السوداني وسيناريوهات ارتفاع سعر الدولار
احمد حسين
بداية أعلم أن هذا المقال سيشجع "أبطال الكيبورد" على كيل الاتهامات ليّ واحتسابي على جهات سياسية متعددة كلاً بحسب ميوله ومعاداته، وأقول لهؤلاء "الأبطال" قولوا ما تشاؤون فكل يغني على ليلاه، وبالنسبة ليّ فقد دفنت ليلاي منذ الدورة الانتخابية الثالثة.
رغم أنني أتوسم برئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني خيراً، وأظنه يريد فعلاً أن يقدم شيئاً للناس وخصوصاً الفقراء منهم، لكن حقيقة لا أستطيع منحه ثقتي الكاملة لأنني معبأ مسبقاً بعدم الثقة بالسياسيين، ولا أظن أنني أختلف بذلك عن الغالبية العظمى من العراقيين.
الشغل الشاغل للعراقيين في هذه الأيام هو ارتفاع سعر صرف الدولار، أو بوصف أدق انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي، وأنا منهم رغم أنني مستفيد جداً من هذا الارتفاع لكوني لا أتقاضى راتبي بالعملة العراقية، لكن هل هذا الانتفاع المؤقت يجعلني سعيداً بهذا الارتفاع، كلا والله فأنا لست بهذه الأنانية، أنا فرد من هذا الشعب ولست جزء من الطبقة الحاكمة، أشعر بما يشعر به الفقير وأنقم أشد نقمة على ما يتنعم به أصنام السياسة.
أنا لست مختصاً بالاقتصاد لكن من خلال عملي في الصحافة أحاول مناقشة آراء المختصين الذين تناولوا هذا الموضوع وأشبعوه تحليلاً موضوعياً حيناً، ومنحازاً لجهة سياسية ما حيناً آخر.
هناك ثلاثة سيناريوهات لارتفاع سعر صرف الدولار.
السيناريو الأول والأبرز:
الإطار التنسيقي والمنضوون تحت عباءته من محللين سياسيين واقتصاديين وإعلاميين ومدونين وجيوش إلكترونية، وهؤلاء يرون أن رفع سعر الدولار وسيلة أميركية للضغط على السوداني وحكومته والإطار بطبيعة الحال لكونه الكتلة الراعية لهذه الحكومة، في سبيل إنفاذ سياسة أو أهدافاً أميركية.
الغريب فالأمر أن جبهة الإطار لم تكشف لغاية الآن ما هي هذه السياسة وهذه الأهداف باستثناء المبرر الوحيد الذي يسوقونه وهو أن "البيت الأبيض" يريد أن يطيح بـ"البيت الأخضر" من خلال إفشال حكومة السوداني.
برأيي الشخصي لا أرى أي منطقية أو عقلانية لهذا التبرير الإطاري، فالسوداني ووفقاً لمعطيات عمله وأدائه منذ أن كان منسقاً بين الهيئة المشرفة على إدارة محافظة ميسان وسلطة الائتلاف للقوات الأميركية عام 2003، ومن ثم قائممقام مدينة العمارة، ومحافظاً لميسان، ونائباً في البرلمان الاتحادي، ورئيساً لهيئات ومؤسسات حكومية، ووزيراً لعدة وزارات، لم يظهر أنه ضمن محور أو معادٍ لمحور إقليمي أو دولي، لا غرباً ولا شرقاً ولا شمالاً ولا جنوباً، بل كان معتدلاً وممسكاً بالعصا من الوسط في هذا الأمر، بل أدعيّ أن السوداني أقرب للمعسكر الغربي منه إلى المعسكر الشرقي فلماذا تريد واشنطن تسقيطه؟!.
السيناريو الثاني:
في هذا السيناريو هو التيار الصدري، الخصم اللدود للإطار التنسيقي، فهو يرى -أو على أقل تقدير جيوشه الإلكترونية ترى- أن ارتفاع سعر الدولار سببه أن أطراف الإطار تسحب الدولار من السوق العراقية لتصديره إلى "حليفتها أو راعيتها" الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما أدى بالتالي إلى شح الدولار في الأسواق العراقية وارتفاع سعره -معادلة العرض والطلب-، والحقيقة هذا توظيف مضحك لهذه الأزمة الاقتصادية، فالكتلة الصدرية المستقيلة من البرلمان والتيار الصدري كانا من أشد المتحمسين و"المهلهلين" لرفع سعر صرف الدولار أمام الدينار في الحكومة السابقة ليصل إلى سعر يوازي سعر الصرف لدى الجارة إيران وبالتالي تتوقف عمليات تهريب العملة من العراق إلى إيران، أي بمعنى كلما ارتفع سعر صرف الدولار في العراق فإن مكاسب إيران ستتضاءل وتنتهي، والسؤال هنا لماذا تساهم إيران وأطراف الإطار التنسيقي برفع قيمة الدولار وهو يؤدي بالنتيجة إلى تكبد إيران أضراراً أكبر، مما يعني أن التيار الصدري وجمهوره يجب أن يفرح أشد الفرح كلما ارتفع سعر صرف الدولار في العراق لأنه يلحق ضرراً أكثر بإيران فلماذا هم مستاؤون من ارتفاعه؟!.
السيناريو الثالث "المغمور":
أبطال هذا السيناريو هم المحللون الاقتصاديون العقلانيون الذي "ركلوا" السياسة ومنغصاتها وأرادوا أن يوضحوا للناس البسطاء المتضررين من هذا الارتفاع المجحف لسعر صرف الدولار وتهيئتهم للقادم الأكثر سوءاً ألا وهو الارتفاع المتواصل لسعر الدولار.
هؤلاء المعتدلون يقولون إن ارتفاع سعر صرف الدولار أمر متوقع بعد إقصاء المصارف "الوهمية" التي ما هي إلا واجهات سياسية فاسدة كانت تستحوذ على مزاد بيع العملة للبنك المركزي العراقي وتغرق السوق بالدولار، بالتالي تؤمن وفرة دولارية تحافظ على كفتيّ الدينار والدولار.
ويبدو أن كلام هؤلاء منطقياً وعقلانياً إذ لم نشهد خلال عقدين من الزمن ارتفاعاً أو انخفاضاً ملفتاً بسعر الدولار سوى في حالات المتغيرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الدولية، وحتى خلال تلك الأزمات وأبرزها الانخفاض الخطير لأسعار النفط إبان حكومتيّ رئيسيّ الوزراء الأسبقين حيدر العبادي، وعادل عبد المهدي، لم تكن الفوارق السعرية كبيرة ولم تتجاوز في أشد الأزمات العشرة دنانير عن سعر الصرف الرسمي، لكن في الحكومة السابقة تم "رسمياً" رفع الفارق بمقدار 25 ديناراً (1200 دينار – 1450 ديناراً)، أما سوقياً فقد تراوح بين 26 – 29 ديناراً (1460 ديناراً – 1490 ديناراً)، فما عدا مِما بدا؟!.