العراق و أمريكا في الحقيقة

العراق و أمريكا في الحقيقة

عبدالله جعفر كوفلي

2017-05-14T09:04:00+00:00

من المعلوم بان العلاقات العراقية الامريكية قديمة و شكل العراق اهمية كبيرة في منطقة الشرق الاوسط لأمريكا سواء في الدفاع عن مصالحها و تأمين الطاقة و أعتبارها سوقاً للعرض و التسويق .

لعبت امريكا دورا مميزا في صنع المواقف السياسية للعراق طيلة العقود الماضية تجاه الدول الاقليمية و القضايا الدولية على الصعيد الخارجي و في الصعيد الداخلي كانت لهذه العلاقات اثراً واضحاً في تثبيت دعائم الانظمة الحاكمة او الانقلاب عليها و استبدالها بانظمة اخرى كلما دعت حاجتها الى ذالك فلا يكاد اية محاولة للانقلاب سواء في العهد الملكي او الجمهوري ان ترى النور الا بمباركة امريكا و دعمها بل كانت السبب في فشل انقلابات عديدة عندما لم تكن مخططاتها تمر عبر سفارتها في بغداد و تحظى بالتأييد .

اما على صعيد مشاكل العراق الداخلية سواء مع القومية الكوردية او الشيعة كانت لأمريكا الأثر الواضح في دعم الحكومات العراقية المتعاقبة في محاربة الاكراد و الشيعة لتقف بوجه طموحاتهم المشروعة في المطالبة بحقوقهم القومية و منها المشاركة في توقيع اتفاقية جزائر المشؤمة في (6/3/1975) عن طريق وزير خارجيتها كيسنجر و صمتها الرهيب تجاه المجازر و عمليات الانفال و استخدام الاسلحة الكيمياوية المحرمة دولياً مع الكوردستانين ناهيك عن سياستها القمعية مع المحافظات الجنوبية .

وعلى المستوى الاقليمي تأتي دعم امريكا للعراق في قمتها خاصة في حربها مع ايران التي دامت أكثر من ثمانية سنوات ذهبت ضحيتها الألاف بالاضافة الى الخسائر المادية التي لايمكن عدها .

وتبين من كل هذا بأن علاقاتهما كانت تتأرجح بين المد و الجزر و انه كلما شعرت امريكا بأن النظام العراقي قد خرج عن مسار مصالحها و تبعد عن الطريق المرسوم لها فانها تلجا الى تغييرها و استبدالها باخرى ليكون اكثر انسجاما لسياستها و ان حرب الخليج الثانية بعد غزو دولة الكويت عام (1990) او حرب تحرير العراق عام (2003) خير برهان على ذالك .

و من الممكن ان لا تكون اهداف هذه التغيرات في انظمة الحكم مرئية عند بدءها للعامة و لكن الزمن كفيل بكشف الاسرار و ان الاحداث تبرهن صدق اهدافها الحقيقية ، حيث صرحت كونداليزا رايس مستشارة الامن القومي الامريكي أبان حكم جورج دبليو بوش و وزيرة خارجيتها فيما بعد قبل ايام في محاضرة لها في معهد (بروكينز) بان الهدف من حرب تحرير العراق عام (2003) كان التخلص من نظام صدام حسين الذي كان يشكل تهديدا لامن امريكا و مصالحها و ليس نشر الديموقراطية فيها و بناء مجتمع مدني يعرف الكل ماله وما عليه .

ان ما ذهبت اليها كونداليزا رايس صحيح لان الحرب قد حقق اهدافها و تم التخلص من هذا النظام كسابقاتها و لكن مع الاختلاف في الاداة و تم استبدال من كان في سدة الحكم باخرين ايضا مع الاختلاف في الولاء و التخطيط على الرغم من المحاولات المتكررة اليائسة للمكون السني بالقبض على ماكنات الحكم و صنع القرار تحت مسميات مختلفة ومن جانب اخر فان نشر الديموقراطية التي كانت تنادي بها امريكا لبناء دولة العراق دهبت سدىً لأيمانها المطلق بان النظام الديموقراطي لا يصلح للعراق لاسباب عديدة داخلية و خارجية ترتبط بذهنية المواطن و تفكيره الضيق والبيئة التي عاشها والظروف التي مر بها و التدخلات الدولية و الاقليمية .

لذا حلت محلها الاقصاء و التهميش و الحرب المذهبية و رفض المشاركة في القرار السياسي و الفساد المالي و الاداري و عقد الصفقات للمشاريع الوهمية او الفاسدة و ظهور عمليات الاختطاف المنظم للعصابات ضد الاجانب و المواطنين العزل مما فتحت الابواب على مصراعيها للجماعات الارهابية بالنشاط مع وجود حاضنة أمنة لنموها و التي بدأت بالقتل و التفجيرات اليومية و اخيرا احتلال المناطق و المحافظات باكملها معلنة دولتها و افرزت عمليات الانتقام و خروج الالاف من المواطنين من بيوتهم نحو المصير المجهول في مخيمات للنازحين ينتظرون الموت او السعي وراء لقمة العيش لسد رمق جوعهم و ظروف مأساوية يخجل الكلمات من التعبير عنها .

ومع اقليم كوردستان حيث حل محل مشاركته في الحرب و بناء العراق الديموقراطي الاقصاء و التفرد بالحكم و اقرار القوانين بالاغلبية و رفض مبدا التوافق السياسي و قطع الموازنة و رواتب موظفي الاقليم و محاربة الكوردستانين بشتى الطرق في سبيل اضعافهم و ارغامهم على القبول بالحكم المركزي و التهديدات المستمرة لها ضد الاقليم حتى بات ايمان المواطن الكوردستاني بالعراق ضعيفا او منعدما في تامين حياته و التعامل معه على اساس المواطنة .

وبهذا حققت الحرب الامريكية على العراق هدفها وتبرهن على قوة السياسة الخارجية الامريكية تجاه المنطقة والايام القادمة سيكشف ما يحمله حقائب الدبلوماسيين الامريكيين الذين يتجولون في منطقتنا التي نأمل نها ان تفرز عن ولادة كيان سياسي كوردستانى مستقل وتسير سفينة الدبلوماسية الامريكية بما يشتهيه الحلم الكوردي المنشود   ..

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon