المظاهرات في إقليم كوردستان بين السلمية والأعمال الإرهابية

المظاهرات في إقليم كوردستان بين السلمية والأعمال الإرهابية

د. نايف كوردستاني

2020-12-10T18:29:07+00:00
من حق الشعوب أن تتظاهر للمطالبة بحقوقها المشروعة وفق المعاهدات والدساتير والاتفاقيات والقوانين الدولية وكذلك من حق مواطني إقليم كوردستان أن يتظاهروا سلميًا ويعبروا عن رأيهم ولاسيما في مسألة ( الرواتب ) ولا يختلف فيها اثنان ولا يتناطح فيها كبشان وهذا مشروع ولا إشكال في ذلك وهنا يجب أن نقف عند بعض المسائل ألا وهي ؛ من يقف وراء قطع الرواتب ومتى ظهرت هذه المشكلة ؟
ومن المتسبب الرئيسي بقطع رواتب موظفي كوردستان ؟
هل الإشكالية تكمن في الحكومة الاتحادية بعدم إرسالها للرواتب أو أنها ترسل ولكن حكومة إقليم كوردستان لا تسلم الرواتب إلى موظفيها ؟!
هل الحكومة الكوردستانية بنسختها الثامنة تشكلت من الحزب الديمقراطي الكوردستاني فقط أو أن هناك أحزابًا كوردستانية أخرى مشاركة في الحكومة ؟!
هل حكومة إقليم كوردستان ضد إقامة المظاهرات لموظفي كوردستان وغيرهم ؟
ما دور بعض الأجندات الإقليمية والأحزاب والفصائل المسلحة في المظاهرات التي حدثت ببعض مدن ومناطق من محافظة السليمانية ؟!
كيف كانت سلوكيات المتظاهرين ؟!
ما علاقة هذه المظاهرات باتفاقية أربيل وبغداد فيما يخص شنگال ؟
للوقوف عند بعض هذه المسائل وتوضيحها للشارع الكوردستاني وإماطة اللثام عن بعض الحقائق التي يجهلها كثير من الناس فلنرجع إلى الدستور العراقي ولاسيما للمادة(14): "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ".
فهذه المادة الدستورية واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار فلا يوجد أي فرق بين مواطني إقليم كوردستان والمحافظات العراقية فالجميع يعاملون معاملة متساوية من حيث الحقوق والواجبات والمستحقات فكما أن كثيرًا من المواد الدستورية قد عطلت وبعضها قد همشت وبعضها قد أشبعت بالأتربة ومنها هذه المادة وغيرها ولا نريد الخوض فيها الآن .
إن من يقف وراء قطع رواتب إقليم كوردستان وحصته من الميزانية هو رئيس الوزراء السابق ( نوري المالكي ) الذي قرّر في سنة 2014 بقطع حصة إقليم كوردستان من الموازنة فمن هنا سُنّت تلك السنة السيئة فضلًا عن ذلك عدم تشريع قانون النفط والغاز من قبل الحكومة الاتحادية، فحال الموظف في إقليم كوردستان كحال الموظف في المحافظات العراقية فالرواتب لا علاقة لها بالخلافات السياسية بين أربيل وبغداد ولأن العراق ليست دولة بمفهوم الدولة  المؤسساتية ،فتجد الفوضى قائمة في القرارات والمواقف وليس مستبعدًا أن يكون قرار عدم إرسال رواتب موظفي إقليم كوردستان قد جاء من خارج الحدود العراقية !
والمتسبب بقطع رواتب موظفي كوردستان هي الحكومة الاتحادية التي تسير على نهج المالكي الذي سنّه أول مرة في سنة 2014 ولهذا تراكمت المشكلات في تلك الحقبة وإلى هذا اليوم ، ودخول مسلحي تنظيم داعش الإرهابي إلى الموصل وتكريت والأنبار والمناطق الكوردستانية خارج إدارة إقليم كوردستان ولم يتم تسليح قوات الپيشمرگة وتجهيزهم عسكريًا وصرف رواتبهم ومخصصاتهم  !
ولذا أن كثيرًا من الموظفين يعتقدون أن الحكومة الاتحادية ترسل الرواتب والحكومة الكوردستانية لا تسلّم الرواتب لموظفيها وتتهمها بالسرقة !
وهنا يجب أن نضع النقاط على الحروف المهملة لكي تتضح شكل بعض المفردات للمتلقي فليعلم المواطن الكوردي أن حصة إقليم كوردستان كانت 17% من الميزانية الاتحادية وبقدرة قادرة انخفضت إلى 12,67% على أي أساس منطقي انخفضت لا أحد يعرف سوى الاجتهادات الشخصية من الكتل السياسية في بغداد .
وقطعت هذه الحصة أيضًا بحجج واهية من ساسة الأحزاب الموالية وأتباع معسكر يزيد !
فحكومة إقليم كوردستان أبدت استعدادها لتسليم 250 ألف برميل وتسليم نصف عائدات المنافذ الحدودية للحكومة الاتحادية لكي تصل حصة إقليم كوردستان من الموازنة فتملصت الحكومة الاتحادية عن هذه الاتفاقية علمًا أن في حال عدم التزام حكومة إقليم كوردستان بهذه الاتفاقية المثبتة في الموازنة لسنة 2019 وعدم تسليم واردات النفط والمنافذ ستقوم الحكومة باستقطاع مبلغ الضرر ويتم تسليم رواتب موظفي إقليم كوردستان فإن هذا الأمر لم يحصل من قبل الحكومة الاتحادية فمن المؤكد أن المسألة واضحة جدًا !
ما لا يعرفوه الكثيرون أن الحكومة الاتحادية هي مديونة لإقليم كوردستان وهذا ما سنبينه بالأرقام لإزالة الغبار عن بعض الحقائق  للمتلقي :
في سنة 2014 أرسلت بغداد 2 ترليون دينار وبقي بذمتها 16 ترليون دينار !
وفي سنة 2015 أرسلت بغداد 2 ترليون دينار وبقي 12 ترليون و 241 مليار دينار بذمتها !
وفي سنة 2016 كانت حصة إقليم كوردستان من الموازنة 12 ترليون و 570 مليار دينار ولم يرسل منها شيئًا !
وفي سنة 2017 كانت حصة إقليم كوردستان من الموازنة 11 ترليون و 605 مليار دينار ولم ترسل منها شيئًا !
وفي سنة 2018 كانت حصة أقليم كوردستان من الموازنة 6 ترليونات و867 مليار دينار وبنسبة  12.67% أرسل منها 3 ترليون دينار فقط وبقي 3 ترليون و 867مليار دينار بذمتها !
وفي سنة 2019 كانت حصة إقليم كوردستان 9  ترليون و 610 مليار دينار فأرسلت بغداد 3 ترليون وبقي بذمتها 6 ترليون و 610 مليار دينار !
أما في سنة 2020 فلم يتم الإقرار على الموازنة نتيجة المظاهرات القائمة ببغداد والمحافظات الجنوبية .
وكانت حصة إقليم كوردستان 12.67%من الموازنة العامة وتم تحديد حصة قوات الپیشمرگة بــ 76 مليار دينار شهريًا وتصل مجموع نسبتها سنويًا إلى 912 مليار دينار سنويًا .
ولم يتم إرسال هذه الموازنة بل كانت هناك دفعات بقيمة 320 مليار دينار إلى إقليم كوردستان علمًا أن المبالغ المطلوبة من حكومة إقليم كوردستان هي 850 مليار دينار لتأمين رواتب موظفيها .
يتبادر إلى أذهان الكثيرين أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني هو الحزب الوحيد الذي شكّل الحكومة الكوردستانية ولكن هذه الصورة الضبابية موجودة عند كثيرين من الساسة والإعلاميين العراقيين !
إن حكومة إقليم كوردستان شكلّت من الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني وحركة التغيير  وهم يعلمون تفاصيل الاتفاقيات التي وقعت مع بغداد و مشتركون في اللجان التفاوضية أيضًا وبقية الأحزاب هم عبارة عن ( معارضة سياسية ) .
ومن المفارقات العجيبة لدى كتل المعارضة أنهم يطلبون من بغداد عدم إرسال رواتب موظفي إقليم كوردستان من خلال ممثليهم في مجلس النواب العراقي ويطلبون من الپرلمان الكوردستاني التدخل بصرف رواتب الموظفين !
إن حكومة إقليم كوردستان ليست ضد حرية التعبير أو المظاهرات السلمية وما حدث في بعض المناطق من محافظة السليمانية ليست متعلقة بحرية الرأي والتعبير أو المظاهرات السلمية بل إن ما جرى كان عبارة عن أعمال شغب وتخريب وإحراق وتدخل في خانة الإرهاب !
والمظاهرات يجب أن يتم الحصول على الموافقة من قبل مجموعة القائمين عليها من المحافظ وتحديد الزمن والمكان والغرض من المظاهرة وهذا لم يحدث بل كانت العمليات التخريبية على قدم وساق من قبل المخربين .
وكان هناك تخطيط سابق لهذا المشهد الذي حصل في مدينة السليمانية والأجندات الإقليمية كانت لها دور كبير في تشحين الشارع وتحريض المواطنين واستغلالهم من حيث المطالبة بحقوقهم وبحسب المعلومات أن المتضلعين في هذه العمليات التخريبية هم من الاستخبارات الإيرانية ( الاطلاعات ) وحزب العمال الكوردستاني  ( الــ PKK ) وجماعات من الحشد الشعبي وربع الله من الشُّطّار والعَيَّارين والأوباش والرعاع والشروگية والسيبندية والسرسرية والشلاتية وذيل الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمعارضة الكوردية !
ورُبّ سائل يسأل ما علاقة هذه الأطراف بكوردستان ؟!
بعد أن أثبتت الكتل السياسية ( الإسلام السياسي - الشيعي والسني ) فشلها في إدارة ملف الدولة فغضب الشارع العراقي عليهم وخرجوا بمظاهرات تندد بإسقاط الحكومة وذلك نتيجة انعدام البنى التحتية وتراجع الواقع التربوي والتعليمي والزراعي والاقتصادي وانتشار البطالة والأمية بأنواعها وعدم وجود فرص التعيين فقاموا بنقل تجربة الأعمال التخريبية إلى المناطق الهشة أمنيًا في بعض أطراف السليمانية كون كوردستان أصبحت يشار إليها بالبنان رغم ضعف الإمكانات المادية وهذا الأمر قد أغاض ساسة المنطقة الخضراء.
وما فعلته هذه العصابات بسليمانية بعيدة كل البعد عن المظاهرات السلمية والقيم المدنية بل كانت هناك عمليات لسرقة ممتلكات المقرات الحزبية والدوائر الحكومية وحرق المباني واستخدام الأسلحة والرمانات اليدوية واستعمال العبارات المسيئة تجاه الحكومة والأحزاب الكوردستانية .
وكانت هذه الأعمال الإرهابية بدعم وتغطية خاصة من قبل قنوات الفصائل الولائية والمعارضة الكوردية والتي تصب الزيت على النار  يحسبون أنهم يحسنون صنعًا !
وهذه الجماعات المشاركة تفكر أن تعيد مسلسل الخيانة الذي حدث في سنة 1996 عندما حاولت ( الاستخبارات الإيرانية مع حزب العمال الكوردستاني ومنظمة البدر والاتحاد الوطني ) لاحتلال أربيل وفرض هيمنتهم عليها !
وقديمًا قالوا :" مَنْ حفرَ حفرةً لأخيه وقعَ فيها " وهذا ما طبلت له جناح من أجنحة الاتحاد الوطني ورئيسها المشترك ( لاهور شيخ جنگي ) فقامت العصابات بحرق مقرات الأحزاب الكوردستانية بما فيها جناح الرئيس المشترك فإن لم يتدراك الأمر فإنه سيقع في الحفرة !
وقد صدق تقي الدِّين الهلالي قائلًا:
وليس يحيقُ المكْرُ إلَّا بأهلِه ...وحافرُ بئرِ الغَدْرِ يسقطُ في البئرِ
وكم حافرٍ لحدًا ليدفنَ غيرَه ...على نفسِه قد جَرَّ في ذلك الحفرِ
وكم رائشٍ سهمًا ليصطادَ غيرَه... أُصِيب بذاك السَّهمِ في ثغرة النَّحرِ  
وهيهات هيهات أن يفكروا بذلك والتاريخ يشهد لبطولاتنا ولقناهم درسًا لن ينسوه وقمنا بطردهم إلى الحدود الإيرانية !
إن هذه الأعمال معلومة من يقف خلفها ويحرّكها من خلف الستار والكواليس ولاسيما بعد اتفاقية أربيل وبغداد فيما يخص شنگال وذلك بإخراج الــ PKK منها وعلاقة الــ PKK بالحشد الشعبي والجمهورية الإسلامية الإيرانية وقيمة الواردات الكبيرة التي يحصلون عليها من عمليات التهريب في المثلث الحدودي.
إن المظاهرات السلمية مشروعة وفق المادة 38 ثالثًا من الدستور العراقي وكذلك في قانون رقم 11 لسنة 2010 بإقليم كوردستان .
فهل ما حدث هي مظاهرة سلمية أو أعمال عدوانية وإرهابية بمباركة الأجندات الإقليمية ؟!
Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon