المواطن التركي، ميوله ومواقفه
شوان زنكَنة
تمهيد
أجرى مركز "يون أيلام للأبحاث الاجتماعية" "Yöneylem Sosyal Araştırma Merkezi" استطلاعا للرأي في عيّنة عشوائية، غير منتقاة، حجمها (2400) شخص، من (27) محافظة تركية، في الفترة بين 28-29/12/2023، وذلك لجس نبض الشارع من خلال طرح تسعة أسئلة، تخص الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وقد أعطت الإجابات فكرة واضحة عن ميول الناخبين الأتراك حول معايشتهم لهذا الواقع، وتفاعلهم معه.
1- الأسئلة التسعة
وقد تم طرح الأسئلة التالية عليهم:
السؤال الأول: إذا جرت الانتخابات النيابية هذا الأسبوع، فما هو الحزب الذي ستدعمه؟
وجاءت الإجابات كالآتي:
* حزب العدالة والتنمية: 33.3%، في حين كانت النسبة 36.3% في انتخابات أيار العام الماضي.
* حزب الشعب الجمهوري: 25.2%، بينما كانت 25.8% في انتخابات أيار
* حزب الحركة القومية: 10.3%، وهي نفس النسبة التي حصل عليها في انتخابات أيار
* حزب الجيد: 5.5%، بينما كانت النسبة 9.9% في انتخابات أيار
* حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الكردي: 9.4%، فيما كانت النسبة 9% في انتخابات أيار.
* حزب الرفاه من جديد: 5%، في حين كان قد حصل على 2.9% في انتخابات أيار.
* حزب الظفر: 4%، في حين كان قد حصل على 2.23% في انتخابات أيار.
* حزب العمال التركي: 2.2%.
* الأحزاب الأخرى: 5.1%.
السؤال الثاني: كيف تُقيِّمُ الإدارةَ السياسية لتركيا؟
وجاءت الإجابات كالآتي:
* إدارة سيئة: 56.4%
* إدارة ليست سيئة ولا جيدة: 17.7%
* إدارة جيدة: 24.2%
* ليس لدي رأي: 1.6%
السؤال الثالث: أي الأحزاب التركية بمقدوره حلّ المشاكل التي تعاني منها تركيا؟
وجاءت الإجابات كالآتي:
حزب العدالة والتنمية: 27%
* حزب الشعب الجمهوري: 15.6%
* حزب الحركة القومية: 4.1%
* حزب الجيد: 1.6%
* حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الكردي: 3.8%
* حزب الرفاه من جديد: 3.4%
* حزب الظفر: 2.9%
* حزب العمال التركي: 1.2%
* الأحزاب الأخرى: 5.7%
* ليس أي واحد منها: 34.8%
السؤال الر ابع: كيف تُقيّم إنجازات أردوغان؟
وجاءت الأجوبة كالآتي:
* فاشلة: 43%
* ناجحة: 36.6%
* لا فاشلة ولا ناجحة: 19.6%
* لا أعلم/ لا جواب: 0.8%
السؤال الخامس: ما رأيك بمقولة: مصدر كافة المشاكل هو السياسة الاقتصادية الخاطئة؟
وجاءت الإجابات كالآتي:
* اتفق كليا مع هذه المقولة: 51.5%
* لا اتفق كليا: 10%
* لا اتفق: 7.6%
* اتفق: 21.3%
* اتفق ولا اتفق: 7.4%
* لا أعلم/ لا جواب: 2.2%
السؤال السادس: ما رأيك بمقولة: المشاكل الاقتصادية ناجمة عن هجماتِ قِوىً خارجية؟
وكانت الإجابات كالآتي:
* لا اتفق كليا: 36.7%
* لا اتفق: 16.5%
* اتفق ولا اتفق: 9.2%
* اتفق: 16.6%
* اتفق كليا: 18.6%
* لا أعلم/ لا جواب: 2.4%
السؤال السابع: ما رأيك بمقولة: أن النظام الرئاسي هو سبب المشاكل الاقتصادية؟
وجاءت الإجابات كالآتي:
* لا اتفق كليا: 21.4%
* لا اتفق: 13.9%
* اتفق ولا اتفق: 8.6%
* اتفق: 16.7%
* اتفق كليا: 37.1%
* لا أعلم/ لا جواب: 2.3%
السؤال الثامن: ما رأيك بمقولة: أن المشاكل الاقتصادية نتجت عن المحسوبية وعدم كفاءة مَن يدير البلد؟
وكانت الإجابات كالآتي:
* لا اتفق كليا: 9.7%
* لا اتفق: 8.7%
* اتفق ولا اتفق: 6.7%
* اتفق: 19%
* اتفق كليا: 54.4%
* لا أعلم/ لا جواب: 1.5%
السؤال التاسع: هل تُصوَّبُ وتؤيّدُ تنفيذَ مشاريع مشتركة بين المدارس التركية والجماعات الدينية، والتي أعلن عنها وزير التربية والتعليم؟
نعم أُصوِّبُ: 15.8%
لا أُصوِّبُ: 77.4%
لا إجابة: 6.8%
2- الرصد والتحليل:
يجب أن نعلم، ابتداءً، أن هذا الاستطلاع، وإن جاء من مركز أبحاث مرموق، إلا أنه يبقى لا يمثل كامل الحقيقة، وإنما يعطي فكرة عامة عن ميول وتوجهات المواطن التركي، يمكن الاستناد إليه لرصد الوضع العام في تركيا، وجس نبض الشارع، ومن ثَمَّ، تشكيل التحليل المناسب لهذه الميول.
ولنرصد الأسئلة واحدة تلوَ الأخرى، ونقوم بتحليل إجاباتها، وكالآتي:
تحليل السؤال الأول: إذا جرت الانتخابات النيابية هذا الأسبوع، فما هو الحزب الذي ستدعمه؟
تبدو نسبة أصوات حزب العدالة والتنمية قد انخفضت، قليلا، ولكن الحزب، يظهر وكأنه محافظ على قاعدته الصلبة التي تجعله الحزب الأكبر في تركيا، أما حزب الشعب الجمهوري، فيبدو أن تغيير رئيسه لم يفلح في المحافظة على نسبة أصواته، ناهيك عن رفعها، وهذه إشارة واضحة إلى استمرار هشاشة قيادة المعارضة تجاه أردوغان وحزبه، وهذا يعني أن الحكومة ستستمر بأريحيتها في الحكم، في ظل معارضة هشة، لا تملك ما تقدمه للشعب.
حافظ حزب الحركة القومية على نسبة أصواته، قياسا بالانتخابات السابقة، وذلك بسبب تحالفه مع حزب العدالة والتنمية، ودوره الفاعل في الحكم، وإدارة الدولة العميقة، بينما هناك هبوط لأصوات الحزب الجيد، المنشق عن حزب الحركة القومية، إلى النصف تقريبا، وذلك بسبب مواقف الحزب المتذبذبة، وظهور إشارات لتوجّه رئيسها نحو التحالف مع الائتلاف الحكومي، خاصة وأن معظم قواعد الحزب هو من التيار القومي المحافظ، وأعتقد أن المانع من هذا التحالف هو معارضة الموالين لجماعة فتح الله غولن، الذين يمثلون نسبة لا يستهان بها داخل الحزب.
أما الحزب الذي يعتبر نفسه ممثلا لأكراد تركيا، حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الكردي، فيبدو أنه يحافظ على أصواته، مع شيءٍ من النمو، إلا أن قدرته على إقناع الشعب الكردي لا تزال ضعيفة، بل هي في تراجع، والسبب الرئيسي في ذلك، هو إرادته المسلوبة من قبل حزب العمال الكردستاني، الذي فقد الكثير من جماهيره بسبب إصراره على استمرار الحرب، وخضوعه لإرادات إقليمية (إيران)، وعالمية (أمريكا، وفرنسا، وروسيا).
ونلاحظ، بوضوح، وجود طفرة كبيرة في أصوات حزب الرفاه من جديد، ويمكن أن نَعْزُوَ ذلك إلى توجّه الشريحة الإسلامية المنفصلة عن حزب العدالة والتنمية، ومعظم قواعد حزب السعادة، والكثيرين ممن لم يجدوا ما كان يأملونه من حزبي علي باباجان وأحمد داود أغلو، إلى حزب الرفاه من جديد، الذي أثبت بعض المواقف الثابتة في طبيعة تحالفه مع الائتلاف الحاكم من جهة، وفي تناوله الحازم والمتزن للقضايا المحلية والإقليمية، من جهة أخرى.
كما ويمكن ملاحظة تضاعف أصوات حزب الظفر، الذي يرأسه، اليميني القومي المتطرف، أميد أوزداغ، وهذه إشارة واضحة إلى نمو النعرة القومية اليمينية، بموازاة، زيادة العواطف الإسلامية المتطرفة، التي اتجهت نحو حزب الرفاه من جديد، والذي استطاع، بخطاباته، أن يستقطبها.
أما الأحزاب الأخرى، فيبدو أن الاستطلاع يشير إلى اضمحلالها وتلاشيها مستقبلا، أو بقائها ضعيفة غير مؤثرة على الساحة السياسية، مع ملاحظة أن هذا الاستطلاع جرى على عينات تمثل جزءا محدودا من الشعب، ولكنه في نفس الوقت، يعطي صورة عامة، وتقريبية عن الواقع التركي.
تحليل السؤال الثاني: كيف تُقيِّمُ الإدارةَ السياسية لتركيا؟
الاستطلاع أظهر تقييما سيئا بنسبة حوالي 56% من المواطنين المستطلَعِ آراءهم، وتقييما جيدا بأقل من نصف ذلك، وبنسبة حوالي 24% من المصوِّتين، وهذا يعني أن هناك شريحة واسعة من الشعب التركي غير راضيةٍ عن إدارة البلد، بينما نلاحظ في نفس الوقت، أن عدم الرضا هذا لم ينعكس على صناديق الاقتراع في الانتخابات السابقة، ويبدو أنه سوف لن ينعكس في الانتخابات القادمة، على المدى المنظور، ويعود ذلك إلى عدم وجود البديل من جهة، والخلل في النسيج الاجتماعي، الذي دفع بالتيار الإسلامي والقومي، إلى قبول هذه الإدارة، على علاتها، من جهة أخرى.
تحليل السؤال الثالث: أي الأحزاب التركية بمقدوره حلّ المشاكل التي تعاني منها تركيا؟
حوالي ثلث المصوتين لا يثقون بقدرة كافة الأحزاب التركية على معالجة المشاكل المزمنة، وهذا ناقوس خطر، إذ سيؤدي، إذا استمر، إلى العزوف عن الانتخابات والمشاركات الديمقراطية.
وقد حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة ضئيلة، 27%، من ثقة المصوتين بقدرته على حلّ المشاكل التي يعاني منها الشعب التركي، ويعود السبب إلى سوء إدارته للاقتصاد في السنين الأخيرة، وإصراره غير المبرَّر في استمرار الاقتتال مع حزب العمال، وتراجعه عن مشروع السلام في تركيا، وشعور التيارات المعارضة له بتعاظم الشرخ في النسيج الاجتماعي.
تحليل السؤال الر ابع: كيف تقيّم إنجازات أردوغان؟
تقييمُ المصوتين على إنجازات أردوغان متقاربة، بين فاشلة، 46%، وناجحة، 36.6%، والسبب في هذا التقارب هو اختلاف زوايا النظر من الطرفين، فالطرف الذي يعتقد أن هذه الإنجازات فاشلة، يرى أنها غير مجدية، ولا ضرورة لها في الوقت الراهن، وتثقل كاهل الموازنة العامة التي هي تعاني من العجز ابتداءً، ناهيك عن أنهم يعتبرونها إنجازات لأغراض انتخابية، أما الطرف الذي يعتقد أنها إنجازات ناجحة، فإنه يعتقد أنها نقلت تركيا إلى مصافي الدول المتقدمة، وعززت الدور الإقليمي والعالمي لتركيا، وأنها ضرورية لهذه المرحلة.
تحليل السؤال الخامس: ما رأيك بمقولة: مصدر كافة المشاكل هو السياسة الاقتصادية الخاطئة؟
حوالي ثلاثة أرباع المصوتين، يعتقدون أن السياسة الاقتصادية الخاطئة لأردوغان وحكومته هي مصدر كافة المشاكل التي يعاني منها الشعب التركي، وهذا أمر واقع، ملموس، ولهذا جاءت الإجابات بهذه النسبة العالية، ويبدو أن أردوغان أحسّ بهذا الخطأ، والخطر، فقام بتغيير سياسته الاقتصادية، من خلال تغيير الكوادر الفنية والبيروقراطية، ووضع استراتيجية اقتصادية جديدة.
تحليل السؤال السادس: ما رأيك بمقولة: المشاكل الاقتصادية ناجمة عن هجماتِ قِوىً خارجية؟
أكثر من نصف المصوتين لا يرون وجود هجمات خارجية على تركيا، ويعتبرون هذا التوجّهَ وهمٌ يُستخدَم لتخدير الشريحة الموالية للسلطة، لضمان تحشيدها والتفافها حول الائتلاف الحاكم، بينما يرى حوالي ثلث المصوتين أنه هناك هجمات شرسة من الغرب، ومن الصهيونية، ومن الشرق، على نظام الحكم في تركيا، بهدف إسقاطه، وتقسيم تركيا، وهذا الثلث يمثل أصوات التيار اليميني القومي المتطرف، والتيار الإسلامي المتأثر باليمين القومي.
تحليل السؤال السابع: ما رأيك بمقولة: أن النظام الرئاسي هو سبب المشاكل الاقتصادية؟
كذلك في هذا السؤال، كسابقه، يرى أكثر من نصف المصوتين أن النظام الرئاسي، والتفرد بالسلطة، هو سبب المشاكل الاقتصادية، ويستدلون على ذلك بتدخل أردوغان وتفرده برسم السياسات الاقتصادية، وتجريد البنك المركزي من استقلاليته، بينما لا يرى حوالي ثلث المصوتين كون النظام الرئاسي سببا للمشاكل الاقتصادية، على الرغم من قبول معظمهم وجود هذه المشاكل، بل هم، وعلى العكس، يعتبرون النظام الرئاسي، هو سببًا للاستقرار، وهو أفضل من أنظمة الحكم الائتلافية، وهذا الثلث، هو الثلث القومي اليميني، والإسلامي، المساند للسلطة.
تحليل السؤال الثامن: ما رأيك بمقولة: أن المشاكل الاقتصادية نتجت عن المحسوبية وعدم كفاءة مَن يدير البلد؟
يتفق حوالي ثلاثة أرباع المصوتين مع كون عدم الكفاءة في الإدارية والمحسوبية والمنسوبية تسببت فيما يعانيه الشعب التركي من مشاكل اقتصادية، مستدلين بالعديد من الوقائع التي أثبتت هذه القناعة السائدة لدى أفراد الشعب، وعدم قبول حوالي 20% من المصوتين، فقط، لهذا الرأي، يدل بوضوح أنه هناك شريحة، لا يستهان بها، داخل التيارين القومي والإسلامي المساند للسلطة، ترى أن المشاكل الاقتصادية نتجت عن المحسوبية، وعدم كفاءة مَن يدير البلد.
تحليل السؤال التاسع: هل تُصوَّبُ وتؤيّدُ تنفيذَ مشاريع مشتركة بين المدارس التركية والجماعات الدينية، والتي أعلن عنها وزير التربية والتعليم؟
الأكثرية الساحقة للشعب التركي، أكثر من ثلاثة أرباع المصوتين، لا يؤيدون تدخّل الجماعات الدينية في شؤون الدولة، وبالأخص في الشأن التربوي والتعليمي، مستدلين بتدخّل جماعة فتح الله غولن في التعليم ونفوذها في الدولة العميقة، ويعتبرونها تجربة سيئة جدا، لا يجب تكرارها، وبالمقابل، لا يزال هناك من يحبذ وجود دور للجماعات الإسلامية في التعليم، وبنسبة حوالي 15%، وهم يمثلون المتشدّدين من التيارين القومي والإسلامي.
الخاتمة
يتبين مما سبق، أن إدارة أردوغان، بدأ يتراجع عن بعض أخطائه، وبالأخص، الاقتصادية منها، ويبدو أنه يرغب بمسار اقتصادي جديد، ولكنه، لا يزال، في منظور المواطن، ليس بالشخص الكفوء والمستحق لتأييده، وأن قبوله ناجم عن عدم وجود البديل، وأن التيار الإسلامي، والقومي اليميني، مساند للسلطة ومتوغل في أعماق الدولة، وأنهما يمثلان حوالي ثلث الشعب التركي، ويحوزان على تأييد شعبي موال لهما، بسبب كون الشعب التركي، بشكل عام، شعبا محافظا، ووطنيا، وقوميا، يحب السلم، ويكره الحرب والعنف، ويتحمل الأزمات الاقتصادية، وأن الفرصة سانحة لأردوغان، محليا، وعالميا، للاستمرار في الحكم، والفوز بالانتخابات القادمة، في المدى المنظور، إذا راعى ميول المواطن، وسعى، بالفعل، إلى تقليل الخدش في النسيج الاجتماعي، وسعى إلى السلام في تركيا، وفي الشرق الأوسط.
أوصي بمتابعة ورصد ميول المواطن الحقيقية، من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، المحلية والعالمية، المعنية بالشأن التركي، وبحركة توجهات مواطنيه وميولهم، وبشكل مستمر، وإعداد الأبحاث بهذا الخصوص، وذلك لتشكيل تصور سليم، وحقيقي، للواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي التركي من جهة، وتنوير الرأي العام المحلي والعالمي بها من جهة أخرى.