العراق بين التوجيه الخارجي و التنفيذ الداخلي
عبدالله جعفر كوفلي
ان جميع عمليات التغيير تتكون من توجيه أي ارادة موجهة و تنفيذ أي ارادة منفذة و من اجل تقريب الفكرة الى ذهن القارئ الكريم نذكر جهاز التحكم عن البعد في الاجهزة الالكترونية من التلفاز و اجهزة التبريد و السيارات او مايسمى ب (كونترول) ففي سبيل قيام هذا الجهاز بعمله بشكل سليم يجب ان يكون هناك من يوجهه و يطلق الايعاز المرغوب أي انه التوجيه و في الجانب الاخر يجب ان يكون هناك الاستقبال لتلك الايعاز لتنفيذه و هو المنفذ و هذا يعني بأن المنفذ يخضع لأرادة الموجه يلعب فيه حسب رغبته , هذه العملية متكاملة و متبادلة أي ان فقدان او عطل أي منهما تؤدي الى عدم تنفيذ الأمر و ان سرعة تنفيذ الامر يعتمد على قوة التوجيه و المسافة التي تفصل بينه و بين المستقبل بالاضافة الى استعداد المستقبل للأمر الموجه اليه , و كثيراً ما تتعثر الاشارات و لاتصب هدفها عند بُعدها او عدم توجيهها التوجه الصحيح ..
لنعود الى اصل الموضوع و نجيب السؤال المطروح الى أي مدى يتم توجيه العراق خارجياً للتنفيذ داخلياً ؟
ان قراءة التاريخ السياسي العراقي و المواقف التي اتخذتها حيال القضايا الاقليمية و الدولية تدلنا بوضوح بأن التدخل الخارجي كانت السمة البارزة في المشهد العراقي منذ تأسيسها الى يومنا , و كل التوقعات تشير الى استمرارها في المستقبل لأن الاصل في تأسيسها كانت استجابةً للمصالح الدولية و خاصة بريطانيا التي كانت الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس و بقيت تحكم العراق عن طريق المستشارين في الوزارات و كافة المؤسسات و ترسم سياسة العراق و توجهها طيلة الحكم الملكي أي ان الملك و التشكيلات الوزارية كانوا منفذين لتوجيهات بريطانيا و يعملون وفق رغبتها الى ان تم الاطاحة بالحكم الملكي في عام 1958 و الاعلان عن النظام الجمهوري الذي لم يكن اكثر استقلالاً من ذي قبل بل و ان كل الانقلابات و الثورات التي شهدتها العراق لم تكن لتحدث لولا التوجيه الخارجي لها و بشهادات الخبراء و السياسيين . ان درجة التوجيه الخارجي للمشهد الداخلي العراقي يعتمد على قوة النظام السياسي الحاكم و هشاشته و قبوله للايعازات الخارجية و المصالح الدولية .
و تدلنا المواقف الى صحة ماذهبنا اليه , فأن اتفاقية جزائر المشؤومة في 6/3/1975 ضد تطلعات الشعب الكوردي كانت بتوجيه خارجي من ايران و امريكا هذه الاتفاقية التي كانت سبباً في نشوب الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمان سنوات كان ايضاً بتوجيه خارجي (عربي و دولي) بأعتبار العراق حامي البوابة الشرقية في وجه ايران و حتى غزو دولة الكويت كانت بمباركة دول خارجية منها امريكا و هكذا .
و في عام 2003 دخل التوجيه الخارجي مرحلة جديدة بدأت بالتدخل العسكري لتغيير النظام السياسي لتصبح العراق ساحة صراعات مفتوحة لقوى خارجية امريكية و ايرانية و جماعات ارهابية لتجد في الشعب العراقي الجهاز الانسب لاستقبال مؤشراتهم و تحقيق اهدافهم بين إشعال الحرب الطائفية و إبعاد السنة من العملية السياسية انتقاماً لهم لحكمهم العراق في السابق و مسايرة الكورد و مشاركتهم الصورية للحكم .
بعد مرور اكثر من ثلاثة اشهر على اجراء الانتخابات النيابية في 12/5/2018 صادقت المحكمة الاتحادية على نتائجها بعد النظر في الطعون المقدمة و عمليات الفرز اليدوي للصناديق المشكوك فيها و يشهد الساحة السياسية حراكاً قوياً و اجتماعات طويلة متواصلة من اجل تشكيل اكبر كتلة نيابية تتمكن من تشكيل الحكومة القادمة و تشهد الصراع بين (قاسم سليماني / الايراني) و (بريت ماكغورك / الامريكي) حيث يجر كل منهما الحبل لصالحه لتكون الحكومة القادمة اكثر استقبالاً لذبذبات و توجيهاتهم لتنتهي المشهد بانتصار واحد منهم .
اياً كان من الامر في فوز احدهم بالكأس بعد اجتياز المراحل الصعبة فأن الشعب العراقي المسكين يبقى الضحية و الاداة لتنفيذ الامر الصادر اليه .
و نخلص الى القول بأن العراق كان و مازال انسب جهاز لاستقبال الترددات الخارجية و تنفيذها من اين كانت ؟ شرقية و غربية المهم ان لا يكون داخلياً فالانظمة العراقية مستعدة لاستقبال اضعف الترددات الخارجية و تنفيذها و غير مستعدة للاستماع الى اعلى الاصوات الداخلية بضرورة الاستقلال في القرار السياسي و تحسين الحياة العامة بتقديم الخدمات و توفير الامن و الاستقرار . و هذا هو القدر المكتوب للعراق .