المسيحيون وأهل السنة.. في خندق تهميش واحد
شوان زنكَنة
يعاني المسيحيون في عراق ما بعد 2003م، حالهم حال أهل السنة، من تدمير بنيتهم الاجتماعية والاقتصادية، ومن تفكيك نسيجهم القومي والديني، ومن تهميش وجودهم داخليا، وخارجيا.
وجاءت أزمة كاردينال الكلدان لويس ساكو، كامتداد لتلك المعاناة، والتدمير، والتهميش، الداخلي والخارجي، ولكن هذه المرة جاءت الضربة على يد السيد رئيس جمهورية العراق، إذ أقحموه فيما لا يعنيه، وما لا يحق له القول فيه، فجعلوه يصدر مرسوما جمهوريا يقضي بإلغاء المرسوم الجمهوري البروتوكولي السابق الذي كان قد أقرَّ بكاردينالية لويس ساكو على المسيحيين الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم.
ويبدو أن هذا المرسوم الجمهوري، الذي هبَّ وفق ما تشتهيه سفن الميليشياويين الريانيين، سيدفعنا إلى إلقاء الضوء على حال المسيحيين في العراق، الذي لا يختلف كثيرا عن حال أهل السنة فيه.
فقد تمَّ تدمير قسم من عقاراتهم، والاستيلاء على قسم آخر منها، وعلى مرأى ومسمع من السلطات، وقد تمَّ تهجير البعض منهم، واضطرّ آخرون لترك منازلهم، كما وحَقنوا فيهم خلايا سرطانية، نخرتْ بُنيتَهم الدينية، وخرقتْ نسيجَهم الاجتماعي فدبَّ الخلافُ فيهم، وتعدّدت الولاءات الداخلية والخارجية بينهم، وضاعت المصالح القومية والدينية والوطنية بين الكمِّ الهائل من الفساد وتقاطع المصالح الشخصية، والمؤامرات والدسائس، وأخيرًا، جعلوا يدَ رئاسة جمهورية العراق تمتدُّ لإنهاء الرمز القيادي في هذا النسيج الاجتماعي ليبقى بلا قيادة، ويتعرّضَ للتفتُّت، وييأسَ من الوحدة والنهوض، حتى أصبح حاله أشبه ما يكون بحال أهل السنة، بالتمام والكمال، وأضحى المسيحيون، بذلك، مع المسلمين السنة العرب في خندق واحد، من التهميش، والتفتيت، والضياع.
فأما المسلمون السنة العرب، فمفهومٌ سبب رميهم في حضن النظام الإيراني من قبل أمريكا وأوروبا، وحتى الفاتيكان، ولكن الذي يصعبُ فهمُه هو ترك المسيحيين الكاثوليك لقمةً سائغةً لهذا النظام من قبل الفاتيكان، وواجهتَيهِ السياسيتين، أمريكا وأوروبا! فيا تُرى ما هو السبب؟
هل هو بسبب خلاف ديني مذهبي، داخل المدرسة الكاثوليكية؟
أم هل هو بسبب خلاف عرقي، بين التيار القومي العراقي في كنيسة الكلدان، وتيار العولمة اليساري في الفاتيكان؟
أم هل هو بسبب رمي العراق، ككل، في حضن النظام الإيراني، من قبل أمريكا، دون تمييز بين مسلم ومسيحي، وبالتالي تعجز أمريكا، والفاتيكان عن انقاذ مسيحيي العراق؟
أم هناك أسباب أخرى نعجز أن ندركَها، أو خَفيتْ علينا؟
وأيًّا كان السبب، فهناك حقيقة واقعة، نعيشها الآن في العراق، وهي: أن المسيحيين والمسلمين السنة العرب يَصطفُّون في خندقِ تهميشٍ واحدٍ، ليس لهم من العراق الحالي إلا الفُتات.