السياسة ومناهجها البحثية
ميثم العقيلي
وهي مناهج عديدة تختلف باختلاف وجهة نظر الباحث واعتماده على الحقائق العلمية والمستخرجة منها, وأهمها:
الأول: المنهج الفلسفي المثالي: وهو منهج استنباطي يستهدف الكشف عما يجب أن يكون عليه الواقع السياسي حتى يكون مثالياً فاضلاً، ومن أبرز من استخدموا هذا المنهج أفلاطون اليوناني خصوصاً بصدد فكرته عن المدينة الفاضلة ، وأقرب المناهج إليه هو المنهج القانوني المستخدم في دراسة القانون الدولي حيث إن القانون الدولي هو في النهاية مجموعة مبادئ قانونية مثالية تستهدف تحقيق واقع دولي مثالي ، مثل مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية ومبدأ المساواة في السيادة بين الدول على تفصيل آت.
الثاني: المنهج التاريخي: وهو من أقدم مناهج البحث ويعتمد على الأسلوب الوصفي في دراسة الأحداث والظواهر السياسية الماضية وعقد مقارنات بين الظواهر المتشابهة باعتبار أن فهم الماضي يساعد على التعرف على الظواهر الحاضرة . ويعتمد هذا المنهج على السجلات الرسمية والوثائق الأصلية والمذكرات والسير الذاتية للذين شاركوا في صناعة الحدث السياسي.
الثالث: المنهج المؤسساتي: وهو منهج دراسة النظم السياسية الذي يركز على المؤسسات السياسية المكونة لهذه النظم كالتشريعية والتنفيذية ، والدساتير التي تستند إليها وما تحتوي عليه من قواعد قانونية منظمة.
الرابع: المنهج السلوكي: وهو يقوم على الإفادة من نتائج العلوم السلوكية في مجال الأبحاث السياسية معتبرا أن علم السياسة هو علم ديناميكي يركز على التفاعل بين الظواهر السياسية وبيئتها المحيطة ، حيث إنها ظواهر غير جامدة ، كما يركز هذا المنهج على توجهات ودوافع واستجابات الأفراد والجماعات وتأثير كل ذلك على سلوكهم السياسي.
الخامس: المنهج المقارن: ويقوم على المقارنة بين واقعين أو أكثر بهدف استخلاص نتائج وقواعد علمية عامة لا ترتبط بمكان ولازمان معينين ، وكلما زاد عدد الحالات الخاضعة للمقارنة كلما كانت النتائج أكثر دقة وأهمية. وتعتبر المقارنة ركناً أصيلاً في المنهج العلمي التجريبي.
السادس: المنهج الوصفي: وهو منهج استقرائي يقوم على ملاحظة الواقع السياسي وتسجيل وتبويب البيانات بهدف تقديم صورة وصفية صرفة لهذا الواقع دو ن تأويل أو تفسير من جانب الباحث، ويستخدم هذا المنهج في دراسات الحالة،ودراسات المناطق ، وقياسات الرأي العام.
السابع: المنهج التجريبي: وهو منج استقرائي استنباطي يقوم على ملاحظة الواقع السياسي والتجريب في شأنه بهدف التفسير والتعميم والتوقع. فهو ملاحظة وتجريب من أجل التفسير والتعميم والتوقع . واعتقد البعض أن النجاح في التجريب في العلوم البحتة قد ينجح في مجال العلوم السياسية لكن صادف تطبيق هذا المنهج بعض النجاح النسبي والمتواضع.
هذا وأن لعلم السياسة علاقة وارتباطاً وثيقاً بباقي العلوم الاجتماعية والإنسانية وغيرها, وفي المقام نحاول بيان هذه العلقة والارتباط من خلال إيجاد بعض المشتركات بين هذه العلوم وكيفية معالجتها وترتب النتائج عليها, وأهم هذه العلوم:
أولاً: الفلسفة: وهي علاقة ظاهرة وبينة باعتبار أن قدماء فلاسفة اليونانيين أمثال سقراط وباركليس وأفلاطون تحدثوا عن السياسة وعلاقتاها بالفلسفة من خلال تحديد الأهداف النبيلة للسياسة كالخير العام للمجتمع والفضيلة والمعرفة، فالفلسفة السياسية شكلت العمود الأساسي لما يتم دراسته في علم السياسة كالفكر السياسي أو النظريات السياسية أو الأيدلوجيات ونحو ذلك.
ثانياً: الاقتصاد : وهي موضع خلاف فكري في مدى العلاقة التي تربط السياسة بالاقتصاد، فذهب البعض إلى اعتبار السياسة موجهاً للاقتصاد ، بينما بنى البعض العكس, وثالث اعتقد بوجود العلاقة الجدلية بين المفهومين، بمعنى السياسة تتأثر وتؤثر في الاقتصاد والعكس صحيح، ويشهد له الاقتصاد السياسي بحيث لا يمكن فهم النشاطات الاقتصادية الخارجية والداخلية للدولة دونما معرفة العلاقات وموازين القوى بين الشركاء في ذلك النشاط الاقتصادي
ثالثاً: الاجتماع: وهي علاقة قد تبدو ظاهرة فيما لو فسرنا السياسة أو الظواهر السياسية بكونها عن إحداث اجتماعية، فتكون جزءً من علم الاجتماع الذي يهتم بدراسة الحياة السياسية للأفراد التي هي جزء من الحياة الاجتماعية ، فعلم السياسة يقدم لعلم الاجتماع الحقائق الخاصة لتنظيم نشاطات الدولة بينما علم الاجتماع يقدم للسياسيين المعلومات عن الإفراد والمؤسسات والقوانين.
رابعاً: التاريخ: ومن الواضح أنه لا يخفى صعوبة فهم الظواهر السياسية إلا في سياقها التاريخي ، أي دراسة التاريخ للحدث من حيث الزمان والمكان والوثائق والعلاقات القائمة بين أطراف الحدث ، فالمؤرخون يقومون بإبراز الجوانب المختلفة للحدث من خلال الوثائق المتوفرة ، والسياسي يلعب دورا مهما في تحديد حقيقة ما حدث وإدراك النخبة السياسية له ، ليكون في النهاية تجربة واضحة يستفيد منها القائمون على سيادة الحكم فالمؤرخون هنا يقوموا بدراسة الوثائق المتوفرة لاستجلاء حقيقة ما حدث ، والسياسي يبين مواقف النخبة السياسية من ذلك الحدث في ضوء معلومات المؤرخ من حيث إدراكها لما حصل وقراراتها بخصوص ذلك.
خامساً: القانون: إن وظيفة القانون الأساسية هي تنظيم العلاقات بين الناس داخل الدولة, وكذا العلاقات ما بين الدول من خلال القوانين الدولية, سواء كانت هذه العلاقات ذات طابع شخصي أي علاقة الأفراد بعضهم ببعض, أم ذات طابع عام أي علاقة الأفراد بالدولة. ومعه برزت العلاقة بين علمي السياسة والقانون خاصة القانون الدستوري فكلاهما يهتمان بدراسة نظام الدولة والحكومات والسلطة مع وجود بعض الفوارق, فالقانون الدستوري يبحث في النصوص التي يضعها المشرعون بينما يبحث علم السياسة في الأحداث الحاصلة نتاج لتلك النصوص. هذا مع أن القانون الدستوري يضع القواعد التي تنظم حياة الناس والدولة، بينما علم السياسة يحلل السلطة نفسها ، فهو يهتم بكل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية وغير ذلك