الكورد المركزيون والشيعة الانفصاليون
بدر اسماعيل شيروكي
بدر اسماعيل شيروكي/ العراق من الجانب الجغرافي والاجتماعي والمذهبي وحتى الاثني يئن تحت ضغوطات كبيرة لقوة الطرد من المركز، تلك القوة التي تتكون من ثلاثة محاور متضادة ومختلفة، وهي تسحب العراق نحو ثلاثة محاور متعاكسة، وهي منهمكة في إلغاء جميع المكونات والتوافقات القانونية والدستورية والمبادئ التي بنيت على أساسها أسس الدولة، ويعرضها للانهيار الكامل ويرميها في فراغ اللادولة ومن دون سيادة جغرافية واثنية وقانونية معروفة ومعترف بها دوليا.
القوة الأولى ذات الضغط الكبير والأكثر تشوقا هي القوة المذهبية الشيعية التي يتم جذبها من مركز الاستقطاب الخاص بهذا المذهب أي ايران.
المحور الثاني هو المحور العربي، او المحور المذهبي السني، الذي يعد الوريث والأركان التاريخية للسلطة التي بنت الدولة العراقية وما زالت وجميع الدول العربية السنية تعيش في وهمها بأن تعرّف بانها هي صاحبة هذا البلد ولا تنقطع عن حلم إعادة سلطة السنة على بغداد.
القوة الثالثة وقطب التحرك القومي الكوردي، التي تهدف مساعيها للخروج من دائرة الإلصاق بالعراق والخلاص من هذا السقوط في الحفرة السوداء التي تدعى السحب نحو المركز العراقي، ولم تسترح ولو للحظة واحدة ولم تتوقف عن المحاولة، ولا يبدو ان الجيل الجديد لهذه القومية رغم ظهور الأزمة السياسية وعدم ثقته بالاحزاب الكوردية، سيبرد عن السعي لطلب الاستقلال ولا يصب الطاقات داخل داينمو (محرك) قوى الانفلات من المركز العراقي، وعلى الرغم من التجربة المرة لما بعد السادس عشر من أكتوبر، استعار السياسيون الكورد مبدأ التقية من الفقه الشيعي، وقد يمارسون التقية السياسية لمدة طويلة الى حد ما وان يكون الاعتدال من اولى الاولويات في خططهم وبرامجهم الستراتيجية.
العراق الكامل لا الشيعة ولا السنة ولا الكورد، مع بدء سنة الفين وواحد وعشرين، امام هذه القوى الثلاثة وهذه الاقطاب الجاذبة الثلاثة الكبيرة، لن يتبق له أية قوة جذب مركزية من اجل جذب والصاق وموازنة القطع والكيانات المكونة له بنفسه، ولا يبدو من الان فصاعدا ان يقاوم الضغوط الكبيرة الجاذبة وقوة الهروب من المركز وان يكون له الأمل أن تتمكن المصالح الدولية والدولارات النفطية من تأمين سيادته الدائمية. ولكن اذا لم يكن هناك تخوف من اعلان الدولة الكوردية التي من المحتمل ان تجذب قسم من الجغرافيا والسكان في إطار الدولة الايرانية، وتقتطعها من ايران، لكانت إيران منذ عقد من الزمان قامت بفصل وتشكيل دولة شيعية كاملة جغرافيا عن الكورد والسنة ولحققت حلم الامبراطورية الشيعية في ما بين النهرين الى ان تصل فلسطين ولحققت شعار (طريق القدس تمر من كربلاء) الذي رفعته في حرب الثمان سنوات بين العراق وايران، لانه وفقا لتجربة السنوات العشرة الماضية كانت ايران هي الصاحبة الحقيقية للشارع الشيعي وصاحبة القرار الوحيد في هذا البلد، وليس لاية سلطة ان تدخل المنطقة الخضراء من دون قرار مباشر من ايران، وكما هو واضح فان جميع القوى الدولية بما فيها امريكا قبلت بهذه الحقيقة على مضض وهي تخطو وئيدا للاعتراف بها وتتعامل معها.
القطب الثاني، ومصدره من محور العرب المنجذبين للدول العربية ذات المذهب السني والدول العربية ذات المذهب السني بمركزيها التركي والسعودي، اللذين يعدان مصدرين ومغذيين له، في مقابل القوة المركزية المسيطرة وغير الابهة وهي مركز القوة الشيعية الذي دائما في هجوم ومتأهبة دوما، فمن الممكن ان ترضى هذه القوة السنية باقليم صغير للسنة اذا رأوه مشروعا لها.
في العام المقبل وفضلا عن الانفصال الداخلي وهدر القوة المحلية الكوردية، وكمحرك تاريخي لداينمو قوة الهروب من المحور في العراق، فان السلطة نفسها، اي الشيعة يشكلون قطبا اخر من قوى الانفصال في العراق وليس بعيدا ان ينقسم العراق في المستقبل ليس بسبب الكورد بل بسبب هروب المذهب الشيعي بنفسه والذي تسانده قوة كبيرة جدا للجذب مثل إيران.
وهذا برأيي يقف فقط على السماح لإيران أن تصبح صاحبة العراق باجمعه، او ان ايران تكون مهندسة صياغة السياسة الستراتيجية العراقية.
انا لا اعتقد بان ايران سترضى بانسحاب وترك لعراق لا يكون تحت هيمنتها بالكامل، لأنه منذ بناء الدولة العراقية كانت تهديدا خارجيا لإيران، وحرب الثمان سنوات للإيرانيين، وخصوصا نظام الجمهورية الاسلامية، كانت درسا من أجل المستقبل في ان عراقا سنيا متحدا في تلك الجغرافيا والقوة البشرية بامكانه ان يكون خطرا كبيرا على الأمن القومي والسلطة المركزية للشيعة في العالم، لذلك من الممكن من وجهة النظر بعيدة المدى للساسة الايرانيين، اما ان يكون العراق بأجمعه تحت سيطرتهم او عراق مصغر شيعي المذهب من دون الكورد والسنة خيارا وهدفا لهم.
لذلك ليس من المستبعد في المستقبل العراقي ان يتم تغيير الاستراتيجيات الاثنية وفقا لمصالح القوى والممثلين المهيمنين الخارجيين، والكورد الانفصاليون يكونون مركزيين والشيعة أصحاب الدولة يصبحون انفصاليون.
ترجمة: ماجد سوره ميري