العراق بين التظاهر و التخريب
عبدالله جعفر كوفلي
حق التظاهر من الحقوق الاساسية للانسان وهو يشمل او يمثل حق الانسان في التجمع و حرية الرأي و التعبير و قد نص عليه جميع لوائح حقوق الانسان و الدساتير في الدول مهما اختلفت في نظام حكمها او درجة نموها الاقتصادي او الترابط الاجتماعي فيما بين ابناء مجتمعاتها .
والتظاهر هو تعبير عن الرأي بشكل جماعي من اجل تحقيق مطلب معين و هو بذلك يعد شكلاً من اشكال المشاركة السياسية، لذا فأنه يتطلب تنظيماً و تحديداً للاولويات قد يكون التظاهر بهدف التأييد او الاحتجاج على قرار حكومي او لنقص في الخدمات , وقد كفل القوانين الداخلية و الدولية الحق في التظاهر بأعتباره حقاً مصوناً و طبيعياً ملتصقاَ بالانسان و ان هذا الحق يعد من اجلى صور التعبير عن الرأي و حرية الفكر و الضمير على ارض الواقع و للافصاح عما يختلجه انفسهم .
و من اجل ان لا تخرج المظاهرات من اطارها و تحقق هدفها المنشود و ان لا تتحول الى اداة للتخريب و الدمار و سفك الدماء و التجاوز على حقوق الغير، فأن الدول تلجأ الى تنظيم هذا الحق بتشريع القوانين الخاصة او اصدار التعليمات من الجهات المعنية و خاصة وزارة الداخلية بأعتبارها الجهة المكلفة بتأمين امن المواطن و حماية ممتلكاته بالتعاون مع الاجهزة الامنية الاخرى .
ان تاريخ التظاهر في العراق ليس وليدة اليوم وإنما قديمة و ترجع الى تاريخ تأسيسها عام 1921 حيث شهد العراق فترات ومراحل صعبة بخروج المواطنين للتظاهر من اجل حقوقهم المشروعة سواء كانت عامة او فئات معينة كعمال السكك الحديدية او الابار النفطية و غالباً ما يتم التعامل معها بالحديد و النار وخلفت وراءها القتلى و الدمار و يستمر مسلسل المظاهرات حتى اليوم أي انها لم تكن مرتبطة بنظام دون اخر مع الاختلاف في درجة حرية التظاهر .
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا تتحول المظاهرات في العراق الى اعمال العنف و التدمير و لا تنتهي الا بسفك الدماء ؟
بأعتقادنا المتواضع و من خلال قراءتنا لتاريخ العراق و الواقع الحالي فأنها ترجع الى عدة اسباب تكون مجتمعة ومشتركة وتساهم كل منها بجزء من الدور المؤدي الى هذه المتاهة التي ما كادت تنتهي لتبدأ اخر بالظهور ومن هذه الاسباب :
- النظام السياسي ان المتتبع للاحداث يرى بوضوح بأن انظمة الحكم في العراق كانت تحكم بروح طائفي و نفس قومي بعيداً عن المواطنة فالسني الذي يمسك زمام السلطة قاتل الكورد و الشيعة و الشيعي الحاكم جعل من اساس الغالبية السياسية اداة للتهميش و الاقصاء للكورد و يشكل اوضح للسنة اما الكورد فأن مشاركتهم كانت صورية لا ترتقي الى المشاركة رغم نداءاته المتكررة و تشخيص الداء بأن حكم العراق يجب ان يكون بالتوافق و التوازن و من هنا كانت انظلاق التظاهرات ايضاً بنفس الانتقام ضد من في الحكم و ليس بهدف احقاق الحقوق و تأمين الخدمات لذا فأنها كانت تعامل بالحديد و النار لأن السلطة تشعر منها انقلاباً ضده .
- المواطنة : يبدو ان المواطن العراقي لم يشعر في غالبيته بالانتماء الى وطنه العراق و لم يرتبط به بالروح و الدم – مع احترمي و تقديري للمخلصين و الاوفياء منهم على قلتهم ـ نتيجة للاحداث التي مربها بنى ثقافة عنده بأن الحكومات جاءت لقهره و سلب حقوقه و ليس لخدمته لذا فأنه يراقب و ينتهز الفرصة بالانتقام منه بحرق المباني الحكومية و نهب اثاثه ناهيك عن الفساد المستشري حتى النخاع الذي زاد من الهوة و الفارق بينه و بين المواطن الاعزل الذي يئن من آلام نقص الخدمات من الماء و الكهرباء و الطرق و رائحة الاوساخ المتراكمة .
- الاجندات الخارجية , قلنا مراراً و تكراراً بأن الاجندات الدولية و الاقليمية تفعل و تؤثر على القرار السياسي العراقي مثلما يؤثر على تحريك الرأي العام في شارعه و هي كذلك و ماتزال و يبدو ظاهراً للعيان بأن التدخلات لا تزال تؤثر و تحرك و توجه المواطن العراقي نحو اهدافهم بطرق و اساليب و ادعاءات مختلفة بين المطالبة بالخدمات او محاربة الفساد او تأمين لقمة العيش .
يبدو و من هذه الاسباب انها الرئيسية و العامة .
يشهد العراق في الاونة الاخيرة تظاهرات في المحافظات الجنوبية لسوء الخدمات و العيش تحت خط الفقر و تزداد يوماً بعد اخر و ان التدمير و السلب و النهب من سماتها و قابلها المعاملة بالعنف خلف وراءه القتلى و الجرحى و يبدو انها تراكمات قديمة و تصفية الحسابات السياسية و انتقامات حزبية و تحقيق اجندات خارجية لا نتصور تهدئتها بسرعة لفقدان الثقة بين المواطن و الحكومة و عدم ايمانه بدور الاحزاب القائمة و قد يدخل العراق في نفق مظلم يكاد الخروج منه صعباً غير معافى تجر وراءها التغيير و التغيير من اجل التغيير لتنتهي بالاسوء و الاسوء .
و ما ان نسمع بخروج مظاهرة إلا و تبدأ اعمدة نيران المباني الحكومية و الحزبية ترتفع لتعانق السماء و قط اثاثه تسرق و تنهب يقابله تأييد حكومي بمشروعية حقوقهم و طلباتهم و إنزال اقسى العقوبات بالمندسين و المتأمرين وتستمر هذه المشاهد إلا ان يرث الله الارض و من عليها .