار الامر الذي حدا بالسلطة المحلية فيها الى تشكيل لجنة مختصة لبيان اسباب ارتفاع معدلات الانتحار ومعالجتها. والسلوك الانتحاري : هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته.
ويرى آخرون أنه قتل النفس تخلصا من الحياة، وقد اختلفت الآراء حول الانتحار . فيرى عالم النفس (سيكموند فرويد ) بانه ردة فعل داخلية لفشل التعبير عن الذات خارجيا الامر الذي يرتد على الذات فيدمرها في حين يراه عالم الاجتماع (دور كايم) ظاهرة اجتماعية وانطلاقا من أطروحته الشهيرة “الاجتماعي يفسر بما هو اجتماعي”، فلا يمكن تفسيرها عمليّا وعلميا إلا بالبحث عما هو اجتماعي فيها.
فقد توصل “دور كايم” إلى مجموعة من العوامل المؤثرة في ظاهرة الانتحار، منها ما هو ديني ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سوسيو ثقافي إلى ما هناك من العوامل. لكن أهم نتيجة توصل إليها عالم الاجتماع الفرنسي هي النمذجة المثالية للانتحار، والتي تتبع الظاهرة من خلال الملاحظة والفرضيات والإحصائيات والنتائج للخلوص إلى نماذج مثالية في الظاهرة. وهو ما توفق فيه “دوركايم” إلى أبعد حدود في كتابه (الانتحار). واكثر الطرق شيوعا في السلوك الانتحاري الشنق والتسمم بواسطة المبيدات الحشرية والأسلحة النارية. وان نسبة الذكور اكثر من نسبة الاناث المسجلة في الاحصائيات الرسمية .
والموقف القانوني من ظاهرة الانتحار يتمثل بتحقيق الردع وفرض العقاب على المحرض أو المساعد على القيام بفعل الانتحار وقد وضع النص العقابي بما يتلاءم وخطورة التحريض والمساعدة كسلوك مجرم ادى الى قيام الشخص بإزهاق روحه عمدا.
الموقف القانوني من جريمة التحريض أو المساعدة على الانتحار
كما هو حال معظم القوانين العقابية في العالم لم يعاقب المشرع العراقي على الانتحار ولا على الشروع فيه بل عاقب على فعل الاسهام في الانتحار فجرم من يحرض او يساعد على الانتحار وذلك في المادة (408) من قانون العقوبات خارجا بذلك عن القواعد العامة التي تقضي بان المساهمة في فعل مباح لا يشكل جريمة وعلة التجريم كما يراها المشرع تكمن في ان الانتحار يشكل خطرا على امن وسلامة المجتمع ،ويشترط لتحقق هذه الجريمة ما يشترط في الجرائم الاخرى وهو ان يصدر نشاط من الجاني يتمثل بالتحريض او المساعدة وان يترتب على هذا النشاط نتيجة هي الانتحار او الشروع فيه وان تكون هناك علاقة سببية بين النتيجة والنشاط يضاف الى ذلك ان هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر القصد الجرمي والمكون من العلم والإرادة. أما عقوبة الجريمة فهي السجن مدة لا تزيد على 7 سنوات إذا تم الانتحار ويعاقب بالحبس اذا شرع بالانتحار وهناك ظروف مشددة نصت عليها الفقرة (2) من المادة (408) من قانون العقوبات وهي ان المشرع شدد العقوبة في حالتين هما :
الاولى : تتمثل بحالة المنتحر الذي لم يتم الثامنة عشر من عمره او كان ناقصا الادراك والارادة وعلة التشديد تكمن في عدم اكتمال عناصر الاهلية بالنسبة لمن لم يتم الثامنة عشر من عمره تدفعه للانسياق وراء من يغريه بفعل الانتحار لعدم تقديره عواقب الامور كما هو حال الشخص البالغ الرشيد ونقص الادراك او الارادة كان يكون ذلك لعيب طارئ او مرض نفسي او عاهة عقلية انتقصت من ادراكه او حرية اختياره فاقدم على فعل الانتحار ويمكن للمحكمة بمقتضى المادة (136) عقوبات الحكم بأكثر من الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة وهي (السجن لمدة لا تزيد عن 7 سنوات او الحبس) بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد .
الحالة الثانية تتمثل بحالة المنتحر فاقدا للإدراك والإرادة وعلة التشديد أن شخص المنتحر لا يقدر نتائج أفعاله وليست لديه إرادة حرة وان قيام الجاني بتحريضه او تقديم المساعدة له هو من قبيل تسخير شخص غير مسؤول جزائيا من اجل انهاء حياته, وعليه يعاقب المحرض أو المساعد بعقوبة كعقوبة القتل العمد اذا تم الانتحار اما اذا اقتصر الفعل على الشروع فان الجاني يعد كأنه شرع في جريمة قتل عمد وبذلك نرى بان المشرع قد ساوى بين فعل المحرض أو المساعد على الانتحار وجريمة القتل العمد من حيث العقوبة. ونرى بان خروج المشرع عن القواعد العامة جاء لتحقيق اكبر قدر من الردع العام ومحاربة ظاهرة الانتحار عقابياً وهي حالة علاجية والمعول عليه في معالجة ظاهرة الانتحار تتمثل بمنظومة اجتماعية واقتصادية وثقافية تقوم بدراسة الظاهرة بشكك عام ووضع الحلول للحد منها وان المآخذ والانتقادات على موقف المشرع تتمثل بما نص عليه قانون العقوبات في الفقرة (3) من المادة (408) من قانون العقوبات والتي تنص (لا عقاب على من شرع في الانتحار) ونرى ضرورة ان يتم ايداع شرع بفعل الانتحار وذلك بإيداعه مؤسسة طبية علاجية ومراقبة سلوكه ويكون ذلك تحت اشراف اطباء من اهل الخبرة والاختصاص واختصاصي بالتحليل النفسي وعلم النفس وباحث اجتماعي ولا يتم السماح بإخراجه منها الا بتقارير الاطباء والمختصين .